آلاف المنظمات غير الحكومية بالعراق وجدل حول دورها.. مراقبون يتحدثون للجزيرة نت
برز عمل المنظمات غير الحكومية في العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، وعلى الرغم من الضبابية التي كانت تعمل بها هذه المنظمات بعد الغزو، غير أن قانون رقم 12 لعام 2012 المشرع من قبل مجلس النواب نظّم عمل المنظمات المحلية والأجنبية غير الحكومية من خلال ضوابط وتعليمات تتعلق بالتأسيس والعمل والتمويل.
وبعد قرابة العقدين على بدء عمل المنظمات غير الحكومية، ازداد عددها بصورة كبيرة ليتجاوز 5 آلاف منظمة في البلاد، وهو ما يثير العديد من التساؤلات عن نشاطاتها وعن المؤشرات السلبية والإيجابية التي تكتنف عملها.
عدد المنظمات
في السياق، يقول المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء حيدر مجيد إن عدد المنظمات غير الحكومية المحلية المسجلة رسميا في دائرة المنظمات غير الحكومية التابعة للأمانة العامة لمجلس الوزراء تجاوز 5 آلاف منظمة، إضافة إلى تسجيل أكثر من 100 فرع لمنظمات أجنبية عاملة في البلاد حاليا.
وعن تأسيس هذه المنظمات ومتابعتها، أوضح مجيد أن جميع المنظمات المسجلة سواء كانت محلية أو أجنبية تخضع للقانون رقم 12 المشرع عام 2010 الذي ينظم عملها وتحركاتها وتمويلها، مشيرا إلى وجود فرق خاصة في دائرة المنظمات غير الحكومية تتابع عمل هذه المنظمات بصورة دورية، مع تقديم كشوف وتقارير دورية ومراقبة حساباتها المصرفية.
وتابع -في حديثه للجزيرة نت- أنه لا يتم منح رخصة عمل لأي منظمة ما لم يخضع مؤسسوها لتدقيق أمني مسبق مع التحقق من مصادر التمويل والنظام الداخلي وغير ذلك، لافتا إلى أن ديوان الرقابة المالية (مؤسسة حكومية) يراقب حركة أموال هذه المنظمات، سيما أن بعضها يتلقى مساعدات أو منحا مالية من جهات دولية. وبالتالي، فإن المراقبة تضمن ألا يدخل التمويل ضمن شبهات الفساد أو تمويل الإرهاب أو العمل لصالح جهة أجنبية تضر بالبلاد.
مجالات عملها
يتنوع مجال عمل المنظمات غير الحكومية في العراق ما بين تقديم المساعدات وتنظيم الفعاليات الثقافية والفنية وتنظيم ورش عمل ودورات تدريبية للمواطنين في مجالات مختلقة، فضلا عن اهتمام بعضها بالقطاع المائي والزراعي والتغيرات المناخية في البلاد، وذلك بحسب المتحدث باسم الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
وفيما يتعلق بدورها خلال السنوات الماضية، أوضح مجيد أهمية أعمالها من خلال الدعم والإغاثة والمساعدات الإنسانية والطبية، سيما بعد عام 2014 إثر سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على مساحات واسعة من العراق ونزوح الملايين من المواطنين، فضلا عن جائحة كورونا التي انتشرت بشكل واسع خلال العامين الماضيين، ويقول "برز دور هذه المنظمات خلال جائحة كورونا من خلال تقديم المساعدات الطبية والغذائية والإنسانية لجميع المواطنين، وكانت دائرة المنظمات غير الحكومية قد شرعت في حينها بالقيام بحملة وطنية شاركت فيها نحو 300 منظمة غير حكومية لمساعدة أكثر من 4 ملايين مواطن خلال الجائحة".
مؤشرات سلبية
يثير العدد الكبير للمنظمات غير الحكومية أسئلة ملحة عن مدى استفادة العراقيين من وجودها. وتعليقا على ذلك، يرى الباحث السياسي غانم العابد أن وجود آلاف المنظمات غير الحكومية العاملة في البلاد، وبتوجهات مختلفة تظهر بين فينة وأخرى، يؤكد أن هناك توظيفا لبعضها من قبل أطراف سياسية، مبينا أن بعض هذه المنظمات تعمل وفق أجندة معينة، بحسب العابد.
أما الصحفي حسان كلاوي فيرى من جانبه أن هناك الكثير من المنظمات الأجنبية والمحلية التي تسعى للربح المادي فقط أو جمع المعلومات حول قضايا معينة، لافتا إلى أن المنظمات الأجنبية التي تعمل بصورة حقيقية في البلاد تتمثل بتلك التابعة لبعثة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى التي تحظى بخلفية معروفة ونشاطات مشابهة في بلدان أخرى، بحسب تعبيره.
وفي حديثه للجزيرة نت، يؤشر كلاوي أن هناك بعض المنظمات المحلية التي تبغي الربح من خلال الحصول على منح من مؤسسات دولية، معلقا "تسعى بعض هذه المنظمات للإثراء أو أن تأسيسها لا يخرج عن كونه ضرورة للتباهي والتفاخر من قبل مؤسسيها، وفي بعض الأحيان لغسل الأموال، كما أن بعض المنظمات أذرع لأحزاب سياسية ولا تظهر إلا أوقات الانتخابات لأجل كسب الأصوات الانتخابية".
مؤشرات إيجابية
ورغم هذه النظرة السوداوية، فإن كلاوي لا ينكر وجود منظمات تعمل في مجالات التنمية والتطوير المهني وتدريب الشباب على مشاريع معينة لتسهيل دخولهم سوق العمل في مختلف القطاعات، لافتا إلى أن العراقيين وبعد قرابة 20 عاما على بدء عمل هذه المنظمات باتوا قادرين على التفرقة بين ما وصفه بـ "الغث والسمين".
ويذهب بهذا المنحى الباحث السياسي غانم العابد الذي يقول للجزيرة نت "على الرغم من بعض المؤشرات السلبية، لكن هذا لا ينفي وجود منظمات أثبتت وجودها من خلال تقديم الخدمات والإغاثة وإعادة الإعمار والبناء" مشيرا إلى تلك المنظمات التي عملت في مدينة الموصل (شمالي البلاد) بعد استعادتها من تنظيم الدولة صيف عام 2017.
ولا يكتفي العابد بذلك، إذ يؤكد أن بعض هذه المنظمات كان لها دور أكبر من الحكومات المحلية التي تحظى بتمويل حكومي كبير، منبها على ضرورة تشديد الحكومة الإجراءات الخاصة بمنح موافقات العمل للمنظمات المستحدثة مع مراجعة تلك المسجلة مسبقا.
وفي سياق ذي صلة، يرى الناشط المدني عمر السالم أن المنظمات غير الحكومية كان لها دور واضح سيما في المحافظات التي خرجت من قبضة تنظيم الدولة، معلقا "الكثير من هذه المنظمات كانت في حالة طوارئ بعد استعادة المدن المنكوبة من سيطرة التنظيم، مع إسهامها في إغاثة السكان خلال النزوح وبعده".
وفي حديثه للجزيرة نت، يقسم السالم المنظمات غير الحكومية إلى أقسام عديدة، منها ما قد تم تأسيسه لأجل العمل المجتمعي، مثل تلك التي تأسست بعد عمل تطوعي كبير ثم تحولت إلى العمل المؤسسي، إضافة إلى منظمات أخرى تأسست من أجل الحصول على المنح الدولية مع إخفاق الكثير منها بسبب شبهات فساد، بحسبه.
ويشير الناشط المدني إلى وجود منظمات أخرى تبشيرية أو تتبع أحزابا وكتلا سياسية تسعى لتمرير أفكار معينة أيديولوجية أو أن تكون واجهات سياسية لا تظهر إلا أوقات الانتخابات التشريعية أو المحلية، بحسب تعبيره، لافتا إلى أن المؤشرات الإيجابية لعمل المنظمات غير الحكومية بالعراق تتمثل في سعيها لإحداث نقلة إيجابية في المجتمع من حيث تطوير الوعي المجتمعي ونبذ الخلافات مع توفير فرص عمل حقيقية لكثير من الشباب من خلال المشاريع التي تقدمها.