لا يعترفون بالديمقراطية ويقطن غالبيتهم بمستوطنات الضفة.. الحريديم من الهامش إلى مركز الحكم في إسرائيل

أغلبية اليهود الحريديم يقطنون في القدس ومستوطنات الضفة الغربية وأصبحوا قوة مؤثرة في الحكم (الجزيرة)

القدس المحتلة- تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة -بالاعتماد على الأحزاب اليهودية (الحريدية)- عكَس تعاظم قوة التيار الديني في المجتمع الإسرائيلي، وتعزيز نفوذه سياسا واجتماعيا، وانتقال مجتمع اليهود المتدينين "الحريديم" من العزلة والتهميش إلى الحكم في إسرائيل.

وتسعى الأحزاب الحريدية الرئيسية "شاس" و"يهودية التوراة"، الممثلة بـ18 مقعدا في الكنيست، إلى توظيف قوتها السياسية للتوغل بمفاصل الحكم. الأمر الذي يمكّنها من التأثير على هوية إسرائيل برمتها، من دولة "يهودية ديمقراطية" كما تعرّف نفسها، إلى دولة تتطلع إلى حكم إسرائيل بموجب التوراة والشريعة الدينية اليهودية.

ويضيء تنامي التيار الحريدي المتشدد دينيا على الصراعات العميقة داخل المجتمع الإسرائيلي خاصة مع عدم حسم مسألة الهوية اليهودية للدولة، وبسبب غياب هوية موحدة ومتجانسة لليهود في فلسطين، الذين انقسموا بين علمانيين ويهود تقليديين، ومتدينين يعبر عنهم الحريديم وما يسمون أنفسهم بالقوميين.

ويظهر هذا الخليط المجتمعي تناقضات بين مركبات الهوية الإسرائيلية التي تضم الديانة اليهودية، والقومية، والصهيونية، والديمقراطية. وهو مزيج يرفضه التيار الحريدي الذي يتمسك بالديانة اليهودية والتوراة كهوية واحدة لإسرائيل.

اليهود الحريديم
الحريديم يمثلون فئة السكان الأسرع نموا في إسرائيل ويكرسون أوقاتهم لدراسة الشريعة اليهودية بدل الذهاب للعمل (الجزيرة)

من اليهود الحريديم؟

تيار ديني متشدد جدا، وتعني كلمة الحريدي (التقيّ)، ويتنكر هؤلاء اليهود للصهيونية، ويعيش غالبيتهم في فلسطين التاريخية والولايات المتحدة. ومنهم من يعيش في الدول الأوروبية ويتنقل بينها. وينتمون في معتقداتهم إلى التوراة والأصول الفكرية اليهودية القديمة.

ويتكون هذا التيار من عدة طوائف وأحزاب ينتمون إلى حاخامات (رجال دين) يوجهونهم لعيش حياتهم اليومية حسب الطقوس والتشريعات التوراتية.

ويتمسك الحريديم بالنصوص التي وردت في التوراة والتلمود وبتعاليم الحاخامات، ويجمعون أن دولة إسرائيل وحياة اليهود فيها يجب أن تحكمها الشريعة اليهودية والتعاليم التوراتية، وليس مبادئ الديمقراطية وقيم الصهيونية والقوانين التي شرعها الإنسان. وعليه، يوظفون نفوذهم السياسي من أجل فرض هذه التعاليم على الحياة اليومية للإسرائيليين.

ما حجم المجتمع الحريدي؟ وما مدى توسعه ديموغرافيا؟

يبلغ عدد "الحريديم" حاليا 1.28 مليون، وعام 2009 كان عددهم 750 ألفا. وتبلغ نسبة النمو السكاني بينهم 4%، بينما النسبة العامة للإسرائيليين 2.3%. وبذلك، يكون المجتمع الحريدي الأسرع نموا في إسرائيل.

وسيشكل اليهود المتدينون "الحريديم" 16% من إجمالي سكان إسرائيل بحلول 2030. وتقدّر دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن تعدادهم السكاني سيبلغ مليوني نسمة عام 2033.

ويقطن أكثر من 40% من اليهود الحريديم في مدينة القدس وفي منطقة "بني براك" قرب تل أبيب، بينما يسكن 7% منهم في مستوطنة بيت شيمش قرب القدس، و53% يقطنون في مستوطنات ذات أغلبية حريدية مثل "موديعين عيليت" و"بيتار عيليت" و"إلعاد" المقامة على أراضي الفلسطينيين بالضفة الغربية، أو في أحياء سكنية داخل مدن كبيرة، مثل صفد وطبريا وأسدود وملبّس (بيتاح تكفا) وحيفا وصرفند، وأم خالد (نتانيا).

ما الوضع الاجتماعي والاقتصادي للحريديم؟

تُظهر بيانات مركز الأبحاث التابع للمعهد الإسرائيلي للديمقراطية أن معدل الفقر بين الحريديم ضعف ما هو عليه بين عامة السكان في إسرائيل الذي يصل إلى 25%، في حين يعيش ما يزيد على 50% من الحريديم تحت خط الفقر. ويمثل هذا تحسنا طفيفا مقارنة بالسنوات السابقة، إذ وصلت نسبة الفقر بينهم 58% عام 2005.

وعام 2022، سُجلت معدلات بطالة مرتفعة بين الذكور في المجتمع الحريدي، إذ بلغت 46.5%، وهي نسبة أعلى بـ3 أضعاف تقريبا من البطالة بين الذكور اليهود غير الحريديين.

ويعود ذلك إلى إقدام الذكور الحريديم على تعلم التوراة في المدارس الدينية اليهودية لمدة 3 سنوات على الأقل، كبديل عن الخدمة العسكرية، إذ يحصل كل طالب حريدي على معاش شهري بقيمة 1200 دولار.

تيارات الحريديم تضم متشددين دينيا بالإضافة إلى جماعة ناطوري كارتا التي ترفض الصهيونية والاحتلال (الجزيرة)

ما أبرز الطوائف والتيارات الحريدية؟

  • اليهود الحريديم الحسيديم (الغربيون): هي حركة تصوّف روحانية اجتذبت آلاف الأتباع منذ أوائل القرن الـ19 بين أوساط الجاليات اليهودية في أوروبا الشرقية. ونشأت الحركة حول مجموعة من الحاخامات المؤثرين، وتُعرف بنظامها الداخلي الصارم والتشديد على سلوكيات أفرادها وانضباطهم سياسيا واجتماعيا.
  • اليهود الحريديم الليتوانيون (الغربيون): يخصص الحريديم الليتوانيون جل وقتهم للدراسة المنهجية للتلمود وتفاسيره، ويعتبرون دراسة التوراة قيمة عليا، على الرغم من أن قسما كبيرا من الرجال يذهبون إلى سوق العمل، بدلا من تعلم التوراة.
  • اليهود الحريديم السفراديم (الشرقيون): هم يهود تم استقدام عائلاتهم إلى فلسطين من دول عربية مختلفة، وتبنوا في البداية طقوس اليهود الحريديم الليتوانيين، ذات الطابع الحريدي الأوروبي، لكنهم بعد ذلك تأثروا بالحاخامات اليهود من أصول إسبانية الذين تنقلوا وسكنوا في بلدان المغرب العربي.
  • طائفة (ناطوري كارتا): تناهض علنا الحركة الصهيونية وترى بمشروعها الاستيطاني سبب الشرور التي تحل بالشعب اليهودي. ويقطن غالبية أبناء هذه الطائفة في القدس ولا يعترفون بإسرائيل، ويعارضون الخدمة العسكرية، ويرفضون الحصول على مخصصات وميزانيات من حكومة الاحتلال، ولا يشاركون بانتخابات الكنيست، ويعترفون بحق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال.

كيف ينظر الحريديم إلى الديمقراطية؟

تتقوقع جميع الطوائف في المجتمع الحريدي وتنغلق على ذاتها منعا للذوبان في الطوائف والمجتمعات الأخرى غير الحريدية، وتتميز بالتشدد والتعصب للقيم التقليدية التوراتية اليهودية، وترفض تغلغل الثقافة الأوروبية والغربية وقيم العلمانية والديمقراطية إلى صفوفها.

وتعترف الطوائف الحريدية بالنظام الديمقراطي على أنه "وضع جيد مؤقتا"، بيد أنها تعارض وبشدة اعتماده أساسا للحياة السياسية والاجتماعية، لأنه يأخذ مكان الشريعة اليهودية كمصدر وحيد للتشريع وإدارة الحياة العامة للشعب اليهودي.

ويلتزم الحريديم بنصوص توراتية تخص الفصل بين الجنسين وتمنع الاختلاط والعلاقات بين الرجال والنساء، ويحرص هؤلاء على شراء منتجات "حلال" (مصادق عليها من الحاخامية الرئيسية)، ويمتنعون عن تدنيس "حرمة يوم السبت"، ولا يعملون فيه ويخصصونه لزيارة الكنس وقراءة التوراة فقط.

كيف يتعامل الحريديم مع التجنيد في الجيش الإسرائيلي؟

امتنع الشبان في الطوائف الحريدية دائما عن التجنيد تحت ذريعة انشغالهم بدراسة تعاليم اليهودية والشرائع التوراتية "التي هي الضمان للحفاظ على بقاء إسرائيل". وأيضا بسبب صعوبة الحفاظ على التدين والتعاليم اليهودية بسبب الاختلاط في الجيش.

ويعتبرون أن دراسة التوراة "سلاح روحاني" لحماية "شعب إسرائيل"، وأن التفرغ لدراستها لا يقل أهمية عن الخدمة العسكرية.

ورغم معارضتهم، بدأت إسرائيل في مطلع التسعينيات حملة تجنيد بأوساط الشبان الحريديم، حيث أسست وحدة عسكرية خاصة بهم، سُميت كتيبة "هناحل هحريدي" أو "نيتساح يهودا" وهي كتيبة تنشط بالأساس في الضفة الغربية المحتلة.

وأقامت أطرا عسكرية أخرى لاستيعاب الحريديم في سلاحي الجو والبحرية وجهاز المخابرات. ومع ذلك، يخدم بضعة آلاف فقط من الحريديم في الجيش على الرغم من أن تعداد الشبان الحريديم يبلغ قرابة 300 ألف.

Netanyahu looks at Member of Knesset Deri as they stand with members of the new Israeli parliament after their swearing-in ceremony in Jerusalem
نتنياهو (وسط) مع زعماء التيار الديني المتشدد الذين سيطروا على مقاليد الحكم بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة (رويترز)

ما أحزاب الحريديم في الحكومة الإسرائيلية الحالية؟

تشارك جميع الطوائف الحريدية، باستثناء حركة "ناطوري كارتا"، في انتخابات الكنيست ضمن أحزاب تحالفية للحريديم الغربيين والشرقيين. ولدى حركة "شاس" برئاسة أرييه درعي (الحريديم الشرقيون) 11 مقعدا تمثلها في الكنيست.

أما حزب "يهودية التورة الموحدة" بقيادية موشيه غافني (الحريديم الغربيون)، فلديه قائمة برلمانية مكونة من طائفتين "الحسيديم" و"اللتوانيين"، وتضم تحالف حزبي "ديجيل هتوراة" و"أغودات يسرائيل"، إذ حصل الحزب على 7 مقاعد في انتخابات الكنيست الأخيرة.

وعززت الأحزاب الحريدية حضورها في المشهد السياسي الإسرائيلي، وتعد اليوم حجر الأساس في حكومة نتنياهو الجديدة، وكذلك الحليف الإستراتيجي لحزب الليكود، وباتت المركّب الأكثر تأثيرا على صنع القرار في مواجهة معسكر الوسط والتيار الليبرالي العلماني.

المصدر : الجزيرة