المعلم المصري.. أزمات متداخلة فهل لها من حل؟
بدأت أزمة العجز في المدرّسين تلقي بظلالها على العملية التعليمية في مصر مع بدايات الألفية الثالثة بنحو 323 ألف معلم، وذلك كأثر مباشر لقرار أصدره رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري، بوقف تكليف خريجي كليات التربية ابتداء من عام 1998 بحجة أن ميزانية الدولة لا تتحمل عبء تكليف خريجي كليات التربية آنذاك.
القاهرة – قبل نحو 3 أعوام، قُتل مُعلم في أحد أحياء مدينة السلام شرقي القاهرة، حيث طعنه لص بسلاح أبيض ليستولي على التوكتوك الذي يقوده للاسترزاق بعد انتهاء فترة عمله بالمدرسة.
ويضطر معلمون مصريون للعمل الإضافي مثل قيادة التوكتوك وغيرها من المهن؛ مدفوعين بضغوط سد احتياجات أسرهم التي لا توفرها أجورهم المقررة من جانب الحكومة.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsأزمة الطلاب الوافدين بجامعات مصر.. تسليع للتعليم أم دخل قومي وقوة ناعمة؟
تعرف على موقع مصر في التصنيفات العالمية للجامعات
تطوير التعليم أم تسليعه؟.. إليك أبرز المعلومات عن الجامعات الأهلية بمصر
وتدني الأجور ليست المعاناة الوحيدة التي يواجهها المدرسون بمصر، فثمة مشكلات عدة تؤثر على العملية التعليمية برمتها، وذلك ما دفع وزير التعليم الجديد رضا حجازي للربط بين تطوير التعليم والارتقاء بالمعلم.
وأكد حجازي خلال ندوة نظمتها الهيئة الوطنية للصحافة الأحد الماضي، استعداد الوزارة لعمل لائحة انضباط ومدونة سلوك للمحافظة على كرامة المدرّس، مشددا على حصر ممارسة التدريس على المعلم الحاصل على رخصة مزاولة المهنة فقط خلال الفترة المقبلة.
ووفق آخر تقرير إحصائي صادر عن وزارة التعليم، يبلغ عدد المعلمين المزاولين للمهنة نحو 992 ألف معلم في حين يزيد عدد التلاميذ على 25 مليون تلميذ.
فهل بدأت الحكومة المصرية في الالتفات إلى أوضاع المعلمين وتحسينها، ليعود المصريون إلى ترديد بيت الشعر الشهير لأمير الشعراء أحمد شوقي:
قم للمعلم وفّه التبجيلا *** كاد المعلم أن يكون رسولا
أجور المعلمين
يضطر بعض المعلمين للعمل سائقي توكتوك أو في مجال طلاء الجدران "نقاش" وفق تأكيد نقيب المعلمين خلف الزناتي، مبررا لجوء نسبة منهم إلى الدروس الخصوصية لتحسين دخولهم، وفق تصريحات صحفية.
ورغم إعلان الحكومة المصرية زيادة رواتب العاملين بالقطاعات الحكومية ومنها المؤسسات التعليمية، في أبريل/نيسان الماضي، إلا أنها ظلت غير متلائمة مع موجات التضخم التي تشهدها البلاد.
وأصبحت رواتب المعلمين وفق آخر زيادة حكومية (الدولار = 19.30 جنيها):
- معلم مساعد: 2859 جنيها.
- معلم: 2998 جنيها.
- معلم أول: 3473 جنيها.
- معلم أول (أ): 4056 جنيها.
- في أغسطس/آب الماضي، أصدر وزير التعليم قرارا برفع سعر الحصة الواحدة الزائدة عن النصاب القانوني للمعلمين من 3.80 جنيهات إلى 20 جنيها.
وقال حجازي -في تصريحات متلفزة- إن زيادة سعر الحصة سيؤدي لزيادة رواتب المعلمين الذين يأخذون حصص زائدة عن نصابهم القانوني.
وتابع "لو المعلم حصل على 5 حصص زيادة في الأسبوع بما يعادل 20 حصة في الشهر، لو حسبنا كل حصة بـ 20 جنيها سيحصل على 400 جنيه زيادة على راتبه".
وبلغت المخصصات المالية للتعليم في الموازنة العامة للدولة لعام 2022-2023 نحو 131 مليار جنيه.
ووفق تصريحات وزير التعليم السابق طارق شوقي، تستحوذ أجور المعلمين والتسويات الخاصة بهم على 84% من ميزانية التعليم.
عجز المدرّسين
تقدس المعلمة "س. م" العمل؛ لذا عندما أخبرها الطبيب أنها مصابة بقصور في الكلى وبحاجة للراحة التامة، لم تفكر في مآلات المرض بقدر ما شغلها مصير عملها.
وقد اقتضت الراحة التامة 3 مسارات تخص عملها كمعلمة بإحدى المدارس الابتدائية، إما أن تستقيل بعد 30 عاما من العمل الدؤوب، أو تحصل على إجازة تستلزم إجراءات مرهقة، أو تراهن على إصلاح وضع التعليم في بلادها، بما يتيح لها ممارسة مهام تناسب درجتها الوظيفية (مدير عام)، وليس بدرجة "معلم حديث التخرج".
وبسبب عجز المعلمين داخل المدارس المصرية، لم يعد ثمة مراعاة لمن شارفوا على الـ60 ويحق لهم قانونا مناصب قيادية بعيدا عن التدريس داخل الفصول، فالكل يعمل داخل الفصول وكانت من ضمنهم المعلمة "س.م".
وتؤكد المعلمة -للجزيرة نت- أنها حاولت الاستمرار في العمل الذي تحبه لكنها لم تعد تقوى على الوقوف داخل الفصل الدراسي والتعامل مع أطفال دون العاشرة، وأضافت "درجتي الوظيفية تقتضي الإشراف وليس التدريس لكن المدارس تعاني من عجز كبير في المدرسين".
ولم تجد المعلمة بدّا من السير في طريق الحصول على الإجازات حتى وصولها لسن المعاش.
قرارات حكومية
وبدأت أزمة العجز في المدرسين تلقي بظلالها على العملية التعليمية مع بدايات الألفية الثالثة، كأثر مباشر لقرار أصدره رئيس الوزراء الأسبق، كمال الجنزوري، بوقف تكليف خريجي كليات التربية ابتداء من عام 1998 بحجة أن ميزانية الدولة لا تتحمل عبء تكليف خريجي كليات التربية آنذاك.
ووصل عجز المعلّمين في البلاد بعد نحو ربع قرن من قرار وقف التكليفات إلى 323 ألف معلم، وفق تصريحات مسؤولين حكوميين، في حين يصل عدد كليات التربية بالجامعات الحكومية لنحو 25 كلية يتخرج منها الآلاف سنويا.
وفي محاولة لسد العجز، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا في يناير/كانون الثاني الماضي، بإجراء إعلان لتعيين 30 ألف مدرس سنويا لمدة 5 سنوات، ليصل إجمال المعينين إلى 150 ألف معلم، مع اعتماد حافز إضافي جديد لتطوير المعلمين بنحو 3.1 مليارات جنيه.
وسبق تلك الخطوة الرئاسية، إعلان وزارة التعليم في سبتمبر/أيلول الماضي، عن فتح باب التطوع بالمدارس لحملة المؤهلات العليا التربوية للعمل بنظام الحصة، على ألا يزيد المقابل المادي للحصة الواحدة على 20 جنيها.
واشترطت الوزارة ألا تزيد فترة الاستعانة بالمتطوع على 11 شهرا خلال العام المالي الواحد، وعدم المطالبة مستقبلا بالتعيين على الموازنة العامة للدولة.
كفاءة المعلم
المنظومة التعليمية التي تخلو من التدريب المستمر لتنمية مهارات المعلم تضعف من قدرته المعرفية والتربوية، وفق تأكيد الخبير بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي محمد فتح الله.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول فتح الله إن كفاءة المعلم المصري انخفضت على عدة مستويات بسبب ضعف جودة التدريب، واعتماد المدربين على النواحي النظرية فقط، ما أدى لانعدام أثر ملموس على المدرسين من حيث تطوير مهاراتهم.
ووفق الخبير التعليمي، انخفضت كفاءة المعلم المصري على عدة أصعدة وهي:
- قدرة المعلم على إعداد الاختبارات التحصيلية وفق المعايير الصحيحة.
- قدرة المعلم على إعداد أدوات الجانب الوجداني التي تخص التعامل مع ميول واتجاهات الطلاب.
- مهارة احتواء الأنماط السلوكية الجانحة من قبل بعض الطلاب.
- كيفية إدارة الوقت في ظل كمية كبيرة من المعارف مع وقت دراسي قصير.
- التعامل مع الكثافة الطلابية وتكدس المناهج.
- تحقيق نتائج التعلم المستهدفة وعلى رأسها إعداد مواطن منضبط سلوكيا.
وأوضح فتح الله أن الأكاديمية المهنية للمعلم من المفترض أنها الجهة المنوط بها تقييم البرامج التدريبية للمعلمين والإشراف على تنفيذها، مضيفا أن ما يحدث على أرض الواقع هو قيام الأكاديمية بإعداد برامج التدريب، أي أنها أصبحت تقدم الخدمة وتقيمها في نفس الوقت، ما أدى لضعف جودة الخدمة المقدمة.
واختتم الخبير التربوي بالتأكيد على أن تدريب المعلم هو الركيزة الأساسية لتطوير التعليم، مشددا على أن تردي أوضاع المعلمين انعكست بالضرورة سلبا على أوضاع الطلاب.
وضع مغاير
وفي حين يُقتل مدرس لكونه اضطر للعمل كسائق توكتوك يتحرك زميل له بسيارة فارهة وبصحبة حرّاس شخصيين لكونه اتجه للدروس الخصوصية.
وفي يوليو/تموز الماضي، انتشر مقطع مصور لمعلم الفلسفة، سيد العراقي، وهو يستقل سيارة فارهة بصحبة سيارتين أخريين وعدد من الحراس الشخصيين، بينما يستقبل هذا الموكب طلاب يحملون الورود ولافتات تحتوي على عبارات شكر على ما قدمه لهم خلال الدروس الخصوصية.
وفي تصريحات سابقة، قال وزير التعليم السابق، طارق شوقي، إن اقتصاد الدروس الخصوصية يصل إلى نحو 20 مليار جنيه.
بينما قدّرت دراسة حديثة -أعدها المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، بناء على استقراء بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء حول إنفاق الأسر على التعليم- اقتصادَ الدروس الخصوصية بنحو 60 مليار جنيه.
وتحت عنوان "مراكز الدروس الخصوصية: تكامل مع المدرسة أم منافسة؟" أوضحت دراسة للمركز البحثي معاناة وزارة التعليم من ارتفاع الكثافة في جميع المراحل التعليمية، وعجز في أعداد المعلمين، وضعف في برامج إعداد وتأهيل المعلمين للوفاء بمتطلبات المهنة، وتدني رواتب هؤلاء المعلمين.
وذلك ما أدى إلى ترسيخ قناعة لدى أولياء الأمور والطلاب بأن الخدمة التعليمية المقدمة في المدارس لا ترتقي لتحقيق طموحاتهم وأهدافهم؛ الأمر الذي دفعهم إلى الدروس الخصوصية، وفق ما جاء بالدراسة.
وكانت وزارة التعليم أعلنت عن إعداد مشروع قانون لتجريم الدروس الخصوصية، وأقر غرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تتجاوز 50 ألف جنيه لكل من أعطى درسا خصوصيا في مركز تعليمي أو في مكان مفتوح للجمهور بصفة عامة.
ومقابل محاولة التجريم أعلنت مصلحة الضرائب، العام الماضي، فتح ملفات ضريبية لمراكز الدروس الخصوصية وتحصيل نسبة 10% من إيراداتها.