عودة لرهانات سابقة أم تجميد لأطراف الصراع وهل حسمت مصر موقفها من الصراع الليبي؟ الخبراء يجيبون

في تفنيده لانسحاب وفد القاهرة من اجتماع وزراء الخارجية العرب، أوضح المتحدث باسم الخارجية أحمد أبو زيد أنه إجراء طبيعي ودبلوماسي تم على أساس أن ممثلة ليبيا تمثل حكومة منتهية ولايتها.

الوفد المصري برئاسة وزير الخارجية سامح شكري أثناء الانسحاب من الاجتماع الوزاري العربي الذي ترأسته نظيرته الليبية نجلاء المنقوش (مواقع التواصل)

القاهرة- في تطور مفاجئ لموقفها من الملف الليبي، انسحب وفد مصر من الجلسة الافتتاحية للاجتماع الوزاري العربي، الذي احتضنته القاهرة مساء الثلاثاء، بسبب تولي نجلاء المنقوش، ممثلة حكومة الوحدة الوطنية الليبية، رئاسة أعمال المجلس.

فكيف يمكن تفسير هذا الموقف وما تداعياته المحتملة، وهل يؤسس لدور مصري جديد يتفاعل مع الدور التركي في البلد العربي (ليبيا) الذي يشهد مؤشرات انتقال من الاستقطاب السياسي إلى عودة العنف المسلح.

رغم تأكيد القاهرة في أكثر من مناسبة عدم شرعية ولاية حكومة الوحدة (المعترف بها دوليا وتتخذ من طرابلس مقرًا لها) وتأييد البرلمان الليبي (يتخذ من الشرق مقرًا له) في تزكية رئيس جديد للحكومة في وقت سابق من العام الجاري، إلا أن انسحاب وزير الخارجية المصري المفاجئ من الاجتماع العربي أثار جدلا دبلوماسيا كبيرا.

وفي تصريحات منفصلة للجزيرة نت، تباينت رؤى خبراء مصريين بشأن تداعيات الموقف الأخير، بين حسم الانحياز لطرف على حساب آخر، مما قد يعيد إلى الواجهة الرهانات المصرية السابقة وتأزيم الدور المصري هناك، مقابل رأي يشير إلى رؤية مصرية تركية حالية تنطوي على عدم السير مع حكومة الوحدة أو الانفتاح مع حكومة فتحي باشاغا، وصولا إلى إجراء الانتخابات وإنهاء الأجسام والشخصيات الجدلية الموجودة حاليا في المشهد الليبي.

انسحاب مفاجئ

في تبريره لمغادرة وفد مصر من الاجتماع العربي، أوضح المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد أن الانسحاب إجراء طبيعي ودبلوماسي، وقد تم على أساس أن ممثلة ليبيا تمثل حكومة منتهية ولايتها.

وفي تصريحات تلفزيونية، أضاف أبو زيد أنه كان على مصر أن تلتزم بموقفها القانوني ورؤيتها السياسية، مشيرا إلى أن رئاسة المجلس العربي تنطوي على استحقاقات هامة الفترة المقبلة، وكان من الملائم عدم استحضار الأزمة الليبية إلى ساحة حوار وزراء الخارجية العرب.

ومطالبا بعدم القفز إلى أية نتائج غير منطقية، أضاف أبو زيد أن بلاده لا تزال تقف على مسافة واحدة من الجميع، وقنوات اتصالها لا تزال مفتوحة على أطراف الأزمة.

وكان الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط قد أشار، في كلمة له، إلى أن الأمانة العامة للجامعة تم تكليفها بإعداد ورقة قانونية حول تمثيل ليبيا في هذه المنظمة المكونة من 22 دولة لتلافي الخلافات المستقبلية بشأن هذه القضية.

رهانات سابقة

كانت مصر ولا تزال أبرز الداعمين لقوى الشرق الليبي (تحديدا رئيس البرلمان عقيلة صالح، وقائد قوات شرق ليبيا اللواء المتقاعد خليفة حفتر) وكانت تراهن عليهما في استعادة الاستقرار وحماية مصالحها الإستراتيجية وتجنب التدخل الخارجي المباشر في شؤون هذا البلد المجاور.

لكن فشل الحملة العسكرية لحفتر على طرابلس دفع القاهرة لإعادة النظر في خططها، والرهان على تسويق المسار السياسي، والالتزام بإجراء الانتخابات الليبية في موعدها وتأكيد ضرورة خروج القوات الأجنبية، كما بدت أكثر انفتاحا على حكومة طرابلس، وأعادت فتح سفارتها هناك، كما وقعت عددا من اتفاقيات التعاون وإعادة الإعمار.

وبعد فشل العملية الانتخابية الليبية وتداخل مصالح أطراف الصراع، أعلنت القاهرة تأييدها لقرار مجلس النواب في ليبيا تزكية باشاغا رئيسا للحكومة خلفا للدبيبة الذي رفض القرار، دون أن تقطع قنوات الاتصال مع الأخير.

كما رعت مصر واستضافت عدة جلسات لتسويق المسار السياسي السلمي وصولاً لإجراء الانتخابات، وهو موقف يتفق مع الموقف الدولي الراهن من الأزمة، وكذلك مع الحراك التركي الذي يبدو أنه أكثر توافقا العامين الماضيين مع المسار المصري.

تناقضات

في تفسيره لأسباب الانسحاب من الاجتماع العربي بعد صعود المنقوش، يرى عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية الأسبق أن هناك تناقضات مصرية بين الأداء الدبلوماسي والموقف السياسي من الأزمة الليبية، في ضوء الاعتراف الدولي بحكومة الوحدة ووجود سفارة لطرابلس في القاهرة.

وأوضح الأشعل أن الرئيس عبد الفتاح السيسي سبق أن اجتمع بأطراف الأزمة الليبية، وأكد أن بلاده تسعى إلى نجاح التسوية السياسية السلمية والوصول لإجراء الانتخابات، وبالتالي الموقف المصري متزن على المستوى السياسي على نقيض الدبلوماسي.

وأشار إلى أن انسحاب الوفد المصري لن يضر بمصالح القاهرة في ليبيا أو يُحدث أزمة مع حكومة الدبيبة، لكنه يثير تساؤلات حول أسبابه وجدواه خاصة وأنه جاء وحده دون دول عربية أخرى.

ويعتقد هذا الدبلوماسي السابق أن لدى بلاده قناعة بأن جماعات الإسلام السياسي التي تعاديها القاهرة لا تزال منضوية في تحالفات مع الدبيبة، إضافة إلى استمرار تواصل الأخير مع تركيا، وهو ما قد يفسر الانحياز المصري لصالح الشرق الليبي، وفق قوله.

وتعقيبا على مدى توافق المقاربة بين مصر وتركيا في الصراع الليبي، أوضح الأشعل أنه على المستوى السياسي قد يكون هناك تقارب بين البلدين بهذا الملف، رغم التأييد التركي الضمني لحكومة طرابلس مقابل الدعم المصري لباشاغا وحفتر.

وردا على موقف مصر من حفتر، استبعد الأشعل عودة التأييد المصري للأخير لاعتبارات دولية تنعكس فيها الحرب الأوكرانية بين روسيا والغرب على الملف الليبي ووضعه في دائرة الصراع.

التوازن مطلوب

بدوره، أشار المحلل السياسي المصري مختار غباشي إلى صعوبة الوضع الراهن بالملف الليبي، وذلك في ضوء العودة إلى مشهد الانقسامات والرهانات السابقة.

ودعا غباشي بلاده إلى ضرورة إيضاح وجه الاعتراض على المنقوش، وهل هو في مصلحة الوجود المصري على الساحة الليبية أم لا، وماذا سيكون دورها في المرحلة المقبلة بعد هذا الموقف، خاصة وأن المنقوش هي من ستترأس دورات الفترة العربية الحالية وليس هذا الاجتماع فحسب.

وفيما لفت هذا المحلل السياسي المصري إلى أن القاهرة أحد الأطراف الأساسية في الأزمة، وشدد على أنه لكي يكون لمصر دور أساسي لحل الأزمة فلا بد لها من حفظ شكل من أشكال التوازن في العلاقات مع الأطراف المختلفة على الساحة الليبية.

ليس رهانا على باشاغا

وعلى خلاف الرأيين السابقين، رأى الباحث المصري المتخصص بالشأن الليبي علاء فاروق أن انسحاب الوزير شكري من الاجتماع العربي ينبني على رؤية مصرية تعتقد أنه لا يجب أبدا السير قدما مع أية حكومة موجودة في ليبيا الآن، كون حكومة الوحدة قد تجاوزت مدتها القانونية من جانب، ولا يمكن الانفتاح مرة واحدة على حكومة مجلس النواب برئاسة باشاغا من جانب آخر.

وأوضح فاروق أن التعاطي المصري مع الملف الليبي يأتي في سياق تعاطٍ دولي يسعى إلى الوصول لمرحلة تجميد العلاقات الرسمية مع الحكومتين حتى تتم العملية الانتخابية.

وأشار فاروق إلى أن الوزير شكري تواصل مع المنقوش قبل الجلسة الوزارية وقدم لها بعض المقترحات: منها الاعتذار عن رئاسة الجلسة لرفع الحرج عن بعض الدول التي تقع في المنتصف، لكن الوزيرة لم تقتنع بالمقترح.

إشكالية أخرى دفعت إلى انسحاب شكري، بحسب الباحث المصري، تتمثل في أن القاهرة ترى أن ليبيا سبق أن اعتذرت عدة مرات عن رئاسة الاجتماع لوجود الانقسام السياسي، وبالتالي الحكومة المصرية رأت أن حكومة الدبيبة تستغل الموقف للتسويق لنفسها ولحشد عربي لصالحها يبعث رسالة للمجتمع العربي بأنها مدعومة من الجامعة العربية.

مقاربة مصرية تركية

وبسؤاله عن مدى توافق المقاربة بين القاهرة وأنقرة لحل الأزمة، قال فاروق إن هناك خطوات من الطرفين للوصول إلى حل وسط عبر ضغط كل طرف على حلفائه، مصر على الشرق الليبي، وتركيا على حكومة طرابلس.

وتوقع أن يُترجم التقارب المصري التركي وجود مبادرة ستكون هي الأنجح في ليبيا، عبر إجراء عملية انتخابية في أسرع وقت، بما في ذلك إنهاء بعض الأجسام والشخصيات الجدلية الموجودة في المشهد السياسي الليبي، وفق قوله.

المصدر : الجزيرة