ما تأثير بعثة الأمم المتحدة في الشأن العراقي؟
لا تكاد تخلو الأحداث السياسية اليومية في العراق من تعليقات وتغريدات من البعثة الأممية، إذ دائما ما تعلق على الشان السياسي وتقدم النصائح، فضلا عن لقاءاتها الدورية مع زعماء الكتل السياسية، وهو ما يثير العديد من التساؤلات عن مدى تأثير "يونامي" ومدى قدرتها على التدخل في البلاد.
يتساءل المتابع للشأن العراقي عن مدى تأثير بعثة الأمم المتحدة بالعراق (يونامي) في الوضع السياسي العراقي، ولا سيما مع زيادة حدة الصراع والانغلاق السياسي عقب فشل الكتل السياسية في تشكيل حكومة وتسمية رئيس وزراء بعد قرابة 11 شهرا من إجراء الانتخابات التشريعية في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
لا تكاد تخلو الأحداث السياسية اليومية في العراق من تعليقات وتغريدات من البعثة الأممية التي تترأسها الدبلوماسية هينيس بلاسخارت، إذ دائما ما تعلق على الشأن السياسي العراقي وتقدم النصائح، فضلا عن لقاءاتها الدورية مع زعماء الكتل السياسية، وهو ما يثير العديد من التساؤلات عن مدى تأثير يونامي ومدى قدرتها على التدخل في البلاد، ولا سيما أنه لا يكاد يلاحظ دور للأمم المتحدة في الشأن السياسي في بقية دول الجوار العراقي والعربي وحتى الإقليمي.
تأسيس بعثة يونامي
تمتد علاقة العراق مع الأمم المتحدة إلى عام 1945، حيث كان العراق واحدا من الدول المؤسسة للمنظمة عقب الحرب العالمية الثانية. ووفقا لموقع وزارة الخارجية العراقية، فإن بعثة الأمم المتحدة في العراق المعروفة اختصارا بـ"يونامي" أُنشئت بموجب قرار مجلس الأمن 1500 يوم 14 أغسطس/آب 2003، حيث تقوم بولايتها بناء على موافقة الحكومة العراقية. ومنذ ذلك الحين، يجدد مجلس الأمن الدولي كل عام ولاية بعثة يونامي وصولا إلى القرار 2631 في مايو/أيار الماضي الذي جدد فيه مجلس الأمن ولاية البعثة حتى نهاية مايو/أيار 2023.
دور يونامي
تتمتع بعثة يونامي بدور واسع في البلاد وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2631، حيث نص على إعطاء الأولوية لتقديم المشورة والمساعدة للعراق -حكومة وشعبا- بشأن تعزيز الحوار السياسي والمصالحة على المستوى الوطني وعلى صعيد المجتمعات المحلية، فضلا عن تقديم مزيد من الدعم والمشورة للحكومة العراقية وللمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ومؤسسات العراق الأخرى، في الجهود المبذولة لتعزيز الأعمال التحضيرية للانتخابات.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsشاهد- وصفها البعض بلقطة الموسم.. سياسي كردي يوجه رسالة للمبعوثة الأممية بعزف أغنية عراقية شهيرة
الصدر والأمم المتحدة يدعوان للتصديق على نتائج انتخابات العراق
كما أضاف نص القرار على تقديم البعثة المشورة والمساعدة للحكومة العراقية ومجلس النواب، بشأن مراجعة الدستور وتسوية الحدود المتنازع عليها داخليا وإصلاح قطاع الأمن وتيسير الحوار والتعاون الإقليميين، بما في ذلك بشأن قضايا أمن الحدود والطاقة والتجارة والبيئة والمياه وبناء القدرة على الصمود والبنية التحتية والصحة العامة واللاجئين والآثار السلبية لتغير المناخ وحقوق المرأة والمساواة.
ويبدو من خلال نص قرار مجلس الأمن الدولي أن لبعثة يونامي سندا قانونيا في لعب دور في الوضع السياسي بالعراق، وهو ما يشير إليه مهند الجنابي أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جيهان بأربيل.
وعما إذا كان للأمم المتحدة بعثات في جميع الدول، أوضح الجنابي للجزيرة نت أن جميع الدول المنضوية في الأمم المتحدة لديها ممثليات للأمم المتحدة على أراضيها، وهي تعادل دبلوماسيا مرتبة السفارات بين دول العالم، في حين أن التمثيل الدبلوماسي بين الدول والمنظمات الدولية يكون من خلال الممثليات، مثل ممثلية الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية وغيرها.
وعن بعثة يونامي، لفت الجنابي إلى أن البعثات الأممية تشكل في الدول بناء على طلبها، ولا سيما الدول التي تحتاج لمساعدة الأمم المتحدة في مختلف المجالات، أو في حال أن هذه الدول تعاني من مشكلات كبيرة واضطرابات، وهو ما حدث في العراق، حيث إن بعثة يونامي تأسست بادئ الأمر دون أن يطلب العراق ذلك عام 2003، إذ لم تكن له حكومة شرعية منتخبة، ومنذ ذلك الحين استمر تجديد مجلس الأمن لبعثة يونامي بناء على طلب الحكومات العراقية المتعاقبة.
تباين المواقف
وعن الدور السياسي الذي تلعبه بعثة يونامي التي تمثلها الدبلوماسية هينيس بلاسخارت، يشير الجنابي إلى أنه منذ التظاهرات الشعبية في العراق في أكتوبر/تشرين الأول 2019، برز دور البعثة الأممية من خلال تكثيفها النشاط السياسي واللقاءات مع مختلف الكتل السياسية حتى الأحزاب التي تمتلك فصائل مسلحة، انطلاقا من الولاية القانونية للبعثة في الانخراط ضمن الحوار السياسي في البلاد.
ومما زاد من تدخل يونامي في الشأن السياسي -بحسب الجنابي- الانسداد السياسي والدستوري وتفسيرات المحكمة الاتحادية للدستور التي لا تتوافق مع قناعات بعض الأحزاب السياسية في ظل تعثر تشكيل الحكومة. وبالتالي، فإنه وفي ظل عدم وجود قرار ملزم من مجلس الأمن باتخاذ الحكومة والأحزاب السياسية سلوكا معينا، فإن عمل يونامي يندرج ضمن بند تقديم المشورة والعمل وسيطا، لافتا إلى أن جميع الاتهامات التي تعرضت لها البعثة لا تحظى بأساس قانوني على اعتبار أن العراق هو الذي طالب بتجديد مهمتها في البلاد، بحسبه.
دور سلبي
على الجانب الآخر، يرى الخبير في القانون الدستوري أمير الدعمي -في حديثه للجزيرة نت- أن بعثة يونامي في العراق تعد أساس المشكلة، بحسب تعبيره، واصفا دورها بالسلبي ولا سيما في السنوات الأخيرة، معتبرا أن وجود البعثة يعد غير قانوني وينتقص من الحق السيادي للبلاد، معللا ذلك بأنها أنشئت عام 2003 دون طلب من العراق في ظل الاحتلال الأميركي، وأنه كان من الواجب إلغاء مهام البعثة بعد خروج القوات الأميركية وخروج العراق من طائلة البند السابع الذي فرض بعد حرب الخليج الثانية عام 1991.
وفي السياق ذاته، يرى الخبير القانوني علي التميمي أن البعثات الأممية عادة ما تنشأ في الدول التي تشهد اضطرابات سياسية وأمنية، وأن دور يونامي في العراق حاليا أشبه ما يكون بـ"الوصاية الدولية"، ولا سيما بعد خروج العراق من طائلة البند السابع لميثاق الأمم المتحدة.
وفي إفادته للجزيرة نت، أوضح التميمي أن تدخل البعثة الأممية في الشأن السياسي يخالف ميثاق الأمم المتحدة في المواد "أولا وثانيا وثالثا" التي تنصّ صراحة على سيادة الدول واستقلالها وعدم تدخل أي كان في الشأن السياسي الداخلي للدول.
وحاول مراسل الجزيرة نت التواصل مع يونامي لإيضاح دورها في الشأن العراقي في مختلف المجالات، إلا أن البعثة امتنعت عن الإدلاء بأي تصريح، وهو ما ينطبق على وزارة الخارجية العراقية التي رفضت التعليق على دور البعثة الأممية انطلاقا من عدم اختصاص الوزارة بهذا الشأن.
على صعيد آخر، يقول عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي بدورته السابقة محمد إقبال إنه لطالما كان دور بعثة الأمم المتحدة بالعراق تشوبه شوائب كثيرة، بحسب وصفه، وإن معظم الكتل السياسية كانت تنظر بريبة لدورها، ولا سيما أن بعض الشخصيات التي تولت مسؤولية البعثة كانت تشوبها العديد من شبهات الفساد، وهو ما انعكس برأيه على حيادية موقف البعثة تجاه العديد من القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان ونتائج الانتخابات التي جرت في العراق منذ عام 2003، بحسبه.
وتابع إقبال في حديثه للجزيرة نت أن كثيرا من الملفات الداخلية في العراق لا تنظر فيها بعثة يونامي، في الوقت الذي يتم فيه التركيز على ملفات معينة، معلقا "من خلال عملنا في لجنة العلاقات الخارجية كانت لنا لقاءات محدودة مع مسؤولي البعثة، حيث إنهم يفضلون اللقاءات الخاصة مع كبار المسؤولين مع إحاطتها بسرية كبيرة، ومن ثم تتمخض عنها بيانات تتناول الخطوط العامة دون الدخول في التفاصيل".
هل يمكن إنهاء عملها؟
ويعتقد إقبال أن هناك سببين اثنين لتمديد عمل البعثة طوال السنوات التي أعقبت 2003، حيث إن هناك رغبة دولية في تمديده ولا سيما مع الأزمة الطائفية التي شهدها العراق بين عامي 2006 و2008، ثم الأزمات السياسية اللاحقة التي رافقت تشكيل الحكومات العراقية المتعاقبة.
أما عن ثاني الأسباب، فيؤكد إقبال أن العديد من الكتل السياسية والحكومات كانت حريصة على بقاء البعثة لدرء الشبهات عنها، خاصة ما يتعلق بتقارير المنظمات الدولية حول انتهاكات حقوق الإنسان، وبالتالي فإن بقاء هذه البعثة كان يعد نوعا من الحماية الدبلوماسية للحكومات في العراق، بحسب تعبيره.
واختتم حديثه بالإشارة إلى أنه ليس من السهل تحويل البعثة إلى ممثلية، معللا ذلك بأن العملية السياسية في العراق غير مستقرة مع عدم التوافق على مواد الدستور ووجود السلاح خارج إطار الدولة، إضافة إلى وجود تدخلات من دول الجوار في الشأن الداخلي العراقي.