"نعيش من قلة الموت".. شهادات للجزيرة نت عن معاناة نزلاء سجن رومية بلبنان

توجد في لبنان 3 سجون مركزية: رومية وسجنا زحلة وطرابلس، ونحو 22 سجنا معظمها عبارة عن نظارات ومراكز توقيف احتياطي، وتضم جميعها 8 آلاف سجين يشكو جلهم من بطء المحاكمات القضائية التي تمتد لأشهر وربما سنوات

سجن رومية حيث العدد الاكبر من السجناء الاسلاميين - الجزيرة نت
سجن رومية المركزي يضم نحو 3700 موقوف في حين أن قدرته الاستيعابية تبلغ 1500 (الجزيرة)

بيروت- عند تخوم سجن "رومية" شمال شرقي بيروت يرصد العابرون ملامح مأساة إنسانية تكتمل فصولها خلف قضبان أكبر سجون لبنان، وتتدلى من نوافذه الحديدية الكثير من الملابس وتطل خلسة بعض الوجوه التي تشتهي تسلل الشمس إلى جدرانه الإسمنتية.

يضم "رومية" نحو 3700 سجين في حين أن قدرته الاستيعابية تبلغ 1500، ومعظمهم غير محكومين، ويعيش نزلاؤه اضطرابات، مع تصاعد حوادث العنف واشتداد أزماتهم الصحية والغذائية.

وشهد "رومية" وفاة 3 نزلاء في غضون أيام، واتهم ذووهم إدارة السجن بإهمال رعايتهم الصحية، الأمر الذي تسبب في وفاتهم.

وجرى فتح تحقيق بملابسات الوفاة، فيما يقول مصدر أمني مسؤول للجزيرة نت إن مسؤولي السجون لا يتراخون مع الأوضاع الصحية الحرجة، رابطا وضعهم بأزمات مختلف اللبنانيين، مذكرا بأن حال العناصر الأمنية والعسكرية لا يقل سوءا بعد أن دمر انهيار الليرة قيمة رواتبهم التي لا يتجاوز معدلها 50 دولارا شهريا.

الأهالي يتكبدون مبالغ طائلة لتوفير غذاء وطبابة ابنائهم - الجزيرة
الأهالي يتكبدون مبالغ طائلة لتوفير غذاء وطبابة أبنائهم الموقوفين (الجزيرة)

مظاهر الأزمة

وقبل أن يعصف الانهيار بلبنان منذ عام 2019 كانت الدولة تتكفل برعاية السجناء صحيا وتعطيهم الدواء الذي أصبحت أسعاره باهظة بعد رفع الدعم عنه، فاقتصر التوفير المجاني للأدوية على أصناف خفيفة بدعم من الجمعيات والمتبرعين.

وهكذا، يتكبد السجناء تكاليف علاجهم ويعجز ذووهم عن تغطية نفقات دخولهم المستشفيات التي تسعر فواتيرها بالدولار.

ويشكو السجناء أيضا من تضاؤل وجبات الطعام وتدهور نوعيتها وخلوها غالبا من اللحوم، وهو ما ينفيه المصدر الأمني، معللا ذلك بأن حراس السجون يأكلون من نفس طعام النزلاء، ولا يتمكن ذوو السجناء من إدخال الطعام لهم، فيجبرون على الشراء من حانوت السجن الذي يبيع السلع الغذائية بأسعار مرتفعة.

إعلان

وتسربت من "رومية" مؤخرا شهادات نقلت بعض معاناة السجناء، حيث أضرب نزلاء مبنى الأحداث عن الطعام، وأفاد بعض الأهالي بأن أبناءهم تعرضوا للتعنيف.

بدورها، نفت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي (المسؤولة عن السجون) ذلك، وقالت في بيان إنه "على خلفية الإضراب الجماعي عن الطعام بسجن الأحداث للمطالبة بتخفيض السنة السجنية الجرمية من 9 إلى 6 أشهر ادعى عدد من النزلاء المرض، وطالبوا بدخول المستشفى لتلقي العلاج، وتهجم سجينان على العناصر الأمنية بآلات حادة..".

إضراب القضاة اثر على المحاكمات في لبنان - الجزيرة
إضراب القضاة أثر على المحاكمات في لبنان (الجزيرة)

تحركات واعترافات رسمية

توجد في لبنان 3 سجون مركزية: رومية وسجنا زحلة وطرابلس، ونحو 22 سجنا معظمها عبارة عن نظارات (مكان حجز مؤقت) ومراكز توقيف احتياطي، وتضم جميعها 8 آلاف سجين.

ويشكو السجناء تاريخيا من بطء المحاكمات القضائية التي تمتد لأشهر وربما سنوات، وتفاقم الأمر مع الإضراب المفتوح لنحو ثلثي قضاة لبنان الذين رفعوا مطالب كثيرة، من بينها تحسين رواتبهم وتعزيز استقلالية القضاء.

وتحرك وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام المولوي قبل أيام داعيا إلى ضرورة إقرار مشروع "قانون العفو العام" كضرورة ملحة.

وقبل سنوات، جرى إجهاض هذا القانون في البرلمان عدة مرات نتيجة صراع الكتل حوله سياسيا وطائفيا، ويرى كثيرون أنه تحول إلى مادة انتخابية أغدقت القوى السياسية عبره الكثير من وعود -لم تتحقق- على الأهالي لكسب أصواتهم.

وأقر المولوي بأن السجون تشكو من 3 أزمات: الاكتظاظ والغذاء والطبابة، وقال إن نحو 79% من السجناء غير محكومين، وإن 43% غير لبنانيين، وقدم اقتراح قانون للبرلمان لخفض السنة السجنية من 9 إلى 6 أشهر، وأن تشمل كل الجرائم لمرة واحدة فقط.

وفي السياق، يقول رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب ميشال موسى للجزيرة نت إن البرلمان سيدرس قريبا اقتراح قانون الوزير المولوي وسيخضع للتصويت "لأن السجون أضحت قنابل موقوتة مع اكتظاظها بأكثر من ضعفيها نتيجة عدم بناء سجون حديثة في لبنان".

إعلان

وصرح موسى بأن تأخير المحاكمات تضاعف خلال السنتين الأخيرتين بسبب كورونا وإضرابات القضاة وانهيار البنى التحتية للمحاكم وقصور العدل، مستبعدا إقرار قانون العفو بلا اتفاق سياسي بين الكتل.

ودعا إلى التعامل بواقعية مع أزمة السجون، مذكرا بأن 43% من نزلائها غير لبنانيين، وقال إن "معظمهم سوريون نتيجة لأزمة اللجوء، وأي خطة لعودة السوريين لبلدهم سيكون السجناء جزءا منها".

مبنى رومية يخفي مأساة اكبر سجون لبنان - الجزيرة
مبنى "رومية" يخفي مأساة أكبر سجون لبنان (الجزيرة)

شهادات غير محكومين

يقول أحد نزلاء "رومية" للجزيرة نت "نعيش من قلة الموت"، ويؤكد أن ما يحكى "لا يعكس حجم حرماننا من أبسط حقوقنا بالغذاء والطبابة، وتكثر حالات المرض والعدوى الجرثومية، ونتلاصق بغرف ضيقة، ونشتهي مناداة أسمائنا لسوقنا إلى المحاكم".

وبحزن وحرقة، تقول اللبنانية ندى من البقاع إن لديها ولدين موقوفين متروكين بلا محاكمة في سجن زحلة، أحمد (32 عاما) وقد اعتقل قبل 6 سنوات بتهمة ترويج المخدرات، وكذلك الأمر بالنسبة لشقيقه علي (25 عاما) الذي سجن منذ عامين بالتهمة نفسها، و"كل مرة تتأجل جلسات المحاكمة 8 أشهر بذرائع، كغياب القضاة أو نقص الآليات لنقلهم إلى المحاكم".

وتبكي والدة الموقوف محمد (30 عاما) مما تصفه بالظلم الذي تعرض له بعد توقيفه منذ عامين وعدم خضوعه للمحاكمة، وتقول "نادرا ما أزوره في سجن رومية بسبب غلاء تكلفة المواصلات، وابني أب لـ3 أطفال يعانون جراء غيابه عنهم، وليست لدينا قدرة مادية على توكيل محام للدفاع عنه".

وتأسف السورية محاسن -التي تعيش في مخيمات عرسال- على توقيف زوجها محمد (32 عاما) منذ عامين في نظارة سرايا بعلبك، وهو متروك بلا محاكمة رغم وضعه الصحي الحرج، وفق ما تقول.

وهنا، تقول رائدة الصلح نائبة رئيس جمعية لجان أهالي الموقوفين إن سجون لبنان على شفير الانفجار في أي لحظة.

إعلان

وقالت إنهم يضغطون للسير بخطة إنقاذ "عبر تحديد حكم الإعدام 25 سنة، وحكم المؤبد 20 سنة، وأن يشمل الجميع تخفيض السنة السجنية إلى 6 أشهر وتنظيف السجل العدلي للمعفى عنهم، وتسريع المحاكمات لأن جزءا كبيرا من غير المحكومين قد تثبت براءتهم"، وهكذا "نخفف على الدولة العاجزة عن تغطية كامل نفقات العلاج والطعام للسجناء".

تجاوز القانون

وتستند الحقوقية والمحامية الخبيرة في القوانين الجنائية ديالا شحادة إلى المادة 108 من قانون أصول المحاكمات اللبنانية، وتقول إنه باستثناء حالة المحكوم عليه سابقا بعقوبة مدتها سنة على الأقل لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجنحة شهرين يمكن تمديدها مدة مماثلة كحد أقصى في حالة الضرورة القصوى.

وتضيف أنه بعيدا عن جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على أمن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وجرائم الإرهاب وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقا بعقوبة جنائية لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية 6 أشهر، يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معلل، على حد وصفها.

وقالت شحادة للجزيرة نت إن النظام القضائي اللبناني وفي ضوء الظروف الاستثنائية عاجز عن تلبية الحقوق الدستورية للمحاكمة العادلة، وتلقي المسؤولية على عاتق السلطة التنفيذية (الحكومة) "لتحكمها بزمام السلطة القضائية ومنع استقلاليتها".

وتصف الحقوقية وضع السجون بالكارثي وغير الإنساني، وقالت إن إضراب القضاة والمساعدين القضائيين قبلهم فاقم الأزمة وعرقل مسائل بسيطة كأذونات زيارات الأهالي للسجون، مذكرة بأن معظم الموقوفين من الطبقة الفقيرة وليس لديهم وكلاء دفاع.

وتسلط شحادة الضوء على التدمير النفسي والمعنوي للسجناء "في ظل غياب برامج التأهيل وعدم وجود متنفس لهم، وبعض السجون لا تدخلها الشمس، مما يعزز الاضطراب والنقمة والغضب حتى بعد الإفراج عنهم، خصوصا إذا ثبتت براءتهم".

إعلان
المصدر : الجزيرة

إعلان