رئيس الوزراء في العراق.. ما أبرز صلاحياته ولماذا تتناحر الكتل عليه؟

مع كل دورة انتخابية جديدة، يحتدم التنافس والصراع للظفر بمنصب رئيس الوزراء بين الكتل السياسية العراقية وخاصة الشيعية منها، بعد أن صار هذا المنصب ذا سلطات واسعة تفوق صلاحيات رئيس الجمهورية بعد اعتماد دستور عام 2005.
وبات العرف السائد تقسيم الرئاسات الثلاث بحيث تكون رئاسة البرلمان للمكون السُني، ورئاسة الجمهورية للمكون الكُردي، ورئاسة الوزراء من حصة الشيعة.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsمفاوض بارز وصاحب عقلية براغماتية.. من هو مصطفى الكاظمي؟
محاولة اغتيال الكاظمي الفاشلة.. انتقام لقتلى المواجهات أم مفتعلة وطوق نجاة؟
ونص الدستور على أن جمهورية العراق دولة اتحادية مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي برلماني. ومُنح بموجبه سلطات تنفيذية واسعة لرئيس الوزراء.
مقارنة وصلاحيات
وبالمقارنة بين صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء (السلطة التنفيذية الأعلى في البلاد) ومن واقع المادتين رقمي 67، 73 اللتين بينتا أن اختصاصات رئيس الجمهورية تشريفية في إدارة دفة البلاد وتوجيه العملية السياسية نظرا لكونه منتخبا عن طريق مجلس النواب وليس باستفتاء شعبي، إضافة إلى تقليص حجم صلاحياته بفضل تشكيل مجلس الرئاسة المكون من رئيس ونائبين.
وبالاستناد للدستور، فإن رئيس الجمهورية مهمته احتفالية ورمزية وتشريفية، بينما الصلاحيات الأوسع والأكثر تأثيرًا في البلاد لرئيس الحكومة والمسؤول التنفيذي المُباشر عن السياسة العامة للدولة والقائد العام للقوات المسلحة، ويُدير مجلس الوزراء ويترأس اجتماعاته، وتتبعه هيئات الرقابة والتفتيش كافة، إضافة إلى صلاحياته الاستثنائية في إعلان الحرب وحالة الطوارئ، مما جعل من هذا المنصب مجالا للتنازع بين الكتل السياسية الشيعية.
وبعد عام 2003، حين تحول العراق من النظام الرئاسي إلى البرلماني توالى على منصب رئيس الوزراء عدة شخصيات هم: إياد علاوي، إبراهيم الجعفري، نوري المالكي، حيدر العبادي، عادل عبد المهدي، مصطفى الكاظمي الذي ما زال يشغل المنصب في ظل انسداد سياسي منذ أكثر من 10 شهور، وتعطل أعمال البرلمان بعد اقتحامه من قبل أنصار التيار الصدري نهاية يوليو/تموز الماضي.

الفرق بين الحكومة والدولة
ويعد رئيس الوزراء هو رئيس الحكومة في ذات الوقت، لكن هناك فرقا بين الحكومة والدولة، فالحكومة جزء من مؤسسات الدولة، والدولة عبارة عن مجموعة مؤسسات، والحكومات تتغير لكن الدولة باقية. كما أن النظام البرلماني يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات وفق الدستور العراقي، فلا تداخل في الصلاحيات، وفقًا للخبير القانوني علي التميمي.
ورغم الصلاحيات المطلقة الواسعة لرئيس الوزراء بالنظام البرلماني، فإن التميمي يرى أن هذه الصلاحيات غير مطبقة في العراق، وأن رؤساء الوزراء تؤثر عليهم أسباب المحاصصة، وهذا ما يجعلهم مغلولي اليد.
وتلك الأسباب تدفع التميمي إلى تأييد الجبهة التي تُطالب بالعودة إلى النظام الرئاسي، ويرى في حديثه للجزيرة نت أنه الأفضل للعراق والذي يمكن أن تُضبط إيقاعاته من خلال دستور مؤقت وليس دائما، وتحديد مدة رئيس الجمهورية بمدة 4 سنوات مع وجود مجلس نواب يراقب عمل الرئيس كما الحال في بعض الدول.

اندثار رمزية المنصب
تاريخيا، وبعد عام 1958، حين جاء العهد الجمهوري، فقدَ منصب رئيس الوزراء رمزيته ودوره معا بسبب استحداث منصب رئيس الجمهورية، بحسب أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور سعد نصيف جاسم الجميلي.
لكن خلال الفترة من عام 1958 إلى 2003، فإن هناك اسمين فقط كان لهما دور في المحافظة على رمزية المنصب: الأول -كما يقول الجميلي- هو عبد الكريم قاسم مؤسس العهد الجمهوري الذي رفض أن يكون رئيسًا للجمهورية واكتفى بمنصب رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع. واستمر حكمه نحو 4.5 سنوات وانتهى بإعدامه.
والآخر هو أستاذ القانون الشهير الدكتور عبد الرحمن البزّاز الذي يعد أول رئيس وزراء مدني بالعهد الجمهوري. فإن فترة تولي البزّاز رئاسة الوزراء استمرت سنتين تقريباً إبّان عهدي الرئيسين الشقيقين عبد السلام وعبد الرحمن عارف.
وعن مواصفات اختيار رئيس الوزراء بعد حقبة 2003، يضيف الأكاديمي العراقي -في حديثه للجزيرة نت- أن خلاّط العملية السياسية التي تخلط فيه الكتل السياسية والأحزاب مواصفاتها لشخصية رئيس مجلس الوزراء القادم، وطوال جميع المراحل السابقة، كانت تنتج خلطة من شخصية ضعيفة مستسلمة لإرادة الكتل والأحزاب، يكون مستعدًا لتنفيذ رغبات وتوجيهات أغلب الكتل التي أدلت بدلوها لإنتاجه.
ويرى أن الكتل السياسية التي كانت تبحث عن شخصية للقيام بمهمة رئيس الوزراء -حسب الطلب- باتت اليوم تخشى على مستقبلها السياسي واستمرارية نفوذها خصوصا بعد المتغيرات السياسية التي أحدثها الواقع العراقي في مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، وانتخابات مبكرة وتغييرات دولية وإقليمية قد تكون عوامل مستقبلية في الإطاحة بالروتين السياسي الذي اعتاد عليه النظام السياسي، وهو ما يثير خوفهم وحفيظتهم ويجعلهم في تنافس محموم للظفر بهذا المنصب السيادي الذي يُديم الحياة السياسية للأحزاب.
ويقول الجميلي إن الشيعة أصبحوا في إرباك من مشهدهم السياسي اليوم وفوضى تسير بهم في نفق مجهول، وقد استدرج هذا الإرباك الكُرد والسُنة ليتداخل المشهد السياسي ويزداد تعقيدا وغموضا خصوصا بعد أن أصبح منصب رئيس الوزراء ليس همًّا للكُرد والسُنة في من يتولى هذه المسؤولية بل للشيعة فيما بينهم.

صلاحيات أمنية واقتصادية
أمّا المحلل السياسي البروفيسور ضياء واجد المهندس فيقول إن الصراع الحالي في العراق في الأساس على رئاسة الوزراء رغم أن الخلاف في البرلمان على الكتلة الأكبر، مبيناً أن رئيس الوزراء هو مركز السلطة التنفيذية المؤثر من مجموع السلطات الأربع في البلاد.
والسيطرة على رئاسة الوزراء يعني -حسب المهندس- تعني الهيمنة على كل المقدرات المالية والاقتصادية، لاسيما وأنها مسؤولة عن التخطيط وإعداد الموازنة والمشاريع الإستراتيجية وتمويلها وطرح وإعداد مشاريع ترسل للبرلمان للمصادقة عليها وإقرارها، مؤكدًا أن من يظفر بهذا المنصب يستطيع أن يستديم وجوده في البرلمان.
وعن الأقوى والأهم ما بين الأمن والعسكرة من جانب والاقتصاد من جانبٍ آخر، وهما من أبرز صلاحيات رئيس الوزراء، يقول المهندس أن الشعب العراقي يؤمن بالسلطة ويُرشح من هو في السلطة، وهذا ما يجعل أن يكون الأمن هو الأهم في الإدارة من الاقتصاد وهو الأساس في رئاسة الوزراء.

احتدام الخلاف والانشقاق
وتماشيا مع رأي المهندس، يقول الصحافي الكردي فائق يزيدي إن وجود صفة القائد العام للقوات المسلحة في شخص رئيس الوزراء جعل من المنصب ذا صلاحيات تنفيذية واسعة جدا، وهذا ما منحه أهمية تجعل منه أحد المناصب التي يحتدم عليها الصراع باستمرار.
ويضيف للجزيرة نت أنه رغم أن هناك دستورا يُحدد صلاحيات رئيس الوزراء ويجعله على قدر المساواة مع رئيس الجمهورية في بعض القرارات، مثل حل مجلس النواب وإعلان حالة الطوارئ، فإن توسع الصلاحيات يبقى أحد الأسباب التي تحفز القوى السياسية على الظفر بالمنصب. فمن الطبيعي أن يكون الخلاف محتدما بشأنه في ظل حالة الانشقاق داخل البيت الشيعي.