تقطعت السبل بالكثير منهم.. طلاب عرب يحكون للجزيرة نت كيف أثرت الحرب الروسية على دراستهم بأوكرانيا

جامعة كارازينا الوطنية في خاركيف من أشهر جامعات البلاد ومغلقة اليوم بعد أن تعرضت للقصف
جامعة كارازينا الوطنية في خاركيف مغلقة بعد أن تعرضت للقصف (الجزيرة)

أوكرانيا – لحرب روسيا على أوكرانيا تداعيات مست كل شيء، والطلاب العرب والأجانب لم يكونوا استثناء عن تلك القاعدة، بل لعلهم أبرز ضحاياها في قطاع التعليم.

فقد كانت أوكرانيا قبلة كثير من الطلاب الأجانب عموما لأسباب تتعلق بكثرة جامعاتها ومعاهدها، وقلة تكاليفها مقارنة مع غيرها في دول أخرى، بالإضافة إلى "سهولة" الدراسة فيها نسبيا، كما يرى كثيرون.

وتشير إحصائيات وزارة التعليم للعام الماضي 2021 إلى أن عدد الطلاب الأجانب بلغ 80 ألفا و470 طالبا من 158 دولة، من بينهم 8233 من المملكة المغربية، التي حلت ثانية بعد الهند على رأس القائمة، و3499 طالبا مصريا، و2561 من فلسطين وإسرائيل.

وبحسب "المركز الحكومي للتعليم الدولي"، يدر الطلاب الأجانب على اقتصاد البلاد نحو 570 مليون دولار سنويا، وهي أموال تعتمد عليها 455 معهدا وجامعة تدرس الأجانب، كما أن الطلاب ينفقونها أيضا على قطاع السكن وفي مجالات الطعام والترفيه والمواصلات وغيرها.

قاعة خاوية في يوم دراسي بجامعة تافريسكي بالعاصمة كييف
قاعة خاوية في يوم دراسي بجامعة تافريسكي بالعاصمة كييف (الجزيرة)

تعطيل دراسي تام

كل ما سبق توقف تماما في مناطق الشرق والجنوب، حيث لم تستأنف العملية الدراسية في خاركيف وزاباروجيا وخيرسون، وكذلك في أجزاء من دونيتسك بإقليم دونباس.

وبالإضافة إلى خسارة إقبال الأجانب الكبير على الدراسة في دورة العام 2022-2023، طال دمار واسع البنية التحتية للقطاع التعليمي جراء الحرب بما يقدر بنحو 3.8 مليارات دولار، بحسب إحصائيات "مدرسة الاقتصاد" في العاصمة كييف.

يتجلى ذلك واضحا في خاركيف، التي كانت توصف بالمدينة الطلابية لكثرة جامعاتها، ولهذا كانت مقصد النسب الكبرى من الطلاب سنويا، لكن أحدا من الطلاب لم يبق فيها.

جامعة خاركيف الطبية الوطنية، التي تحتل صدارة التصنيف الحكومي والإقبال الطلابي، مغلقة اليوم، وكذلك هي حال جامعة "كارازينا" الوطنية الكبرى في البلاد والثانية من حيث التصنيف والإقبال.

المشهد في خاركيف اختصره للجزيرة نت طالب مغربي -طلب عدم الكشف عن اسمه- يقول إنه الوحيد الباقي، وإن الظروف الخاصة اضطرته للعودة إلى المدينة بعد الهدوء النسبي، ولكن للعمل في مجال ذبح وبيع اللحوم، لا إلى مقاعد الدراسة.

وحول هذا الأمر، يقول فاليري بورتنياك، عميد جامعة "تافريسكي" الوطنية بكييف، "الدراسة في مناطق الشرق والمواجهات توقفت تماما، وكثير من الطلاب تحولوا إلى جامعات ومدارس المناطق الغربية. نعتبر أن الحفاظ على أعداد الطلاب -كما في العام الماضي- مؤشر إيجابي، ولكن الواقع يقول إن 25% منهم ومن المعلمين موجودون خارج البلاد، وكثير من الآباء يخافون حضور أبنائهم إلى الدوام".

إلى الخارج غالبا

وبالفعل، غادر معظم طلاب المناطق الشرقية والجنوبية، وكذلك منطقة سومي في الشمال، البلاد مع من غادر إلى دول أوروبا والجوار، أو نقلوا دراساتهم إلى جامعات كييف ومناطق أوكرانيا الغربية، على قلتهم.

حول هذا الموضوع حدثنا الطالب الفلسطيني عبد الله الجعبري، الذي يدرس في جامعة "بوهوموليتس" بكييف الطب البشري في السنة الخامسة، فقال "خرجت في أوائل شهر مارس/آذار الماضي مع اشتداد المعارك حول كييف، ثم عدت في شهر يونيو/حزيران الماضي. 70% من الطلاب الأجانب في جامعتي غادروا البلاد، ومعظم الباقين يتابعون الدراسة عن بعد".

ويتابع "كانت أعداد الأجانب في السنة الماضية نحو 700، واليوم تبلغ النسبة النصف تقريبا، ولكنها تضم طلابا انتقلوا للتسجيل من خاركيف وسومي وغيرها، ومعظمهم قدّم طلبا للدراسة عن بعد".

ويضرب الطالب الجعبري مثالا ملموسا من بيئة زمالته السابقة في الجامعة، فيقول "كل الطلاب الفلسطينيين تقريبا انتقلوا إلى الدراسة في جورجيا، حيث يكملون دراساتهم دون خسائر كبيرة ودون عودة إلى الوراء في سنوات التعليم".

ويرى أن "إدارة الجامعة تدرك مخاوف الأجانب وذويهم، لهذا تحسن التعامل معهم، فهي تستجيب اليوم لطلبات الدراسة عن بعد بالإيجاب حتى لا تخسر من بقي منهم".

محن الاعتراف والمتابعة

لكن وضع الطلاب الأجانب الذين غادروا أوكرانيا بسبب الحرب، ليس مريحا، بل كان طامة كبرى على شريحة كبيرة منهم.

دول في الاتحاد الأوروبي ترفض مساواتهم مع اللاجئين الأوكرانيين، وتشترط خضوعهم لمناهج دراسة اللغة التي قد تمتد إلى 3 سنوات، وإعادة دراسة بعض السنوات التي انتهوا منها، وإلا فإن العودة إلى أوكرانيا أو إلى بلدانهم الأصلية تبقى الخيار الوحيد.

فاليري بورتنياك - عميد جامعة _تافريسكي_ الوطنية بكييف
فاليري بورتنياك عميد جامعة تافريسكي الوطنية بكييف: الدراسة في مناطق المواجهات والشرق توقفت تماما (الجزيرة)

لا عمل بعد التخرج

مع الجزيرة نت تواصل عدد من هؤلاء الطلاب، ومشكلتهم مشتركة تقريبا بينهم جميعا، لكن مشكلة بعضهم تبدو تعجيزية، بل دون حلول أو خيارات.

مصطفى رمضان طبيب جراح عراقي الجنسية، تخرج قبل نهاية 2021 من مدينة فينيتسا، وخرج مع غيره أوائل أيام الحرب، فكانت وجهته ألمانيا.

يقول للجزيرة نت "سنّت أوكرانيا مطلع العام الجاري قانونا يلزم الطلاب بدراسة سنة امتياز للحصول على شهادة مزاولة المهنة بالنسبة للأجانب والأوكرانيين معا، فأصبح وجود هذه الشهادة شرطا لاعتراف ألمانيا بنا أطباء يحق لهم تعديل شهاداتهم والعمل، رغم خضوع أغلبنا لتدريب سريري مدة عامين في مشافي أوكرانيا بعد التخرج كان يعادل شهادة الامتياز المقررة بعد بداية 2022".

ويتابع "هكذا تقطعت السبل بنحو ألفي خريج من أوكرانيا في أوروبا، من بينهم 160 طبيبا خريجا من جنسيات عربية في ألمانيا وحدها، نتواصل عبر مجموعة واتساب، ويجمعنا همّ مشترك؛ فلا نستطيع العودة إلى أوكرانيا بسبب الحرب، ولا تقبل دولنا العربية وغيرها عودتنا أيضا، دون إنهاء سنة الامتياز".

وعن الحل يقول "نتمنى من وزارة الصحة ووزارة التعليم في أوكرانيا أن تتفهما مشكلتنا، وأن تساعدا على حلها، خاصة وأننا تخرجنا قبل بداية العام، والأصل ألا نخضع للقوانين الصادرة بعد ذلك".

المصدر : الجزيرة