استقالة رئيس البرلمان العراقي.. مناورة سياسية أم إرباك للمشهد؟

بغداد- تسبّب تقديم رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي استقالة مفاجئة في إرباك المشهد العراقي، وأثارت كثيرا من التساؤلات عن أسبابها ودوافعها والتوقعات لمآلاتها، خاصة أنها تأتي بعد أقل من 24 ساعة من اجتماع عقدته قوى شيعية وكردية وسنية بارزة أول أمس الأحد، لبحث أجندة تشكيل حكومة "توافقية"، ورئيس البرلمان أحد الموقعين عليها.
وحسب بيان للبرلمان نقلته الوكالة الرسمية، فإن مجلس النواب سيعقد الأربعاء جلسة يتضمن جدول أعمالها التصويت على استقالة الحلبوسي من منصبه، كما سيتضمن جدول الأعمال انتخاب النائب الأول لرئيس المجلس وفق البيان ذاته، من دون تفاصيل أكثر عن موعد تقديم الاستقالة وأسبابها، وذلك في ظل استمرار الأزمة السياسية التي يعيشها العراق.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsثأر مقتدى الصدر.. لماذا يمكن أن تكون إيران الخاسر الحقيقي في صراع شيعة العراق؟
هل يخيّب الحلبوسي والبارزاني ظن الصدر ويتحالفان مع المالكي لتشكيل حكومة عراقية؟
وفي هذا الإطار، قال الحلبوسي "المناصب تكليف وليست تشريفا، ومن يتسلّم هذه المواقع يجب عليه أن يعي حساسية هذه المرحلة". وفي جذوة أحداث متسارعة تشهدها الأزمة السياسية العراقية، يستدرك الحلبوسي، في تصريحات صحفية أعقبت الإعلان، بالقول إن من أسباب تقديم استقالته الانتقال من مبدأ الأغلبية في إدارة الدولة إلى التوافقية المحاصصة، وإيمانه بضرورة وجود فريق معارض وآخر حاكم، ولضرورات أخرى تتعلق بديمقراطية العمل التي تتطلب استفتاء القوى السياسية الحالية العازمة على المضي بتشكيل الحكومة وفق المبدأ الأخير وقناعاتها بوجوده كرئيس للبرلمان.
وكانت الكتلة الصدرية (73 مقعدا بزعامة مقتدى الصدر، والفائزة في الانتخابات بأكبر عدد من أعضاء البرلمان) قد استقالت من مجلس النواب في العاشر من يونيو/حزيران الماضي، احتجاجا على تعطيل مشروعها في تشكيل حكومة "أغلبية وطنية" من قبل غريمها تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، إلى جانب 17 نائبا سنّيا في تحالف "عزم"، وحزب "الاتحاد الوطني الكردستاني"، وهو ما فسح المجال لصعود نواب جدد.
وتواصل موقع الجزيرة نت مع عدد من الأطراف السياسية الفاعلة في المشهد العراقي، للوقوف على حيثيات استقالة الحلبوسي، ووصفها القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني مهدي عبد الكريم بأنها "تكيتك" أقرب إلى استفتاء النواب البدلاء لأعضاء الكتلة الصدرية الذين استقالوا من البرلمان.

معرفة مواقف القوى السياسية
وأضاف عبد الكريم أن ما فعله الحلبوسي هو استفتاء يمكنه من خلاله معرفة مواقف القوى السياسية تجاهه، وردّ على الأطراف التي سبق أن هددته بإقالته في مناسبات عدة، بخاصة أنه يعدّ صاحب الكتلة السنّية الأكبر، مؤكدا أن موقفهم في الحزب الديمقراطي سيكون مع رفض الاستقالة.
لكن عبد الكريم استبعد أن تكون خطوة الحلبوسي رسالة تضامنية إلى التيار الصدري حليفه السابق المنسحب من العملية السياسية، وبيّن أن الصدريين عندما قدموا استقالتهم من المجلس لم يأخذوا رأي أحد، ومن ثمّ فقرارهم يعدّ قرارا شخصيا وهم أحرار فيه، وكذلك الحلبوسي في تقديم استقالته، وهو ما لم يتفق معه في الرأي عضو مجلس النواب المستقل باسم خشان.
خشان -في حديث للجزيرة نت- رأى أن "الحلبوسي يحاول خداع قوى الإطار التنسيقي من خلال إيحائه لهم بأنه واقع تحت ضغط الصدر، على اعتبار أن انتخابه رئيسا للمجلس في المرة الأولى كان بدعم الأعضاء الصدريين، ومن ثم فهو خدعهم بأنه حاليا يريد أن ينال ثقتهم، لكنه يحاول أن يبين للصدر أنه رئيس برلمان بثقة قوى الإطار أيضا"، مشيرا إلى أن "هذه مسرحية متفق عليها سابقا بين القوى السياسية"، وأنه سيقاطعها ولن يحضر الجلسة.
اعلان الاستقالة شجاعة نادرة .. والشجاع كنز لن تتنازل عنه جماهيره ..
الحلبوسي طُموح محبيه ومكانه لن يملؤه غيره ..
الانبار لن ترضى باستقالة الرئيس .— الدكتور علي فرحان الدليمي (@AnbarGovernor) September 26, 2022
وتأكيدا لذلك، حسب النائب المستقل، فإن جلسة إقالة رئيس المجلس لو كانت فعلية، فذلك لا يسمح أن تتضمن انتخاب نائب أول لرئيس المجلس في جدول الأعمال، على اعتبار أن منصب الرئيس أصبح شاغرا، وعليه "يجب انتخاب رئيس جديد ومن ثم نائب له".
وفي ظل استمرار التحشيد لمظاهرات في الذكرى الثالثة لما باتت تعرف بـ"ثورة تشرين" التي شهدتها البلاد في الأول من أكتوبر/تشرين الأول 2019، واستمرار غلق التيار الصدري لباب الحوار مع القوى السياسية بعد عام من الصراع على تشكيل الحكومة الذي بلغ حد المواجهات المسلحة، واحتمال أن يكون قرار الحلبوسي تجنبا لفوضى مرتقبة، استبعد ذلك وائل الركابي عضو ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي أحد الأطراف الرئيسيين في "الإطار التنسيقي".
ورجح في حديث للجزيرة نت أن يكون القرار من أجل كسب ثقة الأطراف التي كانت غائبة في جلسة انتخابه الأولى، والتي مضت بتصويت تحالف "السيادة" الجامع لمعظم القوى السنية، والحزب الديمقراطي والكتلة الصدرية، لذلك أصبح ضروريا أن يعيد كسب ثقة الأطراف الجديدة التي باتت تحت ائتلاف واحد هو "إدارة الدولة"، مستبعدا بشكل قاطع حدوث فوضى جديدة على اعتبار أن القوى السياسية جميعها راغبة في تشكيل حكومة جديدة، على حد تعبيره.

التفاهمات السياسة أقرب من الفوضى
ولفت الركابي كذلك إلى أنه حتى "التشرينيين"، في إشارة إلى المحتجين، لن يصعدوا مواقفهم، والصدريين أيضا، على اعتبار أن هناك توجيها من التيار الصدري لكل جمهوره بعدم التظاهر أو التصعيد، وهذا ما يعزز إمكانية استمرار الأمور بالذهاب نحو التفاهمات السياسية أكثر من خلق الفوضى.
في مقابل ذلك، امتنع عدد من النواب السنّة عن الاستجابة لاتصالات الجزيرة نت للتعليق على الموضوع، غير أن مواقف عديدة صدرت منهم، وعبّرت جميعها عن رفض استقالة الحلبوسي.
لكن الخبير السياسي علاء مصطفى وصف الاستقالة بأنها "لعبة ذكية لكسب جولة سياسية، يمكن أن تساعده من خلال كسب ثقة الأطراف الجديدة على تعزيز موقعه وقوته"، مشيرا إلى أن "الإطار سبق أن بعث رسائل اطمئنان عديدة إلى الحلبوسي، لكنه لم يقتنع ويريد ذلك بشكل رسمي".
وأكد في اتصال مع الجزيرة نت أن "أي حديث عن وجود أسباب أخرى للاستقالة غير صحيح"، لافتا إلى أن "أحد جوانب الاستقالة هو إخلاء مسؤوليته أمام التيار الصدري، فقد قدم استقالته لكن المجلس رفضها ومن ثم هو ملزم بقرار المجلس"، مستدركا "لكن التيار الصدري لن تنطلي عليه هذه الأساليب، وسيكون له موقف مغاير في المرحلة اللاحقة، أي بعد الانتخابات المقبلة".
تلك التطورات تأتي بعد صراع سياسي بين التيار الصدري وتحالف الإطار التنسيقي دام نحو عام، منذ انتهاء الانتخابات المبكرة، نتيجة وقوف الإطار الذي استمر بالدعوة إلى حكومة "توافقية"، بوجه مشروع الصدر بتشكيل حكومة "أغلبية" تستثني مشاركة أطراف الإطار كلها أو بعضها، مما أدى إلى تعطيل تشكل الحكومة، ووقف أعمال البرلمان منذ مطلع يوليو/تموز الماضي، واعتزال الصدر للسياسة نهائيا.