حركة تهريب نشطة.. سوريون يفضّلون قوارب الموت على البقاء في بلادهم
تزداد وتيرة الهجرة غير النظامية للسوريين عبر السواحل اللبنانية إلى أوروبا تزامنا مع إعلان السلطات اللبنانية نيتها افتتاح 17 مركزا لترحيل اللاجئين في كافة أرجاء البلاد، إلى جانب تدهور الأوضاع المعيشية في البلدين معا.
دمشق- يصرّ سالم (39 عاما)، وهو مهندس مدني سوري ونازح إلى ريف دمشق، على الهجرة إلى أوروبا رغم المخاطر الجمّة التي تنطوي عليها والكثير من قصص الموت اليومية في طريقها.
يقول للجزيرة نت "لم يعد بإمكاني وأسرتي تحمل كلفة المعيشة هنا في سوريا، فالأسعار تغلي والرواتب لا تكفي سوى ليومين أو ثلاثة على أبعد تقدير، ولدي التزامات كثيرة ومكلفة..".
اقرأ أيضا
list of 4 itemsرحلة شتات جديدة.. قوافل تقل لاجئين سوريين في تركيا للوصول إلى أوروبا
سياسة "صفر مشاكل".. هل تتصالح تركيا مع نظام الأسد وتتخلى عن قضية اللاجئين السوريين؟
خطة حكومية لبنانية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم
واضطر الرجل للاستدانة من شقيقه المقيم في هولندا ليتمكن من سداد ديونه. وقال " اليوم نبحث أنا وزوجتي احتمالية أن نستدين مبلغا إضافيا لأتمكن من الهجرة إلى هولندا أو ألمانيا..".
وعن المخاطر التي يمكن أن تنطوي عليها هذه الهجرة، يقول سالم "مهما كانت الرحلة خطيرة فلا أعتقد أن هناك ما هو أسوأ مما نعيشه في بلدنا".
تدهور غير مسبوق
ورغم محاولات الدول الأوروبية الحد من الهجرة غير النظامية ابتداءً من عام 2016 بإقامتها الأسلاك الشائكة على الحدود ومراكز احتجاز اللاجئين سيئة السمعة باليونان ومقدونيا وغيرها، إلى جانب المخاطر الجمة والظروف المناخية السيئة التي يواجهها اللاجئون في طريق لجوئهم برا أو بحرا، فإن حلم الهجرة ما يزال يراود الكثير من السوريين في مناطق سيطرة نظام الرئيس بشار الأسد وسائر البلاد نتيجة للتدهور غير المسبوق في مستوى المعيشة، وازدياد معدلات الفقر والبطالة بنسب كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية.
وإلى جانب الدافع الاقتصادي والمعيشي، يضطر آلاف الشبان في مناطق سيطرة النظام إلى الهجرة بعد بلوغهم سن 18 أو بعد انتهاء دراستهم الجامعية تفاديا للخدمة الإلزامية في صفوف الجيش النظامي، وما قد تنطوي عليه من خطر الموت في المعارك.
ويتجاوز حلم الهجرة السوريين في بلادهم إلى اللاجئين منهم في لبنان خاصة، والذين يخشون "إعادتهم قسرا إلى سوريا مع ما يمكن أن يسببه ذلك من اعتقالات أمنية، وعدم توفر بنى تحتية في معظم المناطق التي هُجرروا منها قبل أعوام" كما يقول سيمون مهنا المحامي والناشط في قضايا اللاجئين بلبنان.
وأعادت إلى الأذهان حادثة غرق مركب اللجوء بالقرب من الشواطئ السورية، الخميس الماضي، مشاهد الرعب لضحايا الغرق في بحر إيجه خلال موجة الهجرة التي شهدتها أوروبا عامي 2015 و2016. ولا سيما بعد أن ارتفعت حصيلة وفيات مركب اللجوء قرابة السواحل السورية حتى السبت إلى 94 شخصا.
وجهة جديدة
مع تفاقم الأزمات المعيشية في مناطق سيطرة النظام السوري، عاد التوجه للهجرة غير النظامية، لكن وجهة اللاجئين الأولى هذه المرة كانت لبنان.
وكانت السلطات اللبنانية أعلنت إحباطها عدة محاولات هجرة غير نظامية خلال الشهور القليلة الماضية بعضها عبر الحدود السورية اللبنانية، وأخرى من الشواطئ اللبنانية إلى الدول الأوروبية.
وأوقف الجيش اللبناني، في 22 أغسطس/آب الماضي، حافلة تقل سوريين متجهين بطريقة غير نظامية إلى لبنان عبر منطقة وادي خالد المتاخمة لمدينة حمص.
ويتجاوز طول الحدود بين البلدين بهذه المنطقة 16 كيلومترا، مما يسهل عمليات تهريب السلع والبشر. وكشفت التحقيقات أن هذه العمليات تتم بإدارة مهرّبين سوريين ولبنانين من خلال معابر ترابية تصل بين المنطقتين، ويسيّرون فيها رحلات يومية من وإلى الأراضي اللبنانية بمبالغ لا تتجاوز 100 دولار للفرد.
كما تنشط حركة تهريب البشر من الأراضي السورية إلى لبنان عبر معبري جوسية وتلكلخ الرسميين، حيث أبرز البوابات التي تسلكها قوافل تهريب البشر باتجاه لبنان.
ويقع معبر جوسيه في منطقة القصير بريف حمص ويصل إلى منطقة البقاع اللبنانية، وعبره تتم عمليات تهريب الأسلحة والمحروقات والدخان وتهريب البشر.
أما معبر تلكلخ فيقع على الحدود مع منطقة وادي خالد اللبنانية، وظل المعبر خاضعا لسيطرة قوات النظام السوري طوال سنوات الحرب السورية (من 2012 إلى الآن).
ويشهد المعبران في الآونة الأخيرة إقبالا كبيرا من المهاجرين على خلفية ارتفاع تكاليف الهجرة إلى تركيا، وإجراءات الحد من تدفق المهاجرين إليها.
نقطة الانطلاق
ويعيش معظم اللاجئين السوريين في لبنان، والبالغ عددهم نحو مليون و800 ألف، إلى جانب شريحة واسعة من اللبنانيين، في أوضاع إنسانية ومعيشية صعبة نتيجة للانهيار الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال عامي 2021 و2022.
ويدفع هذا الواقع المزيد من اللاجئين السوريين إلى التفكير في طرق للهجرة غير النظامية إلى دول تؤمّن لهم الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم.
وتشكل مدينة طرابلس الساحلية (شمالا) وجهة للاجئين، حيث تنشط شبكات التهريب وتنطلق منها طرقهم عبر البحر وصولا إلى دول أوروبية كإيطاليا واليونان وجزيرة مالطا.
يقول أبو أحمد، مهرب لبناني في طرابلس، للجزيرة نت "نسيّر من رحلة إلى اثنتين أسبوعيا، من منطقة القلمون في قضاء طرابلس إلى إيطاليا بحرا وتستغرق من 3 إلى 5 أيام".
وتصل تكلفة الرحلة حسب أبو أحمد "6500 دولار للفرد البالغ ونصفها للأطفال دون سن 12 عاما، ويُسلم جزء من المبلغ قبل الانطلاق والآخر عند الوصول إلى إيطاليا".
وعن إجراءات الأمان للمسافرين، يقول المهرِّب "نزوّد المركب بستر نجاة وقوارب صغيرة مطاطية، أما ما تبقى فإن الأعمار بيد الله".
وتزداد وتيرة الهجرة غير النظامية للسوريين من السواحل اللبنانية إلى الدول الأوروبية تزامنا مع إعلان السلطات اللبنانية، قبل أيام، البدء بافتتاح 17 مركزا تُعنى بترحيل اللاجئين في كافة أرجاء البلاد.
ووجه رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في 8 سبتمبر/أيلول الجاري رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تحدث فيها عن "خروج أزمة النزوح السوري عن السيطرة" في ظل الأزمة الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
انتشال جثث عشرات المهاجرين بعد غرق قاربهم على سواحل مدينة طرطوس السورية#شبكات pic.twitter.com/Mi1ayHjXkh
— قناة الجزيرة (@AJArabic) September 25, 2022
رحلات الموت
وعن المخاطر الجمة للركوب في "قوارب الموت" المنطلقة من طرابلس يقول المحامي سيمون مهنا "تغادر القوارب ساحل المدينة متجهة إلى قبرص أو إيطاليا، لكن بعض المهربين يحتالون على الركاب الذين يجدون أنفسهم على السواحل السورية في طرطوس أو اللاذقية".
وفي حال انطلاق الرحلة نحو وجهتها الفعلية، يقول مهنا "الوصول إلى إيطاليا مثلا يتطلب 5 أيام في عرض البحر، وغالبا ما ينفد طعام اللاجئين وشرابهم وتتعطل قواربهم في المياه القبرصية أو المالطية".
ويضيف "تتخذ اليونان ومالطا وإيطاليا إجراءات مشددة فيما يتعلق بقوارب الهجرة غير النظامية، فتمنع أو تؤخر عمليات إنقاذ القوارب المعطلة في مياهها لأيام في محاولة لردع وإخافة الراغبين بسلك هذه الطرق، مما يؤدي إلى وفيات في صفوف المهاجرين جوعا وعطشا ونتيجة التعرض الطويل لأشعة الشمس، أو بسبب عدم نجاعة قواربهم في مجابهة أمواج البحر".
وفي ظروف مشابهة قضى طفلان، في الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري، على متن مركب انطلق من طرابلس في 27 أغسطس/آب وعلق في المياه المالطية، وعلى الرغم من إبلاغ خفر السواحل اليوناني بتعطله، فإنه لم يتحرك لنجدة المركب الذي حمل 60 شخصا إلا بعد 4 أيام، بحسب مجموعة الإنقاذ الموحد المعنية بمراقبة الهجرة غير النظامية.
وكان آخر هذه الحوادث وأكثرها إيلاما غرق مركب بالقرب من شواطئ مدينة طرطوس شمال غرب سوريا، الخميس. بعد أن انطلق من ساحل طرابلس وكان يقل 150 شخصا، بينهم سوريون وفلسطينيون ولبنانيون.
آلاف الغرقى
وأشار تقرير لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، في أبريل/نيسان الفائت، إلى ارتفاع عدد ضحايا الهجرة غير النظامية عبر المتوسط والأطلسي إلى 3 آلاف شخص خلال العام الماضي فقط.
وخلصت دراسة حديثة لمركز حرمون للدراسات المعاصرة بعنوان "الهجرة من مناطق سيطرة النظام بعد عام 2019: الدوافع والوجهات والآثار" إلى إمكانية ضلوع النظام السوري في تسهيل وتيسير خروج اللاجئين من المعابر غير القانونية، إما بغض الطرف عنهم، أو بالإشراف على طرق التهريب مباشرة.
وأدت الحرب السورية المستمرة منذ عام 2012 إلى نزوح ولجوء ما يزيد على 13 مليون مواطن، بينهم 1.8 مليون نزحوا إلى لبنان بحسب التقديرات اللبنانية.