160 ألف أميركي دون مياه شرب لأيام.. وهذه الأسباب

واشنطن- دخلت مدينة جاكسون، عاصمة ولاية ميسيسبي، يومها الثالث من المعاناة جراء عدم وجود ما يكفي من المياه الصالحة للشرب للسكان البالغ عددهم 160 ألف شخص، وذلك عقب سقوط أمطار غزيرة خلال الأسبوع الماضي، أدت لتوقف عمل محطتي معالجة المياه بالمدينة.

وأعلن الرئيس جو بايدن ولاية ميسيسبي منطقة كوارث فدرالية، وهو ما يتيح تقديم مساعدات حكومية فدرالية عاجلة، إضافة إلى إمكانية استخدام قوات الحرس الوطني للمساعدة في التغلب على هذه الأزمة.

معضلة السياسة والعنصرية

وتسببت مياه الفيضانات الضخمة في تعطيل محطتي معالجة المياه خارج مدينة جاكسون، وأعلن حاكم ولاية ميسيسبي الجمهوري تيت ريفز يوم الاثنين حالة الطوارئ فيما يتعلق بنظام وشبكة المياه في جاكسون.

وقال ريفز إن الولاية ستحاول المساعدة في حل المشكلات من خلال التعاقد مع مقاولين للعمل في محطة المعالجة، التي كانت تعمل بسعة متناقصة مع مضخات احتياطية بعد فشل المضخات الرئيسية في العمل بشكل طبيعي.

وسبق ذلك مشكلات فنية في معالجة المياه منذ نهاية مايو/أيار الماضي، وهو ما دفع السلطات لإصدار مرسوم من وزارة الصحة بالولاية بضرورة غلي المياه، لأنها كانت مياه غائمة يمكن أن تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي.

من جانبه، قال تشوكوي لومومبا، عمدة المدينة الديمقراطي، إن نظام المياه في جاكسون يعاني من نقص في الموظفين، وعقود من الصيانة المؤجلة، مضيفا أن تدفق المياه من الأمطار الغزيرة غير التركيب الكيميائي اللازم للمعالجة، مما أبطأ عملية دفع المياه إلى المستهلكين. ويعمل حاكم الولاية وعمدة المدينة في مسارين منفصلين للتغلب على هذه الأزمة دون أي تنسيق فيما بينهما.

ولم يدع الحاكم الجمهوري العمدة الديمقراطي إلى المؤتمر الصحفي الذي أعلن فيه حالة الطوارئ.

جاكسون ومعاناة الأغلبية السوداء

مثل الكثير من المدن ذات الأغلبية السكانية السوداء، خاصة في ولايات الجنوب الأميركي، خضعت مدينة جاكسون لتغييرات ديموغرافية جذرية خلال العقود الأخيرة، وهو ما أدى إلى انخفاض عدد سكانها، وتبعه تدهور حاد في اقتصادها بسبب تراجع العوائد الضريبية.

تقلص عدد سكان المدينة من حوالي 250 ألف شخص عام 1970 إلى 200 ألف شخص عام 1990، ثم تناقص إلى حوالي 160 ألف شخص اليوم، وكان انخفاض عدد سكان المدينة مدفوعا بالكامل من خروج السكان البيض منها، وتصل نسبة السود في المدينة اليوم إلى 82% من السكان، ويعيش رُبع سكان جاكسون تحت مستوى خط الفقر الأميركي.

وبدأت موجات نزوح السكان البيض خارج المدينة إلى الضواحي بسبب سياسة دمج المدارس العامة والسماح بانتظام الطلاب السود والبيض معا.

تبعات نقص المياه النظيفة

بدأت قوات الحرس الوطني المساعدة في توزيع المياه المعبأة في زجاجات، بينما تعمل الطواقم الفنية والهندسية على إعادة تشغيل محطة معالجة المياه.

وشوهد أمس الأربعاء آلاف السكان من جميع الأعمار ينتظرون في طوابير طويلة في مطار هوكينز للحصول على زجاجات المياه.

وأدى انخفاض ضغط المياه إلى نقص الإمدادات، كما سبب ذلك قلقا عند جهات مكافحة الحرائق. وبسبب عدم صفاء ما توفر من المياه طلب من السكان غليها لقتل البكتيريا تحسبا لأي مضاعفات صحية.

وأغلقت مدارس المدينة أبوابها واتجهت للتدريس عن بعد، كما أغلق أغلب المطاعم والملاعب.

وقالت هيئة الأرصاد الجوية الوطنية إن مياه نهر بيرل الذي يقطع المدينة بلغت ذروتها يوم الاثنين وارتفعت لمستوى 11 مترا، ثم غمرت المياه أجزاء واسعة من مدينة جاكسون.

ولجاكسون مشاكل طويلة الأمد مع نظام المياه، فقد تركت موجة برد مفاجئة ضربت المدينة في شتاء عام 2021 عددا كبيرا من الأشخاص دون مياه جارية بعد تجمدها داخل الأنابيب. وحدثت مشاكل مماثلة مرة أخرى بنسبة أقل في وقت مبكر من هذا العام.

وقال لومومبا، عمدة المدينة، إن إصلاح نظام جاكسون للمياه قد يكلف 200 مليون دولار، لكنه عاد ليؤكد أن التكلفة قد تصل إلى "مليارات الدولارات على الأرجح".

ويتفاءل مسؤولو الولاية بإمكانية حل أزمة المياه خلال أيام قليلة. وعلى النقيض، يقول حاكم الولاية الجمهوري إنه من غير الواضح بالضبط كم من الوقت نحتاج قبل التغلب على هذه الأزمة.

جذور الأزمة وأفق حلها

تكمن جذور الأزمة بجاكسون في عقود من نقص الاستثمار في نظام مياه مترامي الأطراف مشكل من حوالي 2500 كيلومتر من أنابيب المياه، بعضها يزيد عمره على 100 عام.

في عام 2013، سعت المدينة إلى إصلاح النظام من خلال عقد بقيمة 90 مليون دولار مع شركة سيمنز، لتطوير خطوط الصرف الصحي ومحطات معالجة المياه وتركيب نظام جديد لفوترة المياه والصرف الصحي للسكان، لكن التجربة لم يكتب لها النجاح.

وقدر العمدة لومومبا أن تحديث البنية التحتية للمدينة قد يكلف ما يصل إلى ملياري دولار. وتلقت ولاية ميسيسبي 75 مليون دولار من مشروع قانون البنية التحتية الفدرالي الذي وقعه الرئيس جو بايدن العام الماضي لتلبية احتياجات المياه والصرف الصحي، لكن هذه الأموال مخصصة للولاية بأكملها، وليس لمدينة جاكسون وحدها.