بعد 6 أشهر.. هكذا تغيرت إستراتيجية أوكرانيا في التصدي لحرب روسيا

يقول مستشار الرئيس الأوكراني إن الروس اليوم لا يريدون استسلام أوكرانيا كما كانوا يقولون، بل ضمان حيادها فقط، والاعتراف بسيطرتهم على القرم ودونباس، مع الاستعداد للانسحاب من كامل مناطق زاباروجيا وخيرسون

Ukrainian service members attend a rising ceremony of the Ukraine's national flag to mark the Day of the State Flag in Lviv
جنود أوكرانيون في فعالية لرفع علم بلادهم بمناسبة اليوم الوطني بمدينة لفيف (رويترز)

كييف- شكّل شهر يونيو/حزيران الماضي منعطفا كبيرا في مسار حرب روسيا على أوكرانيا، بعد أن بدأت أسلحة وذخائر نوعية تصل القوات الأوكرانية في جبهات القتال قادمة من الغرب، على رأسها أنظمة "هيمارس" وراجمات "إم 270" وقبلها مسيرات "بيرقدار".

فمنذ عدة أسابيع، تشير البيانات العسكرية الأوكرانية يوميا إلى استهداف مواقع قيادة ومستودعات ذخائر وأماكن تجمّع عتاد وجند تابعة للقوات الروسية في إقليم دونباس ومناطق الجنوب.

ومنذ عدة أسابيع أيضا، لم تحرز القوات الروسية أي تقدم في عمق أوكرانيا، بعد أن كانت تتقدم سريعا في الأيام والأسابيع الأولى للحرب، وفرضت بالفعل سيطرتها على أجزاء واسعة من عدة مناطق.

وهذا الواقع الجديد دفع كييف -على ما يبدو- للإعلان عن إطلاق "عمليات تحرير مضادة"، وخاصة في مناطق الجنوب (زاباروجيا وخيرسون). لكن اللافت هنا أن ضربات الأوكرانيين تجاوزت حدود سيطرة الروس في المنطقتين، وطالت مواقع حساسة بالنسبة لهم في شبه جزيرة القرم -التي يعتبرونها محتلة- قبل أن تدفع آلاف السكان إلى النزوح، معظمهم من الروس هذه المرة، وفق وسائل إعلام محلية روسية وأوكرانية.

Ukrainian Troops At International Peacekeeping And Security Center
الأسلحة والعتاد الغربي التي زوّدت به كييف أحدثت تحولا في مسار المعارك لصالح أوكرانيا حسب المحللين (رويترز)

عودة إلى حدود 1991

ويتطابق هذا المنعطف الميداني مع تحول سياسي لافت تشهده تصريحات المسؤولين الذين يؤكدون السعي لإعادة فرض السيطرة "بالقوة" على كامل الحدود الأوكرانية المحددة وفق معاهدة الاستقلال في 1991، بعد أن كانت كييف تطالب موسكو بالعودة إلى حدود ما قبل 24 فبراير/شباط الماضي للتفاوض.

يفسّر العقيد المتقاعد والخبير العسكري سيرهي هرابكسي الأمر قائلا "يجب الإقرار بأن الولايات المتحدة وبريطانيا نفذتا وعودهما بنسبة كبيرة، ولم تخذلا أوكرانيا كما توقع الكثيرون، حتى في صفوف القوات المسلحة".

ويضيف هرابكسي للجزيرة نت "بعد قصف مواقع حساسة للعدو، وقطع خطوط الإمداد عنه في أجزاء من دونباس وزاباروجيا وخيرسون والقرم، تغيّر المزاج إيجابا في أوكرانيا، وسقف المطالب ارتفع كثيرا، حتى أن من بينها نسف جسر القرم، الذي بنته روسيا على مدار سنوات مضت، ويعتبر شريانا رئيسيا بالنسبة لها ولقواتها في شبه الجزيرة المحتلة".

وبحسب الخبير، يحدث هذا كله قبل أن يدخل القانون الأميركي "ليند ليز" (الإعارة والتأجير) حيز التنفيذ، والذي بموجبه خصصت الولايات المتحدة 40 مليار دولار لدعم أوكرانيا. وهو متوقع في أكتوبر/تشرين الأول المقبل. "أي أن فرص استعادة الأراضي بالقوة باتت منطقية وواقعية، وبغض النظر عن فارق الحجم في العدة والعتاد".

وفي السياق نفسه، يقول هرابكسي إن "فارقا كبيرا أثبتته الحرب في نوعية وكفاءة الأسلحة الروسية والغربية، وفي معنويات القوات المشاركة، وهذا كله صب في الصالح الأوكراني".

تحرير القرم قبل دونباس

ويشير مسؤولون وخبراء إلى أهمية أن "تحرّر" أوكرانيا أراضي شبه جزيرة القرم قبل إقليم دونباس، ويقدمون في هذا الصدد تفسيرات كثيرة.

يقول مستشار الرئيس الأوكراني، أوليكسي أريستوفيتش، إن إقليم دونباس يتحول إلى مقبرة للجنود الروس، وبقاؤهم فيه سيعود عليهم بخسائر كبيرة لا تنتهي حتى ولو سيطروا عليه كاملا، ناهيك عن بطء تقدمهم في أراضيه مؤخرا.

أما القرم، بحسب أريستوفيتش، فيشكل ثقلا عسكريا كبيرا لروسيا، من أجل ضرب أوكرانيا والسيطرة -عمليا- على كامل منطقة شمال البحر الأسود، في إشارة -على ما يبدو- إلى أن تأثير ضربات الأوكرانيين في القرم المحتلة، ورضا الحلفاء والشركاء الداعمين لكييف والمتخوفين من تنامي نفوذ روسيا في البحر.

Russia's invasion of Ukraine continues, in Sievierodonetsk
آثار الهجوم الروسي بإحدى ضواحي مقاطعة دونيتسك الأوكرانية (رويترز)

الروس يريدون التفاوض

وبحسب المستشار أريستوفيتش، فإن ضربات أوكرانيا وإستراتيجية "التحرير" تدفع الروس إلى طلب التفاوض عبر الوسيط التركي، حتى وإن استمرت بعمليات القصف على مختلف مناطق البلاد.

وفي حديث جمعه في شوارع كييف مع الإعلامي دميترو هوردون، قال أريستوفيتش إن "الروس اليوم لا يريدون استسلام أوكرانيا كما كانوا يقولون، بل ضمان حيادها فقط، والاعتراف بسيطرة على القرم ودونباس، مع الاستعداد للانسحاب من كامل مناطق زاباروجيا وخيرسون".

لكن أريستوفيتش أكد أن القيادة الأوكرانية ترفض هذا الأمر، وتؤكد أنها لن تقبل إلا بتحرير كامل أراضي البلاد.

وتطل -بين الحين والآخر- آراء تحليلية ترى أن "عزيمة أوكرانيا القوية" ما هي إلا تمهيد برفع سقف المطالب عاليا قبل أن يصبح الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع روسيا ممكنا.

ولعل هذا ما كان قد لمّح إليه رئيس هيئة التفاوض عن الجانب الأوكراني، ميخايلو بودولياك، بالحديث -قبل أسابيع- عن أهمية تحقيق "انتصارات تكتيكية" قبل أي تفاوض مع الروس.

المصدر : الجزيرة