مقال بأوريان21: هل ينفجر غضب اليمنيين بوجه الحوثيين عندما تضع الحرب أوزارها؟
عززت الحرب قبضة الحوثيين الأيديولوجية والاقتصادية على المجتمع اليمني، لكن الفساد المستشري والحكم العشوائي والقمع السياسي يمكن أن ينقلب ضدهم بسرعة، عندما ينتهي الصراع وينفجر غضب السكان في وجوههم، لأنه من الصعب تخيل تفكك هذه الشبكة السياسية والاقتصادية الواسعة طواعية لتقاسم السلطة مع الفصائل الأخرى.
بهذه المقدمة بدأ موقع أوريان 21 (Orient XXI) الفرنسي مقالا مطولا للباحثة ميساء شجاع الدين من مركز صنعاء للدراسات والبحوث الإستراتيجية، قالت فيه إن هذه الحركة الشيعية الزيدية خلقت وضعا على الأرض يجعل من الصعب للغاية على الأحزاب المختلفة أن تجتمع في ترتيب سياسي جديد، لأن حكم الأمر الواقع الذي فرضوه جعل مؤسسات حكومة صنعاء في خدمة خطط لبناء دولتهم الخاصة.
وتقول الكاتبة إن المجموعة نشرت عقيدة دينية وأنشأت جيشا كبيرا وشبكة واسعة من المشرفين فوق الحكوميين، مما أدى إلى دق إسفين بين المجتمع والحكام، حتى أصبح معظم اليمنيين يعتبرونها شركة عائلية، أنشأها أبناء الحوثي وتسعى إلى إحياء الإمامة الزيدية التي حكمت اليمن الشمالي لما يقرب من 3 قرون قبل الانقلاب الجمهوري عام 1962.
الحركة الحوثية
وبينما يتهم بعض المعارضين حركة الحوثي بمحاولة إحياء الإمامة الزيدية، يشير آخرون إلى احتكار الأسرة للسلطة باعتباره انتهاكا لمبادئ الإمامة. ويرأس هيكل الحكومة الحوثية عموديا عبد الملك الحوثي الذي يتمتع بسلطة مطلقة كزعيم زيدي هاشمي، وهو يعيش في مكان سري ويوصف في وسائل الإعلام الدعائية بـ "قائد الثورة".
وتلعب العائلات ذات علاقات المصاهرة مع عائلة الحوثي دورا مهما في تكوين المشرفين الرئيسيين -كما تقول الكاتبة- كما يربط النسب الهاشمي الحوثيين بعشرات العائلات، لذا فإن معظم المشرفين الرئيسيين هم من محافظة صعدة، ويُعرف الذين انضموا إلى الجماعة بعد أن استقرت في صنعاء بالمتحوّثين، وهم يلعبون أدوارا ثانوية، أما الموالون أثناء حروب صعدة فهم المجاهدون، وهم في المرتبة الثانية بعد عائلة الحوثي وأصهارها ويلعبون الأدوار الرئيسية.
نظام حكومي موازٍ
وتعتقد الكاتبة أن الحوثيين خارج هذه الدائرة الحاكمة الذين يثيرون اعتراضات على هذا الشكل من الحكم قد تم إسكاتهم. فقد اختفى محمد عبد العظيم الحوثي، ابن عم بدر الدين، إلى حد كبير عن الأنظار في 2018 بعد أن أفادت التقارير بأنه عبر عن معارضته لقيادة عبد الملك.
وتقول الكاتبة إن الحوثيين أقاموا نظاما موازيا لمؤسسات الدولة الرسمية، مؤلفا من الموالين، وهم مشرفون موزعون في مؤسسات الدولة منذ 2014، وهم من يتولون السلطة في مناطقهم المختلفة، لا أصحاب المناصب الرسمية.
وبعد شهر من إعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي ورئيس الوزراء خالد بحاح استقالتهم عام 2015، أصدر الحوثيون إعلانا دستوريا أنشأ لجانا ثورية لتنظيم عمل المشرفين، واحتفظوا بأشخاص بمثابة واجهة تكنوقراطية للسلطة الحقيقية، سلطة المشرف الموالي الذي يتمتع بخبرة قليلة أو معدومة، ولكل محافظة مشرف عام يختاره عبد الملك الحوثي مباشرة.
اختفاء القبائل التقليدية
وبحسب ما جاء في المقال، يرأس المشرف الأمني الأجهزة الأمنية الثلاثة، وأولها جهاز الأمن الوقائي أو جهاز الاستخبارات المسؤول عن مراقبة المقاتلين لمنعهم من الفرار، ومعاقبة أي مسؤول متورط في أنشطة تخريبية. والثاني مكتب الأمن والاستخبارات، وهو الهيئة الناتجة عن اندماج جهازي المخابرات الرسميين. والثالث الزينبيات، وهي وكالة مكونة من النساء ومسؤولة عن مراقبة واعتقال النساء وسجونهن.
أما المشرفون الماليون فهم مسؤولون عن تحصيل الضرائب والزكاة، في حين يتعامل المشرفون الاجتماعيون مع مختلف الفاعلين، مثل زعماء العشائر ورؤساء الأحياء التقليديين، أما النوعان الرابع والخامس من المشرفين، فهم المشرفون الفكريون والتربويون، وتتعلق مهماتهم المترابطة بنشر الدعاية.
وبفضل نظام الإشراف هذا -كما تقول الكاتبة- دفع القادة الجهات الفاعلة التقليدية في المجتمع جانبا، وبحسب الباحث في شؤون القبائل اليمنية عادل الدشيلة، فإن الرئيس الراحل علي عبد الله صالح استخدم سياسة الانقسام والسيطرة لشراء ولاء شيوخ القبائل، مع تمكين الشخصيات ذات المكانة الاجتماعية المتدنية لإضعاف الفاعلين الحقيقيين، وقد طبقت حركة الحوثي الإستراتيجية نفسها، ولكن على نطاق أوسع.
ويعكس هذا النظام الشديد المركزية -وفق الكاتبة- تصور الحوثيين للسلطة النابع من شخصية لا تحتاج نظريا إلى إقامة روابط مع المجتمعات المحلية، لأنها منوطة بالسلطة الإلهية، غير أن هذا النهج قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إثارة رد فعل عنيف إذا شعر من هم خارج شبكة الدولة أنهم محرومون من الغذاء والدواء وأشكال مختلفة من الحراك الاجتماعي، إضافة إلى مخاطر الأيديولوجية بالتصادم مع التقاليد الأسرية والقبلية وغيرها من الروابط الاجتماعية الموجودة مسبقا.
الازدواج الضريبي
ويعيش أكثر من نصف سكان اليمن في مناطق يسيطر عليها الحوثيون، وتعاني هذه المناطق من نقص الموارد الطبيعية المدرة للدخل، إلا أن الضرائب المحصلة في هذه المناطق المقدرة بنحو 1.8 مليار دولار سنويا، تعادل، حسب خبير اقتصادي يمني، كل الإيرادات الضريبية السنوية للسنوات الأخيرة من نظام صالح، الذي كان يسيطر على البلد كله.
وأشار الخبير الاقتصادي، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى أن الحوثيين ركزوا على الضرائب، حيث يُطلب من البنوك والشركات الكبيرة الكشف عن حساباتها الضريبية من السنة الأولى من نشاطها، قبل فترة طويلة من استيلاء الحوثيين على السلطة، ثم يفرض عليها تعويض الضرائب التي لم تدفعها خلال سنوات صالح، كما أصبحت الزكاة ضريبة إلزامية لا واجبا دينيا.
الفساد وسوء الإدارة والقمع الوحشي ومضاعفة الضرائب خلقت فجوة واسعة بين الحكومة والمجتمع، وغضبا صامتا من الأفضل أن يخشاه الحوثيون.
ثقافة الفساد
في هذا السياق، أهملت الحكومة أو أخرت دفع الرواتب والحفاظ على الخدمات العامة -كما تقول الكاتبة- فلا يتلقى موظفو الدولة سوى نصف رواتبهم الشهرية على فترات غير منتظمة، وفي بعض الأحيان يتم إهمال الخدمات مثل المياه والكهرباء وصيانة الطرق بحجة صعوبات الحرب والحصار الاقتصادي.
ومع ذلك، ارتفعت أسعار العقارات في صنعاء بشكل كبير واشتراها مؤيدون للحوثيين، إلا أن هذه المعاملات -حسب الكاتبة- قد تكون وسيلة لغسل الأموال وتحويلها إلى خارج البلاد، وقد أصبح ذلك ممكنا بفضل ثقافة الفساد وانعدام المساءلة، خاصة بالنسبة للمشرفين.
وختمت الكاتبة بأن الفساد والمكاسب غير المشروعة كانت هي السبب الرئيسي للاستياء الشعبي من صالح وخليفته عبد ربه منصور هادي، وبالتالي عندما تنتهي الحرب، سيواجه الحوثيون تحديات جديدة، لأن الفساد وسوء الإدارة والقمع الوحشي ومضاعفة الضرائب خلقت فجوة واسعة بين الحكومة والمجتمع، وغضبا صامتا من الأفضل أن يخافوه.