ستراتفور: البنك المركزي الأوروبي يحاول منع منطقة اليورو من الدخول في أزمة ديون جديدة فهل سينجح؟

أفاد مركز الدراسات الإستراتيجية والأمنية الأميركي "ستراتفور" (Stratfor) أن البنك المركزي الأوروبي يسعى للحيلولة دون سقوط منطقة اليورو في أزمة ديون سيادية جديدة.
وفي تحليل اقتصادي على موقعه الإلكتروني، حذر المركز الأميركي من أنه لا يزال يتعين على بلدان منطقة اليورو المثقلة بالديون تكثيف جهودها لضبط أوضاعها المالية في ظل استمرار تكاليف الاقتراض بالارتفاع، وذلك على الرغم من التدابير الأخيرة التي اتخذها البنك الأوروبي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمشكلة الطاقة.. لماذا تكرر أوروبا أخطاءها؟
تحذير من سيناريوهات مخيفة.. ماذا لو قرر بوتين قطع إمدادات الغاز عن أوروبا في الشتاء؟
أوروبا تتراجع وتخفف العقوبات عن أكبر البنوك الروسية.. هل رضخت لموسكو؟
وفي 21 يوليو/تموز، أعلن البنك المركزي الأوروبي عن مجموعة من الإجراءات لاحتواء التضخم المتزايد في منطقة اليورو مع االعمل على تفادي اتساع الفجوة بين تكاليف الاقتراض السيادي للدول الأعضاء بشكل مفرط.
وزاد البنك مؤخرا أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ 11 عاما، وبذلك فاجأ الأسواق برفعها بمعدل 50 نقطة أساس، الأمر الذي جعل سعر الفائدة على ودائع البنك المركزي الأوروبي يصل إلى الصفر.
كما أماط البنك المركزي الأوروبي اللثام عن برنامج لشراء سندات ما يُعرف بـ"أداة حماية النقل" (TPI) الجديدة لمنع ارتفاع عوائد سندات البلدان الفردية بأكثر مما تبرره المقومات الاقتصادية، والحد من حدوث تباينات كثيرة في ما بينها.
ورغم أن البنك لم يشر لأي نية من جانبه لتفعيل آلية حماية النقل الجديدة في أي وقت قريب، فإن استحداثها يبعث برسالة مفادها أن البنك سيمنع ديناميكيات السوق من تعطيل انتقال سياسته النقدية وأنه مستعد للتدخل بقوة إذا استمرت الفروق في الاتساع خارج السيطرة.
واستشهد ستراتفور في تحليله بتصريح سابق لرئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، أكدت فيه أن البنك على طريق تحقيق تقدم كبير في هذا الصدد.
مخاطر وإجراءات جديدة
وكان البنك قد أشار في البداية إلى أنه سيرفع سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 25 نقطة أساس فقط في يوليو/تموز الجاري. غير أن معدل التضخم السنوي "الأعلى من المتوقع" في دول منطقة اليورو الـ19 -والذي وصل إلى مستوى قياسي بلغ 8.6% في يونيو/حزيران الماضي بعد أن كان 8.1% في مايو/أيار- دفع البنك إلى اتخاذ خطوة أكبر نحو تطبيق سياسته.
ويشير مركز الدراسات الإستراتيجية والأمنية في التحليل الذي نحن بصدده، إلى أن التباين في عوائد السندات بين الدول المثقلة بالديون في أوروبا (لا سيما إيطاليا وإسبانيا واليونان والبرتغال) وألمانيا -التي تُعد ديونها بمثابة خط أساس نظرا لسلامة أوضاعها الملموسة- قد اتسع بشكل كبير استجابة لإعلان البنك، مما يعكس مخاوف السوق من أن الاقتصادات الأضعف ستكافح لتدبر أمر سداد ديونها في ظل تشديد البنك سياسته النقدية.
والمقصود من مصطلح "أداة حماية النقل" -حسب تعريف مركز ستراتفور- هو منع التجزئة في منطقة اليورو والتي تحدث عندما تزيد تكاليف الاقتراض في بعض البلدان أكثر بكثير من غيرها.
ويعتقد المركز في تحليله أن منطقة اليورو -التي تشترك فيها 19 حكومة سيادية في عملة واحدة وسلطة نقدية واحدة (البنك المركزي الأوروبي) مع الحفاظ على سياستها المالية الفردية وأسواق السندات- معرضة بشكل خاص لهذا الخطر، حيث ترى الأسواق المخاطر الاقتصادية والسياسية بشكل مختلف من بلد إلى آخر.
وفي حين تهدف أداة حماية النقل إلى تهدئة مخاوف السوق بشأن ارتفاع تكاليف الاقتراض ومستويات الديون السيادية في بعض دول منطقة اليورو، إلا أنه ما يزال يتعين اختبار مدى قدرة البنك المركزي الأوروبي على التدخل عند زيادة فروق الأسعار بسبب المخاطر السياسية.
وتتمثل مهمة هذه الأداة في تقليص الفوارق في أسعار السندات بين دول مركز منطقة اليورو، والدول الأعضاء البعيدة عن المركز والأكثر هشاشة، من دون إثارة مخاوفها من التطاول على مؤسساتها.
وكان البنك قد أعلن عن تلك الآلية في نفس اليوم الذي رفع فيه سعر الفائدة على أمل تجنب الذعر في سوق السندات، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تكاليف الاقتراض في البلدان الأضعف إلى مستويات تدفعها إلى أزمة مالية.
نجاح محدود
لكن هذه المحاولة للحفاظ على هدوء الأسواق بعد رفع البنك المركزي الأوروبي غير المتوقع لأسعار الفائدة بمقدار 50 نقطة، نجحت جزئيا فقط. ورغم ذلك فقد ظلت الفوارق بين عائدات السندات الحكومية الثانوية والأساسية مرتفعة، مما يشير إلى أن المستثمرين لا يزالون غير متأكدين من قدرة البنك المركزي الأوروبي على التدخل بشكل فعال في حالة حدوث أزمة ديون.
ويتجلى هذا الخطر بشكل خاص -كما يقول المركز الأميركي- في إيطاليا؛ حيث مهّد الانهيار الأخير لحكومة رئيس الوزراء السابق ماريو دراغي الطريق لانتصار اليمين المتطرف في الانتخابات المبكرة المقرر إجراؤها في سبتمبر/أيلول المقبل.
وبسبب تزعزع ثقة المستثمرين في قدرة إيطاليا على تحمل الديون على المدى الطويل، أدت الاضطرابات السياسية إلى عمليات بيع في السندات والأسهم في تلك الدولة.
وبغض النظر عن القيود الاقتصادية والسياسية والقانونية، يجب أن تساعد أداة حماية النقل الجديدة في منع منطقة اليورو من الدخول في أزمة ديون سيادية أخرى، ذلك أن الاتحاد الأوروبي في وضع اقتصادي وسياسي أقوى بشكل عام مما كان عليه عندما دخلت الكتلة في أزمة ديون بين عامي 2010 و2012.
ويمضي ستراتفور في تحليله إلى القول إن الأسواق تشعر حاليا بالقلق إزاء قدرة البلدان الأضعف على خدمة الديون، لكن المقومات الاقتصادية في دول منطقة اليورو المثقلة بالديون أكثر صلابة مما كانت عليه خلال أزمة الديون في أواخر العقد الأول من القرن الحالي وبواكير العقد الثاني منه.
ومع أن نسب الدين بالنظر إلى إجمالي الناتج المحلي كانت أعلى قبل عقد من الزمن، إلا أنها مستمرة في الاتجاه نحو الانخفاض في معظم البلدان بمنطقة العملة بفضل تكاليف الاقتراض التي لا تزال متدنية، والنمو الاقتصادي المتواصل، وارتفاع التضخم.
ويخلص التحليل إلى الزعم بأن دول منطقة اليورو المثقلة بالديون ليست في خطر مباشر من حدوث أزمة مالية بفضل آجال استحقاق الديون الطويلة بمعدلات فائدة منخفضة للغاية. لكن المخاطر السياسية المتزايدة قد تؤدي في النهاية إلى حدوث ذلك.