رغم وعود بمليون وظيفة.. 48% من الأردنيين يرغبون في الهجرة فما أسباب ذلك؟
يرى خبير في علم الاجتماع أن الأردن يشهد حالة من التراخي والهشاشة النفسية والاجتماعية تقوده لخيارين، إما إلى الصدام مع صناع القرار السياسي والاقتصادي كما جرى في مجتمعات مجاورة، وإما الهروب لمناطق أخرى يعتَقد أن ظروفها أفضل.
عمّان – يوثّق الشاب الأردني مهند الصرفندي 17 طلبا للهجرة تقدم بها لجهات مختلفة علّه يجد وجهة جديدة لحياته بإحدى الدول الأوروبية أو الأجنبية عموما، وأملا بأن يحظى بـ"الفرج والقبول"، على حد قوله.
ويحمل الصرفندي درجة الماجستير في المحاسبة، ويعمل في شركة محلية بأجر 600 دينار (846 دولارا) شهريا، إلا أن دخله لا يكفي للوفاء بالتزاماته. وقال للجزيرة نت إن "الأوضاع المعيشية صعبة، وتكاليف الحياة من مسكن وغذاء ودواء ومحروقات مرتفعة وتقف عائقا أمام زواجي".
اقرأ أيضا
list of 4 itemsجسر الملك حسين (اللنبي) منفذ الفلسطينيين إلى الأردن والعالم
العراق والأردن ينشطان التجارة الثنائية عبر بوابة جديدة.. ماذا تعرف عنها؟
أمام الجفاف.. الأردن يشتري كميات مياه مضاعفة من إسرائيل
ويشابه الصرفندي الكثير من الشباب الأردنيين المتعلمين، فالصيدلاني سامي المصري (35 عاما) رفض السفر للعمل المؤقت بدول خليجية، مفضلا الهجرة أملا في وضع معيشي وفرص عمل أفضل.
ولا تتوقف الرغبة في الهجرة على الذكور، فالفتيات أيضا يبحثن عن الفرصة ذاتها. وتتابع الممرضة سناء الجريد (29 عاما) طلبات الهجرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتراسل عددا من المستشفيات والمراكز الطبية الأجنبية أملا في وظيفة تمهّد لهجرة دائمة.
الأعلى بين الدول المحيطة
ويتشارك في الرغبة بالهجرة إلى الولايات المتحدة أو دول أوروبية أو أجنبية بشكل عام نحو 48% من الأردنيين، وفق نتائج دراسة حديثة أصدرها مركز "الباروميتر العربي" الشهر الحالي، مقابل 38% من اللبنانيين يفكرون في الهجرة، و35% من العراقيين، و25% من الفلسطينيين، و24% من الليبيين.
ويرجع 93% من الأردنيين المستطلعة آراؤهم الرغبة في الهجرة إلى الأوضاع الاقتصادية السيئة.
ويختص "الباروميتر العربي"، وهو شبكة بحثية مستقلة وغير حزبية، بإجراء استطلاعات للرأي العام في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا منذ عام 2006.
وتظهر دراسته الأخيرة أن غالبية الذين يفكرون في الهجرة هم من الشباب وضمن الفئات العمرية 18 إلى 29 عاما ومن المتعلمين الحاصلين على الدرجة الجامعية الأولى فأعلى، مما يؤشر على مشكلة محتملة لـ"هجرة الأدمغة والكفاءات من المنطقة".
وترجع أسباب الهجرة لسوء الأوضاع الاقتصادية في المرتبة الأولى، إضافة للمشاكل الأمنية والفساد والأسباب السياسية. ويفكر 26% من الأردنيين الراغبين في ذلك بالهجرة ولو بطرق غير رسمية أو "بالهجرة غير الشرعية".
مؤشر خطير
ويربط خبراء اقتصاد أردنيون بين الرغبة في الهجرة والوضع الاقتصادي الصعب، مما يفقد الشباب الأمل بالحصول على وظيفة لائقة، وإن توفرت فشروط العمل غير مناسبة، والأجور متدنية، وبرامج الحماية المجتمعية منخفضة، والأمان الوظيفي معدوم.
يضاف إلى ذلك انخفاض منسوب الثقة في الخطط والخطابات الرسمية حول تحسين المستوى المعيشي للمواطن، والنهوض بواقع الشباب والتخفيف من حدة البطالة، خاصة وأن ذاكرة الأردنيين حافلة بالوعود واللجان والخطط لكن دون نتائج حقيقية ملموسة، وفق مختصين.
ويرى المحلل الاقتصادي أحمد عوض أن نتائج الاستطلاع تعكس "مؤشرا خطيرا"، يُفترض أن يدق ناقوس الخطر لدى صنّاع القرار، "لكن وللأسف لا يوجد إدراك حقيقي لتلك المخاطر، بل تقابل بعدم الاهتمام من قبل مؤسسات رسمية تعوّل على صبر وتحمل المواطن".
مديونية الأفراد
يقول المحلل عوض "لدينا تفاوت مجتمعي كبير، ومديونية عالية للأفراد على المصارف، فـ70% من أجور العاملين مرهونة للبنوك، و24% من الأردنيين تحت خط الفقر، وأرقام البنك الدولي تشير إلى أن 30% من الأردنيين فقراء، ونسب البطالة مرتفعة إلى 22.8% العام الحالي، ويرجع انخفاضها من 24.8% للعام الماضي 2021 إلى عودة فتح القطاعات للعمل بكامل طاقتها".
ووفق بيانات حديثة للبنك المركزي الأردني، فإن مديونية الأفراد تجاوزت 12 مليار دينار (16.9 مليار دولار) بنهاية عام 2021. وبلغ عدد المقترضين الأفراد من البنوك 1.17 مليون مقترض، مرتفعا عن عام 2019 بنسبة 1%، وسجّلت نسبة المقترضين الذكور 81% من إجمالي المقترضين في 2020.
إشكالية العلاقة بين المواطن والدولة
ووفق باحثين، فإن الأوضاع الاقتصادية بالأردن مقارنة مع الدول المشمولة بالاستطلاع مثل مصر وسوريا والعراق وليبيا وفلسطين والسودان أفضل بكثير، فهي أقل من حيث نسب الفقر والبطالة، وأفضل من حيث الخدمات والبنية التحتية. فلا يوجد تهجير أو تشرد أو نازحون أو انقطاع للكهرباء كما يجري في دول الجوار، مع ذلك نسب الراغبين في الهجرة لديهم أقل.
وهذا يشير إلى أن التحديات أمام الأردنيين ليست اقتصادية فحسب، بل هناك إشكاليات سياسية في العلاقة بين المواطن والدولة، بحسب المحلل السياسي محمد أبو رمان.
ويوضح أبو رمان للجزيرة نت أن نسبة كبيرة من الشباب في الأردن لديهم شعور بـ"عدم العدالة، وهذا أكثر خطورة من الوضع الاقتصادي، لأنه يولد إشكالية في الاندماج مع الدولة، والنظر إليها باعتبارها غير منصفة".
وهذا الشعور موجود بشقين: سياسي موجود في المدن الكبرى، واقتصادي موجود في المحافظات.
شعور بالغضب
ويرى أبو رمان أن الرغبة بالهجرة تعني قطع الصلات بصورة رئيسية مع الوطن الأم، بخلاف السفر للعمل ثم العودة. وهذا يؤشر على مشكلة سياسية قد تكون مرتبطة بالهوية السياسية عند نسبة كبيرة من المواطنين، أو بالشعور بالغضب من الدولة، وعدم وجود تأطير واضح للعلاقة المطلوبة بين الدولة والشباب.
ويتزامن الاستطلاع مع مرحلة تدشين لجنة تحديث منظومة التشريعات السياسية ولجنة الرؤية الاقتصادية التي جرت بالديوان الملكي الأردني، والوعود بإيجاد مليون وظيفة للأردنيين على مدى السنوات الـ10 القادمة.
وهذا يعكس أمرين، بحسب المحلل أبو رمان:
- فقدان الثقة بين الشباب والدولة، وعدم الشعور بجدية تطبيق تلك التشريعات والخطط.
- خطاب الدولة الضعيف، الذي لا يستطيع الوصول للشباب والاشتباك والتحاور معهم، وشعورهم بالاغتراب السياسي وعدم الاندماج الاقتصادي.
صدام أم انسحاب؟
من ناحية اجتماعية، يرى حسين محادين أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة أن الأردن يشهد حالة من التراخي والهشاشة النفسية والاجتماعية، تقوده للتعامل مع التحديات التي تواجهه بصورة صعبة وتضعه بين خيارين:
- إما الصدام والصراع مع صناع القرار السياسي والاقتصادي كما جرى في مجتمعات مجاورة.
- وإما الانسحاب من الموقف الحياتي الصعب عبر الهروب لمناطق أخرى يُعتقد أن الظروف فيها أفضل مما هي عليه في الأردن.
وهذا الانطباع، يضيف محادين، ارتبط بارتفاع هائل في الضغوط الاقتصادية والمعيشية وضعف الدخل، وبرغبة الأردنيين، جراء ارتفاع نسب التعليم لديهم، في تحسين ظروفهم الحياتية، إضافة لتأخر الإصلاحات السياسية والاقتصادية.
ووفق خبراء علم الاجتماع، هناك جملة من المؤشرات الخطيرة على حالة احتقان شعبي لدى الشباب المتعطلين، يُعبّر عنها باعتصامات مطلبية هنا وهناك لإيجاد فرص عمل، وستبقى تلك الاحتقانات بؤر توتر لا يمكن توقّع نتائجها.