تونس.. منظمات وأحزاب تتحدث عن خروقات خطيرة يوم الاستفتاء والاتحاد الأوروبي يدعو لحوار وطني شامل

تحدثت منظمات وأحزاب تونسية، اليوم الأربعاء، عن خروقات خطيرة شابت الاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، وعن شبهات ترقى للتزوير، في حين دعا الاتحاد الأوروبي إلى حوار وطني شامل، وذلك بعد أن عبّرت واشنطن عن خشيتها من أن يقوّض الدستور الجديد الحريات وحقوق الإنسان.
وجرى الاستفتاء يوم الاثنين في ظل مقاطعة من الأحزاب المعارضة للرئيس قيس سعيّد، وبينها حركة النهضة التي كانت القوة الأولى في البرلمان المنحل.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsواشنطن بوست: الوقت ينفد لوقف انزلاق تونس نحو حكم الرجل الواحد
ومساء أمس، أعلنت الهيئة العليا للانتخابات -التي عين سعيد أعضاءها في مايو/أيار الماضي- أن عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم بلغ مليونين و756 ألفا و607 ناخبين (بنسبة 30.5%) من بين 9.3 ملايين ناخب مسجلين لدى الهيئة.
وقالت الهيئة إن العدد الإجمالي للمشاركين في الاستفتاء بلغ مليونين و756 ألفا و607 ناخبين من أصل 9.3 ملايين يحق لهم التصويت، وقد صوت مليونان و607 آلاف و848 ناخبا (بنسبة تزيد على 94%) بـ"نعم" على الدستور الجديد، في حين صوت البقية بالرفض.
وفي حين أشاد الرئيس قيس سعيد بالاستفتاء وتحدث عن دخول تونس مرحلة جديدة بعده، طعنت أحزاب المعارضة المنضوية أساسا في "جبهة الخلاص الوطني" و"الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء" في شرعية العملية ونتائجها، واعتبرت العزوف الكبير عن التصويت "فشلا" للرئيس، وذهب بعض قادة المعارضة حد المطالبة باستقالة الرئيس أو إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة.
"خروقات خطيرة"
وفي إطار ردود الفعل الداخلية، اعتبر "مرصد شاهد" لمراقبة الانتخابات ودعم التحولات الديمقراطية في تونس اليوم أن الاستفتاء اتسم بوجود خروقات خطيرة من شأنها المساس بسلامة العملية الانتخابية ونزاهتها والتأثير على نتائجها.
وأشار مرصد شاهد في بيان إلى أن الملاحظين رصدوا يوم الاستفتاء العديد من الإخلالات والأخطاء التي أثرت على سير العملية، وقال إن عدم التثبت من قوائم الناخبين، وتصويت ناخبين في غير مراكزهم أو باستعمال نسخ من بطاقات الهوية، تشكل إخلالات من شأنها أن تغرق الصناديق بأصوات وهمية أو مكررة.
كما قال "مرصد رقابة" إنه قام في مرحلة أولى بعملية مقاربة بين الأرقام الواردة في الجدول العام للنتائج في جميع الهيئات الفرعية (التابعة لهيئة الانتخابات) والجداول التفصيلية الصادرة عن مراكز جميع الهيئات الفرعية.
وأضاف أنه تبين وجود فوارق في أرقام 25 دائرة انتخابية من بين الـ33 دائرة في الداخل والخارج بمجموع عام متطابق، بالإضافة إلى وجود خلط بين نتائج الدوائر في الجدول العام، لافتا إلى أنه قام بتوثيق تلك الفوارق بالتفصيل.
وذكر مرصد رقابة أن "هذه الفوارق والأخطاء الفادحة في الجداول المنشورة من طرف الهيئة تشكل مسا خطيرا بمصداقية العملية الانتخابية ومهنية الهيئة وتدفع للتشكيك في النتائج المصرح بها"، معتبرا أن ذلك يتطلب تدقيقا في كل أعمال الهيئات الفرعية.
وفي السياق، طالبت منظمة "أنا يقظ" بإعادة فرز الأصوات من قبل لجنة مستقلة دون مشاركة هيئة الانتخابات فيها.
بدورها، اعتبرت رئيسة "شبكة مراقبون" رجاء الجبري أن هيئة الانتخابات تسرّعت في نشر النتائج الأولية للاستفتاء على صفحتها الرسمية ثم سحبها بسبب وجود أخطاء، وقالت إنه كان عليها استغلال المهلة القانونية للتثّبت.
في المقابل، قالت الهيئة العليا للانتخابات في تونس إن خطأ تسرّب إلى جداول النتائج الأولية للاستفتاء التي نشرتها على صفحتها.
وشددت الهيئة على أن النتائج التي أعلنت عنها مساء أمس صحيحة ولا تشوبها أخطاء، وأنها نتائج أولية قابلة للطعن أمام الهيئة القضائية المختصة التي لها وحدها حق البتّ في صحة هذه النتائج، وفق تعبيرها.
اتهامات لهيئة الانتخابات
في هذه الأثناء، طالب رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي بفتح تحقيق قضائي في نزاهة وشفافية الاستفتاء.
وقال الشابي خلال مؤتمر صحفي اليوم إن هنالك فرقا كبيرا بين ما عاينه المراقبون من عزوف المواطنين عن الاستفتاء على الدستور الجديد و"الأرقام المضخمة" التي أعلنتها هيئة الانتخابات.
وأضاف أن هنالك تضاربا بين الوثائق الرسمية التي صدرت عن الهيئة والنتائج المعلنة وعدد السكان مما يدل على شبهات تزوير كبيرة، حسب تعبيره.
وكانت جبهة الخلاص الوطني التي تضم 5 أحزاب معارضة (النهضة وقلب تونس وائتلاف الكرامة وحراك الإرادة والأمل) اتهمت أمس هيئة الانتخابات بـ"تزوير" أرقام نسبة المشاركة في الاستفتاء، مدعية أن استفتاء الرئيس قيس سعيد "فشل".
وفي وقت سابق اليوم، قالت "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء"، التي تضم 5 أحزاب هي الجمهوري والتيار الديمقراطي والتكتل والعمال والقطب، إن هيئة الانتخابات خرجت عن حيادها، واعتبرت أنها هيئة تابعة للرئيس قيس سعيد ولا يمكن الوثوق بما انتهت إليه.
وأضافت الحملة خلال مؤتمر صحفي أن ما حدث يمثل فضيحة كبرى في تاريخ البلاد، مشددة على أن التونسيين لن يقبلوا بالأمر الواقع وسيواصلون النضال.
وفي هذا الإطار، قال الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي التونسي غازي الشواشي إن الحملة تقدمت بدعوى قضائية ضد كل أعضاء الحكومة ورئيسة الحكومة وضد كل أعضاء هيئة الانتخابات ورئيسها من أجل "تزييف الانتخابات ومن أجل تبديد أموال الدولة والانقلاب على دستور البلاد".
بدوره، أكد الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي أن تنسيقية الأحزاب الخمسة الرافضة للاستفتاء لا تقبل النتائج الأولية التي تم إعلانها، ووصف العملية الانتخابية بأنها خرق وتزييف لمحاولة فرض دستور غير ديمقراطي.
وخلال نفس المؤتمر الصحفي، قال أمين عام حزب التكتل خليل الزاوية إن صورة تونس اهتزت أمام الرأي العام الداخلي والخارجي بعد العودة إلى ما سماه بمربع التشكيك في أرقام الانتخابات.
وبينما قال الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي -للجزيرة- إن الدستور التونسي الذي اقترحه الرئيس سعيد على التونسيين عملة مزيفة اعتبر رئيس البرلمان التونسي المنحل راشد الغنوشي -خلال مقابلة مع الجزيرة مباشر- أن إجراءات الاستفتاء على مشروع الدستور باطلة.
الانتخابات والمحكمة الدستورية
وفي مقابل استمرار التشكيك بالاستفتاء، دعا الرئيس التونسي قيس سعيد اليوم إلى إعداد مشروع مرسوم يتعلق بالانتخابات لاختيار أعضاء مجلس النواب والمجلس الوطني للجهات والأقاليم.
كما دعا خلال اجتماعه برئيسة الحكومة نجلاء بودن إلى إعداد مشروع آخر للمحكمة الدستورية تطبيقا لأحكام الدستور الجديد.
يذكر أن سعيد أعلن عقب انتهاء الاستفتاء على الدستور أن أول قرار سيتخذه هو إعداد قانون جديد للانتخابات.
ردود دولية
دوليا، دعا الاتحاد الأوروبي اليوم السلطة في تونس إلى إطلاق حوار وطني شامل يسبق الانتخابات التشريعية التي قرر سعيد تنظيمها في ديسمبر/كانون الأول المقبل، وذلك بهدف ضمان شرعية وتمثيلية البرلمان المقبل.
وجاء في بيان صدر عن المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وأشار إلى المشاركة "الضعيفة" في الاستفتاء على الدستور، أن "توافقا واسعا بين القوى السياسية المختلفة بما في ذلك الأحزاب والمجتمع المدني ضروري لنجاح مسار يحافظ على المكاسب الديمقراطية ومهم بالنسبة للإصلاحات السياسية والاقتصادية التي ستتخذها تونس".
من جهته، قال ممثل الاتحاد الأوروبي في تونس إن النتائج المؤقتة للاستفتاء الدستوري في تونس اتّسمت بنسبة مشاركة ضعيفة، داعيا إلى توافق واسع بين القوى السياسية للحفاظ على المكاسب الديمقراطية التي حققتها تونس.
كما قال مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الألمانية توبياس تانكل إن الدستور الجديد في تونس يدعو للقلق، مشيرا إلى انخفاض ملحوظ في نسبة المشاركة بالاستفتاء.
وفي واشنطن، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأميركي كريس ميرفي اليوم إن استفتاء تونس هو للموافقة على احتضان الاستبداد، مشيرا إلى ما اعتبرها مشاركة ضعيفة في عملية الاقتراع.
وأضاف أنه لا يمكن لواشنطن أن تقف مكتوفة الأيدي بينما يواصل الرئيس التونسي تركيز سلطاته.
وكان رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وبوب منينديز، إضافة إلى أعضاء بارزين في اللجنتين، أصدروا أمس بيانا اعتبروا فيه أن الاستفتاء على دستور تونسي جديد خطوة أخرى مقلقة يقوِّض بها الرئيس قيس سعيد المؤسسات الديمقراطية.
كما قالت الخارجية الأميركية مساء أمس إن واشنطن على علم بأن الدستور الجديد قلل من المراقبة وقلص الحريات، وعبرت عن القلق من احتواء الدستور على فصل ضعيف بين السلطات.
في سياق متصل، عبّرت مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط في "منظمة العفو الدولية" هبة مرايف عن قلقها العميق، بعد أنّ اعتمدت تونس دستورا جديدا يقوّض حقوق الإنسان، ويعرض التقدم المحرز في هذا المجال منذ 2011 للخطر، وفق تعبيرها.
وأكدت أن الدستور الجديد يمنح السلطات صلاحية تقييد حقوق الإنسان. وشددت المنظمة على أن الدستور الجديد صيغ خلف أبواب مغلقة من خلال مسار هيمن عليه الرئيس سعيد بالكامل.