تداعيات قصف المنتجع.. هل توجد اتفاقية أمنية تتيح لتركيا التدخل عسكريا في العراق؟

على مدى السنوات الماضية لم ينفك الجيش التركي عن استخدام الطائرات والمدفعية والقوات البرية لمطاردة حزب العمال الكردستاني المنتشر في أعالي الجبال الحدودية بين البلدين

Security forces gather outside a hospital after a Turkish attack, in Zakho
بغداد حملت أنقرة مسؤولية القصف الذي استهدف منتجعا عراقيا قبل أيام (رويترز)

تصاعد الجدل داخل العراق حول المسوغ القانوني الذي تتذرع به تركيا للتوغل داخل الأراضي العراقية لاستهداف حزب العمال الكردستاني، على خلفية قصف منتجع برخ في قضاء زاخو بمحافظة دهوك في كردستان العراق الذي خلف 9 قتلى و23 جريحا، وتحميل بغداد أنقرة المسؤولية عنه ونفي تركيا ذلك.

وعلى مدى السنوات الماضية لم ينفك الجيش التركي عن استخدام الطائرات الحربية أو المسيّرة والمدفعية والقوات البرية لمطاردة حزب العمال الكردستاني المنتشر في أعالي الجبال الحدودية بين البلدين وفي منطقة سنجار شمال غرب الموصل على الحدود العراقية السورية، إلا أن الاستهداف الأخير للمنتجع العراقي يفتح الباب لمعرفة إذا كانت هناك أي اتفاقيات أمنية أو مذكرات تفاهم تسمح فيها بغداد لأنقرة بالتدخل عسكريا في عمق الأراضي العراقية من عدمه.

الصحاف أكد عدم وجود أي اتفاقيات أو مذكرات تفاهم أمنية بين البلدين تتيح لتركيا التوغل عسكريا في العراق (الجزيرة)

لا اتفاقيات ولا مذكرات تفاهم

وتعقيبا على ذلك، يؤكد المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أحمد الصحاف عدم وجود أي اتفاقيات أو مذكرات تفاهم أمنية بين البلدين تتيح لتركيا التوغل عسكريا في العراق، لافتا إلى أن البلدين كانا قد وقعا محضر اجتماع في عام 1984 وانتهى مفعوله عام 1985.

وأضاف الصحاف في حديثه للجزيرة نت أن العراق استقدم أمس السبت القائم بالأعمال العراقي في تركيا إلى بغداد للتشاور بعد أن أكدت خلية الإعلام الأمني العراقية أن القصف الذي استهدف المنتجع السياحي كان بواسطة المدفعية التركية.

حسين قال إن العراق تقدم بـ296 مذكرة احتجاج على التدخلات التركية (وكالة الأنباء العراقية)

وفي جلسة مجلس النواب العراقي التي عقدت أمس السبت لمناقشة الحادث استعرض وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين طبيعة العلاقة بين العراق وتركيا منذ أن تم ترسيم الحدود بين البلدين وعقد الاتفاقات بينهما منذ عشرات السنين، لافتا إلى وجود محضر رسمي موقع من قبل وزير الخارجية العراقي آنذاك طارق عزيز مع نظيره التركي عام 1984 ولمدة عام واحدة فقط، يتعلق بالسماح للقوات التركية بدخول الأراضي العراقية بمسافة لا تتجاوز 5 كيلومترات.

وأضاف حسين أن العراق سجل منذ عام 2018 أكثر من 22 ألفا و700 انتهاك تركي للأراضي العراقية، وأنه تقدم بـ296 مذكرة احتجاج على التدخلات التركية، حيث تم إدراجها مؤخرا مع الشكوى المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي الذي من المنتظر أن يعقد جلسة خاصة بذلك بعد غد الثلاثاء.

حصرية - الخبير الأمني والخبير في الحدود - جمال الحلبوسي
الحلبوسي: لا توجد اتفاقيات أو مذكرات تفاهم أمنية بين العراق وتركيا (الجزيرة)

بدوره، يؤكد الخبير الأمني والإستراتيجي العراقي جمال الحلبوسي أن هناك العديد من الاتفاقيات بين العراق وتركيا في ما يتعلق بالحدود الدولية وتقاسم المياه والأنهار، إلا أنه لا توجد اتفاقيات أو مذكرات تفاهم أمنية بينهما.

وتابع الحلبوسي -الذي عمل في وزارة الدفاع العراقية في ملف الحدود قرابة عقدين من الزمن- أنه كان هناك العديد من المحاضر العسكرية بين بغداد وأنقرة، حيث اتسمت بالسرية وعدم إطلاع أي وزارة عليها باستثناء وزارة الدفاع وممثلين عن وزارة الداخلية ورئاسة أركان جيشي البلدين، وأن اجتماعات دورية كانت تعقد في هذا الشأن.

وكشف في حديثه للجزيرة نت أنه ولأسباب سياسية كان العراق قبل عام 2003 في عهد الرئيس الراحل صدام حسين يسمح للجيش التركي بمطاردة حزب العمال الكردستاني والتوغل مسافة لا تزيد على 50 كلم، مع عدم الاقتراب من المدن وعدم الإضرار بالممتلكات العامة والخاصة.

حصرية - المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو
أوغلو: التسرع العراقي في اتهام تركيا يشير إلى الكثير من علامات الاستفهام (الجزيرة)

علامات استفهام تركية

على الجانب الآخر، أشار المحلل السياسي التركي يوسف كاتب أوغلو في حديث حصري للجزيرة نت إلى أن التسرع العراقي في اتهام تركيا يشير إلى الكثير من علامات الاستفهام وإلى ما وصفه بـ"أمر دبر بليل"، لأجل تأجيج الرأي العام العراقي والعالمي ضد تركيا، فضلا عن أن الاتهامات تأتي في خضم تحضيرات تركية لعملية عسكرية شمال سوريا، مضيفا أنه لا فائدة لتركيا في هجمات ترتقي إلى جرائم حرب، ولا سيما مع سقوط مدنيين وأطفال في منطقة سياحية.

وبشأن إذا كانت هناك أي اتفاقيات بين بغداد وأنقرة تتيح لتركيا التدخل عسكريا أوضح أوغلو أن تركيا ليست بحاجة لمثل هذه الاتفاقيات أو مذكرات التفاهم لاستهداف حزب العمال الكردستاني، حيث إنها اعتمدت على المادة رقم (51) من ميثاق الأمم المتحدة للتوغل في العراق واستهداف حزب العمال، والتي تنص على أن الدولة التي تتعرض لاعتداء عبر حدود دولة جارة تسمح للدولة المهدد أمنها القومي بالدخول إلى الدولة الأخرى التي لم تستطع ضبط أمنها، بحسب تعبيره.

وأضاف أنه كانت هناك اتفاقيات مبرمة بين العراق وتركيا عام 1984 وكانت تتيح لتركيا التوغل داخل البلاد، وعلى الرغم من أن الاتفاقية لم تجدد فإن التهديدات التي تتعرض لها تركيا أجبرتها على التدخل عسكريا، لافتا إلى أن وجود العديد من القواعد العسكرية التركية داخل العراق كان بموافقة عراقية مثل قاعدة زيليكان في بعشيقة، والتي كانت نتاج اتفاق الحكومة التركية مع حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي.

الخبير القانوني علي التميمي (الجزيرة )
التميمي: العراق يمكنه اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة تركيا لما تقوم به قواتها داخل أراضيه (الجزيرة)

وتعليقا على ذلك، يقول الخبير القانوني العراقي علي التميمي إنه لا يمكن لتركيا أن تتذرع بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة إلا بشروط، أولها إعلام مجلس الأمن الدولي بذلك أولا بأول، وهو ما لم يحدث مطلقا.

وتابع التميمي أن العراق يمكنه اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لمقاضاة تركيا لما تقوم به قواتها داخل أراضيه، فضلا عن إمكانية طلبه المساعدة من الولايات المتحدة وفق المادة 27 من الاتفاقية الثنائية بين بغداد وواشنطن لعام 2008، مع إشعار تركيا بإلغاء العراق جميع مذكرات التفاهم السابقة والمحاضر لإسقاط حجة الأتراك بالتدخل فيه.

محاضر عسكرية بعد 2003

وفي ما يتعلق بالوضع الحالي يقول الخبير جمال الحلبوسي إن "آخر المحاضر العسكرية بين الجانبين كانت في عام 2015 وكانت بإشراف رئيس أركان الجيش العراقي وزير الداخلية عثمان الغانمي، وإن تركيا استثمرت هذا المحضر لمحاربة الإرهاب بكافة مسمياته، وإن مكتب القائد العام للقوات المسلحة والجهات الأمنية هي الوحيدة المطلعة على محاضر الاجتماع العسكرية".

وعن الثغرات في المحاضر العسكرية، وصف الحلبوسي الدبلوماسية العراقية بأنها لم تكن ناجعة، وأنه كان على الجانب العراقي أن يضع في مؤتمر مكافحة الإرهاب الأممي عام 2015 محاذير لأجل عدم تدخل دول الجوار في الأراضي العراقية، وأن الأمم المتحدة كانت ستتبنى التوصية العراقية لو تقدم العراق بها، لافتا إلى أن العراق وتركيا لم يحددا مدة زمنية لصلاحية المحاضر العسكرية، وبالتالي لا يزال هناك غموض كبير في هذا الجانب.

وسائل التواصل - أكاديمي وباحث متخصص في الشؤون الإستراتيجية والأمن الدولي.
إلياس: عدد العسكريين الأتراك الموجودين في قواعد داخل العراق يقدر بأكثر من 7 آلاف عسكري (مواقع التواصل)

من جانبه، يقول الأكاديمي والباحث المتخصص العراقي في الشؤون الإستراتيجية والأمن الدولي فراس إلياس إنه لا توجد اتفاقيات أمنية بين العراق وتركيا، إلا أنه في عام 2007 وأثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي إلى تركيا وبعد توقيع اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين البلدين تم توقيع مذكرة تفاهم أمني بين الطرفين، وسمحت المذكرة للجانب التركي بالتوغل بعمق 35 كلم داخل الأراضي العراقية لملاحقة حزب العمال الكردستاني.

وتابع إلياس في حديث حصري للجزيرة نت أن زيارة رئيس مجلس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى تركيا لم تشهد توقيع أي مذكرة تفاهم إلا أن المصادر التركية تتحدث عن أن الكاظمي أعطى ضوءا أخضر لتركيا لتنفيذ عمليات قصف وتحليق للطائرات المسيرة بعمق 50 كلم لملاحقة وتدمير أوكار حزب العمال الكردستاني، ولم يتسنَ لمراسل الجزيرة نت التأكد من صحة هذه المعلومات من مصادر حكومية عراقية.

ويكشف إلياس أن تركيا تمتلك عبر مذكرات التفاهم 51 نقطة عسكرية منتشرة على طول الحدود العراقية التركية، وقاعدة عسكرية في بعشيقة، حيث يقدر عدد العسكريين الأتراك الموجودين في تلك القواعد والنقاط بأكثر من 7 آلاف عسكري يتحركون بمساحات جغرافية واسعة تصل إلى حوالي 100 كلم في عمق الأراضي العراقية.

Abdul Ameer al-Shammari, deputy commander of Iraq's military Joint Operation Command and Iraqi Foreign Minister Fuad Hussein inspect the site of a Turkish attack on a mountain resort in Iraq's northern province of Dohuk,
قادة سياسيون وعسكريون عراقيون في موقع المنتجع الذي استهدفه القصف (رويترز)

ما إمكانية إلغاء محاضر الاجتماع؟

تتعدد السبل التي يمكن من خلالها إلغاء محاضر الاجتماع العسكرية، إذ على الرغم من أن المتحدث باسم وزارة الخارجية العراقية أكد للجزيرة نت أنها لم تعد نافذة بعد عام 1985 فإن جمال الحلبوسي أكد في حديثه للجزيرة نت أنه يمكن للعراق إبطال مفعولها من خلال رفع مذكرة من قبل وزارة الخارجية العراقية والوزارات الأمنية إلى مجلس الأمن الدولي والجامعة العربية واعتبار أي عمل عسكري ووجود تركي داخل الأراضي العراقية تجاوزا على البلاد، مع مغادرة هذه القوات خلال مدة لا تتجاوز شهرا واحدا.

أما فراس إلياس فيرى أن مذكرات التفاهم أو المحاضر العسكرية لا يمكن اعتبارها اتفاقيات، مشيرا إلى أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان بصدد إلغائها، إلا أن وجود القوات الأميركية في شمال العراق خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي وإنشاءها المنطقة الآمنة جعلا إنهاء مفعولها أمر مستحيلا.

وأضاف إلياس أنه بموجب قانون عقد المعاهدات السابق رقم (111) لعام 1979 وقانون عقد المعاهدات الجديد رقم (35) لسنة 2015 لا يمكن اعتبار هذه المحاضر اتفاقيات، حيث اشترط القانون الأخير في المادة (17) موافقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين على عقد المعاهدات الأمنية التي تمس سيادة العراق.

وقال إنه "بناء على ذلك من السهل جدا على الحكومة العراقية أن تنهي العمل بهذه المذكرات، وهي إحدى أدوات الرد على الهجوم الأخير، ووضع حد للهجمات التركية مستقبلا، فضلا عن أنها تمكن العراق في المستقبل من إنهاء وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار وغيرها".

ويعتقد إلياس أنه رغم السبل التي يمكن للعراق من خلالها إبطال مذكرات التفاهم والمحاضر العسكرية فإنه لن يتم وضع حد لهذه المعضلة إلا بإعادة الجيش العراقي إلى هذه المناطق، وفرض سلطة الدولة على جميع الأراضي العراقية، وأن يتم اللجوء إلى القوة لإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني بأي طريقة كانت، لافتا إلى أن العراق قد يلجأ مستقبلا لعقد محضر ثنائي جديد يحدد طبيعة ملاحقة تركيا لحزب العمال الكردستاني.

يشار إلى أن المناطق الحدودية العراقية مع تركيا تشهد توترا وعنفا متكررا، ففي منتصف أبريل/نيسان الماضي أعلنت تركيا تنفيذ عملية جديدة ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني، وجاءت العملية -التي أطلق عليها اسم "قفل المخلب"- بعد عمليتي "مخلب النمر" و"مخلب النسر" اللتين أطلقهما الجيش التركي في شمال العراق عام 2020.

ويخوض حزب العمال الكردستاني -الذي تصنفه أنقرة وحلفاؤها الغربيون منظمة "إرهابية"- تمردا ضد تركيا منذ عام 1984، ويتمركز في مناطق جبلية نائية بالعراق.

المصدر : الجزيرة