بعد فوز حزبه في البنجاب.. هل يتصالح عمران خان مع الدولة العميقة؟

بمجرد الإطاحة بحكومة حزب "الإنصاف" الباكستاني، بقيادة رئيس الوزراء السابق عمران خان أبريل/نيسان الماضي، بدأت الخلافات بين عمران خان والمؤسسة العسكرية والدولة العميقة تطفو على السطح، خاصة بعد تمسكه برواية المؤامرة الخارجية والتدخل الأجنبي لإسقاط حكومته، الأمر الذي نفته المؤسسة العسكرية.
هذا التحول الدراماتيكي السريع في علاقات عمران خان وحزبه مع المؤسسة العسكرية والأمنية، أعقبه تقارب غامض بين الأحزاب السياسية الأخرى والمؤسسة، وهذا ما أكده زعيم حزب "الشعب" ورئيس باكستان السابق، آصف علي زرداري، الذي قال إن العلاقة بين الأحزاب السياسية والمؤسسة شهدت قدرا كبيرا من التحسن مع مرور الوقت، وفقا لصحيفة "إكسبرس تربيون" (The Express Tribune) الباكستانية.

علاقات متأرجحة
ولطالما كان حزب الإنصاف يتغنى بعلاقاته القوية مع المؤسسة العسكرية على خلاف ما كان عليه الوضع بين المؤسسة والحكومات الأخرى، وهذا ربما ما دفع الأحزاب الأخرى لاتهام عمران خان بتزوير الانتخابات بالمشاركة مع الجيش.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsانتخابات البنجاب ترسم ملامح المشهد السياسي في باكستان وتضع مستقبل عمران خان على المحك
باكستان تحت الضغط.. قرض صندوق النقد مقابل وقف "الحزام والطريق" مع الصين
ويعد التراجع في العلاقات بين المؤسسة وعمران خان جزءا من إستراتيجية سياسية اضطر خان للجوء إليها بهدف الضغط على الحكومة الجديدة والدعوة لانتخابات مبكرة، إذ انتقد في خطاباته الموقف الحيادي للمؤسسة العسكرية، الذي مكن المعارضة بطريقة أو بأخرى من إسقاط حكومته.
ويرى مراقبون أن عمران خان، من أجل الحفاظ على شعبيته والحفاظ على الضغط السياسي على الحكومة الجديدة عبر الترويج للمؤامرة الخارجية، اصطدم مع المؤسسة العسكرية التي نفت كل مزاعمه، ذلك أنه في حال ثبت وجود مؤامرة خارجية فإن ذلك يدين الجيش بشكل مباشر.
وفي هذا السياق، يقول أحسن علي زاهد -كبير الباحثين في مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية (CISS) في إسلام آباد- إن العلاقة بين رئيس الوزراء السابق عمران خان والجيش بدأت في التدهور بعد تحفظاته على تعيين المدير العام لوكالة الاستخبارات الباكستانية.
وأضاف زاهد -في حديث للجزيرة نت- أن هناك أسبابا أخرى منها سياسات قلة الخبرة، وسوء التعامل السياسي مع المقاطعات، وتدهور الاقتصاد، وتراجع العلاقات مع الولايات المتحدة والقوى الغربية.
من جهته، يقول الباحث المشارك في معهد الرؤية الإستراتيجية عثمان علي خان إن السبب الوحيد لإسقاط عمران خان هو عدم وجود دعم من حلفائه، ولا يوجد علاقة للمؤسسة العسكرية في ذلك.
وأضاف أنه، بعد الإطاحة بعمران خان، ظهر عدد من الأحداث كان من بينها بناء رواية معادية للغرب، وأرى أنها لعبة من حزب "الإنصاف" من أجل مصالحه السياسية.
وبالرغم من أن عمران خان كان غالبا ما يتجنب الإساءة المباشرة للمؤسسة، فإن هتافات أنصاره كانت دائما ما تشير إلى تدخل عسكري للإطاحة بعمران خان.
إضافة إلى ذلك، كانت أحزاب المعارضة التي شكلت الحكومة الجديدة تروج إلى إساءة عمران خان وأنصاره إلى المؤسسة العسكرية، فلقد اتهمت حزب الإنصاف بتنظيم حملة على وسائل التواصل الاجتماعي "للإساءة إلى مؤسسات الدولة الرسمية، والترويج لخطاب الكراهية ونشر الفوضى في البلاد".

ثقل سياسي كبير ومستقبل غامض
وفي هذا السياق، يقول الدبلوماسي السابق ورئيس معهد إسلام آباد للدراسات السياسية، جاويد حفيظ، إنه عندما تمت الإطاحة بحكومة حزب الإنصاف، كان رد فعل كوادرها عاطفيا ضد المؤسسة.
وأضاف حفيظ للجزيرة نت أن المؤسسة تقدم المشورة لقادتها المفضلين في اختيار المرشحين في الانتخابات، وقد لعبت دورا في تشكيل الحكومات من خلال دعم الأحزاب الصغيرة -مثل حزب "الحركة القومية المتحدة" (MQM)، وحزب "بلوشستان عوامي" (BAP)- التي دعمت عمران خان في البداية ثم انفصلت عنه في الأزمة الأخيرة، مما تسبب في سقوط حكومته.
ويقول زاهد إن هناك وجهة نظر شائعة في السياسة الباكستانية، وهي أن لا شيء يحدث من دون موافقة المؤسسة المدنية والعسكرية، سواء كان ذلك للضغط على الحكومة القائمة أو لدعمها.
في حين يقول علي خان إن منتقدي السياسة الانتخابية الباكستانية يبالغون كثيرا في تضخيم تأثير الجيش على الانتخابات. ويضيف أن المؤسسة تتمتع دائما بأفضل العلاقات مع الحكومة بغض النظر عن أي حزب سياسي يتولى السلطة.
وقد أحدث فوز حزب الإنصاف في انتخابات البنجاب -الأحد الماضي- حالة من الغموض في ما يتعلق بالعلاقات بين عمران خان والمؤسسة، فبالرغم من انتقاده للمؤسسة قبل أيام من عقد الانتخابات، فإنه تراجع عن ذلك، ووفقا لقناة "إيه آر واي نيوز" (ARY News) تعهد بمواصلة الانتقادات البناءة ضد الحكم السيئ وأوضح أنه ليست لديه نية لاستهداف المؤسسة عمدا.
وأضاف خان في تصريحاته "أنا لم أحارب المؤسسة ولا أريد أن أحاربها. ومع ذلك، يجب التحقيق في مسألة الإطاحة بحكومة منتخبة وتشكيل لجنة للتحقق من الشخصيات التي تقف وراءها".
هذه التصريحات أشارت إلى رغبة عمران خان في التصالح مع المؤسسة العسكرية والدولة العميقة، وتعليقا على ذلك، يقول جاويد حفيظ، إن البيانات الأخيرة تظهر أن حزب الإنصاف يحاول إصلاح العلاقات مع المؤسسة، نظرا لأنه يحتاج إلى دعمها (أو حيادها على الأقل) في الانتخابات الوطنية المقبلة.
وأواخر يونيو/حزيران الماضي، قال إعجاز الحق زعيم حزب الرابطة الإسلامية- جناح ضياء الحق، إنه يحاول تحسين العلاقات بين عمران خان والمؤسسة، وفقا لما نقلته "إيه آر واي نيوز"، مضيفا أن خان أظهر حبه للجيش الباكستاني في لقاء معه مؤخرا، وهو ما يعد علامة إيجابية.
وتعليقا على فوز الحزب في انتخابات البنجاب، يقول جاويد حفيظ، لقد رأت المؤسسة المزاج العام في البنجاب، الذي يظهر موجة شعبية إلى جانب عمران خان، لذلك سيكون من غير الحكمة أن تتجاهله المؤسسة.
وأردف حفيظ قائلا: سيفوز في الانتخابات الوطنية بأغلبية أكبر، إذ إنه مع عدم نجاح خطتها أبريل/نيسان الماضي، لن تدعم المؤسسة أحزاب الحركة الديمقراطية الشعبية في الانتخابات المقبلة.
من جهته، يقول أحسن علي زاهد إنه من الصعب حاليا معرفة إذا ما كانت المؤسسة ستستمر في تجنب التدخل السياسي لصالح الحكومة الائتلافية في الانتخابات العامة المقبلة أم لا؟ لأنه إذا استمر خان وقادة حزبه في الضغط من خلال الخطاب السياسي المستمر، فإنه سيجبر المؤسسة على البقاء على الحياد.
ومن جهته، يرى عثمان علي خان أن الانتخابات هي التي تشكل الهيكل السياسي الباكستاني، ويضيف أن انتصار حزب الإنصاف في البنجاب إجابة على كل الخرافات الموجودة، على حد وصفه.