نزيف مستمر.. لماذا يهاجر أطباء سوريا إلى بلدان تشهد حروبا وعدم استقرار؟
شمال سوريا- لم يتخيل الطبيب السوري أكرم الحوراني أن تحطّ رحاله يوما ما في دولة الصومال، ويصبح أحد أشهر أطباء الأسنان في عاصمة بلد أنهكته الحروب الأهلية، رغم أنه بدأ مؤخرا يتعافى تدريجيا من آثارها، في وقت تعاني فيه بلده سوريا منها حتى اللحظة.
والحوراني (اسم مستعار) كان قدم إلى الصومال عام 2015، بعد أن أصبح بقاؤه في سوريا يشكل خطرا على حياته، كونه أصبح مطلوبا لأجهزة النظام الأمنية، نتيجة تخلّفه عن الخدمة الإلزامية في قوات النظام السوري، فيما واجه الطبيب قلة فرص العمل في دول الخليج وغيرها من الدول العربية.
ويقول الحوراني -في حديثه للجزيرة نت- إن الصورة النمطية التي يعتقدها السوريون وحتى العرب عن الصومال من أنه يعاني من المجاعات والحروب، هي صورة بعيدة عن الحقيقية، مستدركا في الوقت ذاته أن الأمر لا يخلو من حوادث أمنية بين الحين والآخر.
ويشير إلى أن أعداد الأطباء السوريين في عموم الصومال تقارب 500 طبيب، معظمهم مختصون في طبّ الأسنان والأطفال والجراحة العامة، لافتا إلى أن المردود المادي جيد جدا مقارنة بما كان يحصل عليه في سوريا.
هجرة الأطباء بالأرقام
وبعد أكثر من عقد من الحرب في سوريا، لم يبق في مناطق سيطرة النظام السوري سوى 20 ألف طبيب من أصل 70 ألفا، وفق تصريح نقيب الأطباء السابق كمال عامر في فبراير/شباط 2021، في وقت يخبر فيه الازدحام المستمر في مديريات الهجرة والجوازات بمدن حلب ودمشق عن استمرار رحيل جزء ممَن تبقى.
وفي العموم، فقد غادر حوالي 70% من العاملين في القطاع الصحي البلاد، فيما باتت النسبة الآن طبيب واحد لكل 10 آلاف سوري، بحسب تقرير صدر عن اللجنة الدولية للإنقاذ العام الماضي.
وفي محاولة لتعويض النقص، يضطر العاملون في هذا المجال للعمل أكثر من 80 ساعة في الأسبوع، وفق التقرير ذاته.
وعلى وقع الهجرة المستمرة، أعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري أخيرا أن البلاد تعاني من نقص كبير في عدد أطباء التخدير، لافتة إلى الحاجة إلى ما لا يقل عن 1500 طبيب لتغطية النقص الحاصل جراء رحيل الأطباء.
وتعاني مناطق سيطرة النظام في سوريا من نقص كبير في الكوادر الطبية من مختلف الاختصاصات، بسبب هجرة الأطباء والظروف الصعبة التي تحول دون ممارسة المهنة جراء الأزمات الاقتصادية والمعيشية المتلاحقة.
تفريغ الكوادر
وتنسب حكومة النظام ومن يمثلها في نقابة الأطباء أسباب هجرة الكوادر الطبية إلى دول تشهد أزمات واضطرابات أمنية كاليمن والصومال وليبيا، إلى شيء أقرب إلى نظرية المؤامرة، من خلال الحديث عن أن تلك الدول تستقطب الأطباء السوريين بشكل خاص.
وبحسب نقيب أطباء ريف دمشق الدكتور خالد قاسم موسى، فإن هجرة الأطباء السوريين إلى خارج البلاد باتت أمرا واقعا ومستمرا، مضيفا أن العديد من الدول تستقطبهم عبر تقديم فرص العمل.
وقال موسى في تصريح لإذاعة "ميلودي إف إم" -الموالية للنظام- إن الأطباء السوريين يتوجهون إلى دول تعاني من حرب مثل اليمن بهدف العمل، حيث يتراوح راتبهم بين 1200 و3 آلاف دولار.
ورأى موسى أن الأطباء السوريين يسافرون إلى الخارج بسبب الوضع الاقتصادي "على الرغم من توفر فرص العمل للأطباء في سوريا"، مدرجا التسهيلات التي يحصلون عليها من بعض الدول في مشروع "تفريغ الكوادر" الطبية من سوريا.
وفي المقابل، فإن راتب الطبيب المختص العامل في المستشفيات الحكومية السورية لا يتجاوز 280 ألف ليرة سورية (ما يعادل 70 دولارا أميركيا)، في وقت حددت فيه حكومة النظام بدل المعاينة للأطباء في العيادات الخاصة بمبلغ 5 آلاف ليرة (ما يقارب 14 دولارا).
معاناة مشتركة
وفي مناطق سيطرة المعارضة لا تبدو الحال أفضل من مناطق سيطرة النظام بالنسبة للأطباء والعاملين في الشأن الصحي، حيث إن قرابة 200 طبيب هاجروا من مناطق سيطرة المعارضة شمال غربي سوريا، بحسب مدير الصحة في إدلب سالم عبدان.
ويرد عبدان -في حديث للجزيرة نت- أسباب هجرة الأطباء من المنطقة إلى القصف المستمر واستهداف المنشآت الطبية بشكل ممنهج، إضافة إلى تراجع مستوى التعليم ورغبة الأطباء في استكمال الدراسة والاختصاص الطبي خارج سوريا.
ويشير مدير الصحة في إدلب إلى أن الكوادر الطبية -تعاني مثل سكان المنطقة- من آثار الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، المرتبطة بغلاء الأسعار وعدم وضوح الرؤية نحو مستقبل في المنطقة.