لوبس: من كورونا إلى الحرب في أوكرانيا.. العولمة العمياء على المحك
قالت لوبس (L’Obs) الفرنسية إن الأزمات الأخيرة، من جائحة كوفيد-19 إلى الغزو الروسي لأوكرانيا، كشفت عن عيوب العولمة ودفعت إلى منعطف جديد عنوانه استعادة السيادة وإعادة توطين الصناعة، لرفع التحدي الاقتصادي ووضع إستراتيجية في مواجهة صعود "الصين المفعمة بروح الانتقام وروسيا العدوانية".
وأوضحت المجلة -في تقرير بيير هاسكي- أن كلمة السيادة كانت في قلب كل الأزمات لمدة عامين أو ثلاثة، لا بالمعنى السياسي الذي يفهمه دعاة السيادة من اليمين واليسار، ولكن بطريقة أكثر واقعية، لتصحيح عيوب العولمة العمياء والخطيرة التي تم وضعها في العقود الأخيرة.
وبدأت الصدمة -كما يقول الكاتب- مع بداية وباء كورونا "عندما أدركنا أنه لم يعد بإمكاننا إنتاج الباراسيتامول في فرنسا لأن أحد المكونات المستوردة من آسيا كان مفقودا، مما أعطى مؤشرا لضرورة وضع حد للعولمة، بمفهوم معين للتجارة على أساس سلاسل التوريد في الوقت المناسب، والموثوقية الدائمة للموردين والسعي الدائب للحصول على مزايا تنافسية على أساس أقل تكلفة، دون أي اعتبارات إستراتيجية أو بيئية".
ويبدو أن هذه الأزمة ليست بسيطة، والعالم الآن يشهد توقفا غير مسبوق للعولمة -حسب الكاتب- بحيث سيتم إنتاج المكون المفقود من الباراسيتامول مرة أخرى في فرنسا العام المقبل، ولن تكون بطاريات سيارات الغد الكهربائية مصنوعة بنسبة 100% في الصين، بل سيتم إنتاجها بالكامل في أوروبا اعتبارا من عام 2025، وسيتم تقليل الاعتماد على أشباه الموصلات الآسيوية في أوروبا مع نهاية العقد.
متطلبات وضرورات جديدة
يضيف الكاتب: ولئن بدا أن التحدي اقتصادي، لأنه نابع من توقف خطوط الإنتاج بسبب نفاد أحد المكونات المنتجة في شنغهاي الصينية أو لفيف الأوكرانية، فإنه قبل كل شيء تحد إستراتيجي، لكي لا يصبح أحد تحت رحمة مورد يمكنه استبعاده عندما يشاء، وأوضح مثال على ذلك هو الاعتماد على الغاز الروسي، وإن لم يكن المثال الوحيد، وبالتالي تدرس الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا، في ضوء الأزمة مع روسيا، المجالات التي تكون التبعية فيها خطيرة، والسيادة ضرورية.
وفي هذا السياق، تعيش الصين نفس التجربة في الاتجاه المعاكس، بسبب عداء أميركي أطلقته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، واستمر مع الرئيس الجديد جو بايدن، بحيث يتم حرمان الشركات الصينية -التي وضعت في القوائم السوداء- من الوصول إلى التكنولوجيا الأميركية التي هي في أمس الحاجة إليها.
ولهذه الأسباب، تهدف أحدث خطة خمسية صينية -كما يقول الكاتب- إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي في المجالات الأكثر حساسية من خلال زيادة الاستثمار العام، إلا أن الدراسات تُظهر أن بكين ستعاني على المدى القصير بسبب التأخيرات الهيكلية.
ولئن بدا مفهوم "الحرب الباردة الثانية" محل نزاع، بسبب التبادلات الاقتصادية الضخمة التي لا تزال تحدث بين القوى المتنافسة، على عكس ما حدث خلال "الحرب الباردة الأولى" فإن ما لا تظهره الأرقام هو فك الارتباط التدريجي للقطاعات الحساسة.
واختتم المقال بأنه ومع أن السيادة لا تتعارض مع التبادلات الاقتصادية، فإنها تتطلب فحصها في ضوء ما خلفته من صعود الصين "الانتقامية" وروسيا "العدوانية" لتصبح السيادة شعار العقد الأول من القرن الـ 21 الذي كان غائبا عن سنوات "العولمة المنتصرة".