أكاديمي أميركي: عصر نووي جديد يتطلب إستراتيجية وليس مجرد الحد من التسلح

نشر موقع فورين بوليسي (Foreign policy) الأميركي مقالا يحذر من تقاعس أميركا عن أن تكون على قدر التحديات الجديدة التي يمثلها تطور قوة الصين النووية وتهديدات روسيا باستخدام السلاح النووي، داعيا إلى أن يتعلم الأميركيون مرة أخرى ما أسماه "التفكير نوويا" بعد أن تجاهلوا ذلك منذ انهيار الاتحاد السوفياتي السابق ونهاية حقبة الحرب الباردة.
وقال كاتب المقال مايكل أوسلين، الزميل في معهد هوفر بجامعة ستانفورد، إن العصر الحالي يتطلب إستراتيجية جديدة، وليس السياسة النووية التي أعلنها الرئيس جو بايدن في حملته الانتخابية، وهي مجرد الحد من التسلح النووي.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsمقال بنيويورك تايمز: هكذا تبدأ الحرب العالمية الثالثة
الحرب العالمية الثالثة إن وقعت.. أين يقف العرب؟
الحرب العالمية المقبلة قد لا تكون بين البشر بل مع طرف آخر
وأوضح أنه وبعد سنوات، عاد "الإرهاب النووي" قائلا إنه لا يستبعد، استنادا إلى تصريحات مسؤولين أميركيين وروس، أن يتجه العالم نحو أخطر مواجهة نووية منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962.
نهاية العطلة
وقال الكاتب: يجب أن يكون صخب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النووي حول أوكرانيا كافيا لصدمة صانعي السياسة الأميركيين وإدراكهم أن عطلة الولايات المتحدة النووية قد انتهت. فقد أعاد بوتين إدخال التهديدات النووية في علاقات القوى العظمى.
وأضاف أنه، ومع ذلك، حتى في الوقت الذي تصارع فيه واشنطن مع التهديدات الروسية الأخيرة، فإنها تواجه تحديا نوويا آخر يلوح في الأفق قد يكون أكثر خطورة على المدى الطويل، وهو الخطر الصيني، إذ تقوم بكين "بتوسيع مذهل" لقدراتها النووية.
وأشار الكاتب إلى أن الصين قد تضاعف ترسانتها النووية 4 مرات إلى ما يصل إلى ألف سلاح نووي بحلول عام 2030، إلى جانب الأخبار المتعلقة باختبارات الصين الناجحة للمركبات التي تفوق سرعتها سرعة الصوت عام 2021.
تجاهلوا البعد النووي
وقال الكاتب إن صانعي السياسة والمفكرين الإستراتيجيين بالولايات المتحدة، ورغم مشاهدتهم التحديث الدراماتيكي للقوات المسلحة التقليدية الصينية على مدى العقد الماضي ورغم سنوات التحديث النووي الروسي في عهد بوتين، فقد تجاهلوا إلى حد كبير البعد النووي منذ نهاية الحرب الباردة.
وأضاف أنه في حين شهدت السنوات الأخيرة انبعاثا صغيرا في مناقشة القضايا النووية، فإنه لا يوجد تركيز مستدام على العصر النووي، مشيرا إلى أن قائمة الأسئلة التي تواجه الإستراتيجيين النوويين الأميركيين والمتخصصين في الصين ربما يأتي على رأسها فهم كيف ستلعب قدرات بكين الجديدة وقدرتها المتزايدة على تخطيطها الإستراتيجي والعسكري حول تايوان.
ومع ذلك، قد لا تقل أهمية عن تايوان مطالبات بكين الواسعة في بحر جنوب الصين، حيث قامت ببناء جزر جديدة وجزر مرجانية محصنة عسكريا تدعي أنها الآن منطقة ذات سيادة، أو الحدود الهندية الصينية، حيث امتدت النزاعات الإقليمية إلى أعمال عنف عام 2020. في كل هذه الحالات، ما قد تعتبره بكين "دفاعا" يجب أن يؤخذ في الاعتبار بجدية من قبل المحللين الأميركيين.
تنشيط التفكير النووي
وشدد الكاتب على أن معرفة الوزن النسبي الذي يمنحه المخططون الصينيون للأهداف ذات القيمة المضادة (مثل المراكز السكانية بالولايات المتحدة) مقابل أهداف القوة المضادة (مثل القواعد العسكرية) سيكون أمرا حيويا لكبار صانعي السياسة في الولايات المتحدة.
وقال إن الوقت قد حان لإعادة تنشيط التفكير النووي الأميركي، مضيفا أنه ومثلما يعطي إحصاء الأسلحة النووية الصينية صورة غير مكتملة، في أحسن الأحوال، عن إستراتيجية وعقيدة بكين، فإن تحديث الترسانة النووية الأميركية لن يعني الكثير دون إحياء للتفكير الإستراتيجي المتطور حول الأسلحة النووية وإقامة مجتمع متطور جيدا من الإستراتيجيين النوويين.
وقال أيضا إن الولايات المتحدة تواجه مشكلة ثقافية: هل تستطيع استعادة قدرتها -التي فقدتها منذ نهاية الحرب الباردة- على التفكير نوويا؟
الذاكرة العضلية
وأوضح أنه ومن نواحٍ عديدة، فقد الأميركيون "الذاكرة العضلية" للتفكير في المصطلحات النووية. فخلال المواجهة التي دامت عقودا مع الاتحاد السوفياتي، كان لدى مجتمع الأمن القومي مفردات كاملة للمفاهيم المعقدة، بدءا من التدمير المؤكد المتبادل إلى التصعيد النووي إلى فكرة الإشارة، والتي ساعدت واشنطن على التواصل مع السوفيات والتفكير في الكيفية، إن وجدت أصلا.
وبمجرد انتهاء الحرب الباردة -يقول الكاتب- انتهى الشعور بالإلحاح، وتحول الكثير من تركيز مجتمع الدراسات النووية بعد الحرب الباردة بعيدا عن الردع إلى نزع السلاح، ومنع الانتشار، والأنظمة المارقة، والتحدي الدائم لبرنامج كوريا الشمالية النووي. وكانت جميعها قضايا جديرة بالاهتمام، حتى مع عدم اتباع القوى النووية الأخرى في العالم لأجندة الولايات المتحدة الجديدة.
المساعدة في التثقيف
ودعا الكاتب إلى إشراك المؤرخين والمتخصصين في السياسة الخارجية بالمناقشات والأبحاث حول القضايا النووية، وإلى زيادة القيادة الإستراتيجية الأميركية من انتشارها بين الأكاديميين والباحثين، للمساعدة في التثقيف، ولكن أيضا للتعرض لوجهات نظر المتخصصين الذين لا يتحدثون عادة مع المخططين النوويين.
وقبل كل شيء -يقول الكاتب- يجب على الولايات المتحدة العودة إلى نظام التفكير الإستراتيجي، ورعاية مناقشات جادة متعددة التخصصات حول القضايا النووية، وإعداد المشهد الفكري والسياسي مسبقا للأزمة، والامتناع عن الإمساك المتقطع وغير المنسق وسط سيل من الأحداث.