بعد إغلاق مكملين في تركيا.. ما مستقبل قنوات المعارضة المصرية؟

شعار قناة مكملين الفضائية التي أعلنت إغلاق مقرها في تركيا والاستعداد للبث من مكان آخر لم تحدده (الجزيرة)

القاهرة – بدأت القنوات المصرية المعارضة في تركيا جولة جديدة من البحث عن فضاء جديد بعد إعلان فضائية "مكملين" إغلاق مقرها بالكامل نهاية أبريل/نيسان الماضي، وذلك ضمن سلسلة إجراءات بدأت بخفض سقف الانتقادات وانتهت بالإغلاق والمغادرة، في إطار ما بدا تهدئة إعلامية بين مصر وتركيا يفترض أن تمهد إلى تقارب ثم تطبيع كامل للعلاقات المتوترة منذ سنوات.

وأرجعت القناة القرار -الذي نشرته على صفحتها الرسمية في موقع فيسبوك- إلى "أوضاع لا تخفى على أحد، والحرص على استمرارية رسالتها الإعلامية لنقل الحقيقة كاملة"، في إشارة اعتبرها البعض تتعلق بالتقارب المصري التركي مؤخرا، واقتراب عودة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية بين البلدين منذ العام 2013.

وذكرت القناة -في بيان نشرته بالعربية والإنجليزية- أنها حرصت منذ بدايتها قبل 8 سنوات على أن تكون "صوتا للحقيقة ومنبرا لكل أبناء مصر لنقل الصورة الكاملة وصوتا للمظلومين والمعتقلين".

وقررت إدارة القناة إغلاق أستوديوهاتها ومقرها بالكامل في تركيا ونقل كافة أعمالها بالكامل إلى الخارج، بحيث تنطلق من عواصم عالمية مختلفة خلال المرحلة المقبلة"، وفق البيان الذي لم يوضح الوجهة المقبلة بالتحديد.

القاهرة ترحب وتنتظر المزيد

لم يصدر أي بيان رسمي من القاهرة للتعليق على مغادرة قناة "مكملين" على غرار ما جرى في مارس/آذار 2021 حين أصدرت السلطات التركية -وفق تقارير إعلامية- تعليماتها لقنوات المعارضة بإيقاف البرامج السياسية والتوقف عن انتقاد مصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي، مهددة بعقوبات تصل إلى إغلاق هذه القنوات، وهو قرار رحبت به مصر آنذاك.

وكانت "مكملين" و"الشرق" قد أوقفتا عدة برامج خلال العام الماضي بعد لقاءات بين مسؤولين أتراك وبين إدارتي القناتين وفق تقارير صحفية، حيث غاب كل من محمد ناصر وحمزة زوبع عن شاشة قناة مكملين، في حين توقف ظهور معتز مطر وهشام عبد الله ثم هيثم أبو خليل وحسام الغمري على فضائية الشرق.

ونقل مصدر صحفي عن دبلوماسي في الخارجية المصرية ترحيب بلاده بقرار إغلاق القناة نهائيا ونقلها من تركيا، واعتبرها "خطوة على الطريق الصحيح، ونتوقع المزيد، وسوف يفوت عليهم فرصة استغلال الغلاء وارتفاع الأسعار لإثارة الفوضى وتحريك الشارع"، على حد تعبيره.

وفي حديثه للجزيرة نت، تابع المصدر -الذي فضل عدم ذكر اسمه- نقلا عن الدبلوماسي المصري أن "مصر تتطلع إلى حل الملفات العالقة أولا قبل استئناف العلاقات الدبلوماسية مع أنقرة"، مشيرا إلى أن "من بين تلك الملفات ما نحن بصدده الآن، المنصات الإعلامية وقيادات الجماعة "الإرهابية" الهاربة"، على حد قوله.

وتبذل السلطات المصرية مساعي حثيثة لتهدئة التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ولجأت إلى سلسلة إجراءات اقتصادية قاسية مؤخرا، على رأسها خفض قيمة الجنيه مجددا بنحو 19%، من أجل توفير موارد دولارية لتلبية احتياجات البلاد الأساسية من السلع الأولية والغذائية، وسداد فوائد وأقساط القروض التي بلغت مستوى قياسيا بعد ارتفاع الدين العام إلى نحو 410 مليارات دولار، وفق وكالة بلومبيرغ.

ومؤخرا، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى حوار سياسي وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي للإفراج عن المحبوسين في قضايا رأي.

الخطوة القادمة صعبة

قرار الإغلاق والنقل والبث من مكان آخر خارج إسطنبول ليس بالأمر السهل لأسباب كثيرة، لكن التوقف عن أداء الرسالة الإعلامية أمر غير وارد، وفق المدير العام لقناة مكملين الفضائية أحمد الشناف.

وبشأن أولويات إدارة القناة في الفترة المقبلة، أوضح الشناف في تصريحات للجزيرة نت "لدينا مهمتان أساسيتان، الأولى: منح العاملين مستحقاتهم المالية ومكافآت نهاية الخدمة مراعاة للظروف الطارئة، والثانية: الحرص على وجود واستمرار عمل القناة واستكمال الرسالة الإعلامية خارج تركيا".

وكشف مدير القناة أن البداية ستكون ببث مواد مسجلة في الفترة الأولى لحين ترتيب إعداد أستوديوهات في الخارج تسمح فنيا بالبث المباشر.

وبسؤاله عن ملامح الاستمرار في تقديم المحتوى، أوضح الشناف أن إدارة القناة سوف تحرص على تقديم إعلام حقيقي يمس هموم ومشاكل الشارع المصري بسقف واسع يتجاوز كل الصعوبات والعقبات داخل منظومة الإعلام في مصر، ونأمل أن تكون الانطلاقة المقبلة أقوى وأفضل لصالح الجمهور المصري الكبير.

على أحر من الجمر

بمغادرة قناة "مكملين" إسطنبول تتبقى قناتا "الشرق" و"وطن"، وهما مستمرتان في البث من هناك بعد خفض مستوى الانتقاد للنظام المصري وإيقاف البرامج السياسية الشهيرة فيهما، مما أفقدهما الكثير من الزخم الإعلامي.

وبشأن مستقبل القناتين وإذا ما كانت لديهما خطط بديلة في حال حدوث أي طارئ، قال مصدران في الفضائيتين -طلبا عدم ذكر اسميهما- إن "الأمور على ما هي عليه، ولا يوجد أي جديد يتعلق بعمل القناتين حتى الآن، ولا توجد خطط بديلة، خاصة في ظل الالتزام بمواثيق الشرف الإعلامية والصحفية".

ولم يستبعد السياسي المصري أيمن نور رئيس مجلس إدارة قناة الشرق -في لقاء سابق مع قناة الجزيرة مباشر- انتقال القنوات للعمل من خارج تركيا إذا كانت هناك ضرورة، مؤكدا أنه لا يريد أن يستبق الأحداث.

شعبية قنوات المعارضة

وتحظى قناة مكملين بمتابعة واسعة من قبل الجمهور المصري إلى جانب قناة الشرق، وبحسب تقرير لشركة إبسوس العالمية للأبحاث والمعنية برصد نسبة مشاهدة الفضائيات، فإن قناة "مكملين" كانت ضمن القنوات الأكثر مشاهدة في مصر خلال شهر رمضان لعام 2016، وهو ما أثار ضجة في أروقة الإعلام المصري.

وتكرر الأمر ذاته في 2017، لكن مع قناة الشرق هذه المرة، إذ حصلت على المركز الرابع من بين القنوات الإخبارية الأكثر مشاهدة في مصر، بحسب تقرير تداولته الصحف المصرية لشركة إبسوس أيضا.

أما قناة وطن التابعة لجماعة الإخوان المسلمين فتبدو الأقل تأثيرا بين هذه القنوات، كما أنها لم تشهد بروز أسماء لامعة لمذيعين معارضين للنظام مثل محمد ناصر (مكملين) ومعتز مطر (الشرق).

وتعرّف قناة مكملين نفسها بأنها شبكة إعلامية مصرية مستقلة تنطلق من قيم وأهداف ثورة 25 يناير، وتتنوع برامجها بين الأخبار والبرامج السياسية والاجتماعية والثقافية، وتعمل على نقل الحقيقة كما هي، وتسعى لنشر الوعي العام بالقضايا التي تهم الجمهور.

المصدر : الجزيرة