العودة لزمن الكتاتيب.. هل يحيي الرواق الأزهري صراع الإمام والوزير بمصر؟
القاهرة- بالتزامن مع غضب شعبي لافت من أداء وزير الأوقاف المصري محمد مختار جمعة، المرتبط بتنظيم الشعائر الإسلامية، وتراجع ملحوظ لقوى الإسلام السياسي، أعلن شيخ الأزهر الشريف أحمد الطيب، عن افتتاح أروقة بالمعاهد الأزهرية في مصر؛ لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم بشكل مجاني.. فما الأسباب والدلالات وراء إحياء الكتاتيب وهل يستهدف القرار كيانات بعينها؟
بعد قرار الطيب، يوم الجمعة، اتخذ وزير الأوقاف قرارًا مماثلاً بتوسيع مراكز تحفيظ القرآن، في وقت تبدو فيه علاقة الإمام والوزير -الذي يعد الوحيد من بين وزراء مصر المحتفظ بحقيبته منذ عام 2013- ليست على أحسن ما يرام، إذ نشبت في أكثر من مناسبة معارك بين الطرفين، منها ما تعلق بمسألة تجديد الخطاب الديني وتدريب الأئمة والوعاظ وحق الفتوى، وغيرها.
وإضافة إلى الأوقاف، من غير المستبعد أن يكون القرار الأزهري مستهدفًا لدور الجماعات السلفية، وتحديدًا تلك التي يقال إنها تنسق مع الجهات الأمنية، والتي جرى تقييد نشاطها السياسي والديني منذ سنوات.
وفي تصريحات منفصلة للجزيرة نت، اتفق مراقبون على أن قرار الطيب يصب في مصلحة العودة بالحياة المجتمعية والدينية في مصر، بعيدًا عن تأثيرات جماعات دينية كانت توظف مثل هذه الأمور لصالحها، دون استبعاد أن يكون هناك نوع من المنافسة بين المؤسسات الدينية، وإن كان ذلك محسوسًا بشكل أكبر لدى وزارة الأوقاف.
فتح باب التقدم لمراكز الثقافة الإسلامية و مراكز إعداد محفظي القرآن الكريم بالأوقاف الأحد ١٥ مايو مع التوسع في فتح هذه المراكز على مستوى الجمهورية والاستفادة بأوائل خريجي مراكز الثقافة الإسلامية في مجال الدعوة وأوائل مراكز إعداد المحفظين في مجال تعليم القرآن الكريم .
— Dr.Mokhtar Gomaa (@drmokhtargomaa) May 3, 2022
معارك الإمام والوزير
رغم الفارق الكبير في نظرة المصريين إلى كل من الإمام الأكبر والوزير، فإن البعض يرى في دعوتيهما مرحلة من مراحل التنافس الرسمي حول انتزاع الأدوار الدينية بالمجتمع، التي يمكن تمييزها بمرحلتين؛ الأولى سيطر عليها طابع أزهري – إسلامي، تزامن مع صعود الحركات والجماعات الإسلامية منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 حتى الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي صيف 2013.
أما الثانية فهي مرحلة ما بعد 2013، إذ تظهر بين الحين والآخر مؤشرات صراع رسمي – رسمي بين مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف حول أحقية أي منهما بتمثيل المجال الديني الرسمي.
وبلغت ذروة هذا الصراع مع دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي مطلع 2015 في خطابه بمناسبة المولد النبوي الشريف إلى ما أسماه "تجديد الخطاب الديني"، ليعلن كل من الأزهر والأوقاف عن وثيقة منفصلة استجابة لدعوة السيسي.
وفي موازاة ذلك، سعت الدعوة السلفية التي كانت في منافسة مع جماعة الإخوان المسلمين منذ ثورة يناير، إلى وراثة موقع الجماعة في أعقاب تغييب الأخيرة عن المشهد السياسي، لكنَّ "الدعوة" فشلت في ذلك؛ لاعتبارات مرتبطة بخطوط حمراء وضعها النظام حول دور الجماعات الدينية غير الرسمية.
إعادة الهيكلة والاعتبار
وحول أسباب ودلالات إحياء الأزهر رواق الطفل، وهل يستهدف كيانات بعينها، رأى الكاتب الصحفي جمال سلطان، أن الإمام الطيب يبذل على مدى السنوات الماضية جهدًا كبيرًا من أجل تطوير المشيخة، وإعادة الاعتبار لمكانتها، سواء على المستوى الديني الروحي أو على مستوى علاقتها بالمجتمع وقضاياه، مشيرًا إلى أن الطيب قطع شوطًا كبيرًا يلاحظه أي مراقب في الفترة الأخيرة.
وقال سلطان إن مسألة الأروقة أو الكتاتيب بصيغة معدلة، هي خطوة في إعادة الهيكلة داخل الأزهر لإنشاء جيل جديد مستقيم اللسان وأقرب إلى كتاب الله وتعلم العلوم الشرعية، خاصة في ظل الانحسار الذي أصاب اللغة العربية في مصر.
وعزز رأيه بالقول إن كل رموز مصر الكبيرة سواء في الأدب أو الدين أو الثقافة أو العلوم أو الفن، كانوا خريجي هذه الكتاتيب، مشددًا على أن إنشاء جيل جديد من المتدينين في حضانة الأزهر، أفضل كثيرًا من أن يترك في حضانة جماعات دينية مجهولة أو مضطربة المنهج، أو لم تتأسس علميا بشكل صحيح، حسب قوله.
ووصف خطوة شيخ الأزهر بالخطوة الموفقة، التي ينبغي التضامن معها شعبيا ورسميا؛ لأنها تعيد صياغة مستقبل الأجيال في مصر بشكل علمي وأكثر جدية، مؤملا في قدرة الطيب على سحب الوزير إلى المضمار ذاته لما في ذلك من مكسب للأجيال الجديدة.
منافسة المؤسسات
متفقًا مع الرأي السابق حول دور أروقة الأزهر في تنشئة جيل من عظماء مصر، قال الكاتب المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية كمال حبيب، إن قرار الطيب يمثل عودة لأحد التقاليد المهمة للأزهر، معتبرا أن اختفاء الكتاتيب كان كارثة حلت بعلوم الدين والدنيا.
وأشار المتحدث للجزيرة نت، إلى أن الرواق جزء من تكوين الأزهر منذ وقت قديم، وكانت هناك أروقة للأقباط والشوام والمغاربة، كان يقيم فيها الطلاب القادمون لتلقي العلم في الأزهر.
ولم يستبعد حبيب أن يكون هناك نوع من محاولات المنافسة بين المؤسسات، في سبيل إحياء الأروقة الدينية، لكنه شدد بالقول إن ما يخص الأزهر ليس مسألة منافسة؛ حيث إن الطيب اختط لنفسه خطة مختلفة عن وزارة الأوقاف.
وأوضح أن الإمام الطيب يستجيب لوظيفة الأزهر باعتباره مؤسسة للأمة وليس مؤسسة تابعة تبعية مطلقة للسلطة، بالتزامن مع هجمة من التيارات العلمانية والإلحادية التي تدفع للانتقاص من شيخ الأزهر والمؤسسة وشعائر المسلمين.
وفيما يخص تزامن إعلان الإمام الأكبر والوزير بشأن الأروقة، رأى حبيب أن "وزير الأوقاف يحاول أن يبحث عن دور، بعد أن كان يراهن على أنه ملكي أكثر من الملك، باتخاذ قرارات منع التهجد في المساجد وتحديد مواعيد التكبير في صلاة العيد، التي أغضبت الجميع، وأثارت تساؤلات حول أسباب التضييق على الشعائر دون غيرها من أماكن الترفيه".
وختم المتحدث بالإشارة إلى أن الرفض الشعبي لهذه القرارات ظهر في الحشود الضخمة في صلوات عيد الفطر والتكبيرات التي وكأنها ترد على من حاول التضييق عليهم.
إعادة تموضع
وفي محاولة لفهم تحركات المؤسسة الدينية وشيخ الأزهر في إحياء الكتاتيب، انطلق الباحث المتخصص في شؤون الحركات والجماعات الإسلامية، مصطفى زهران، من الإشارة إلى أن الإمام الطيب يتحرك انطلاقًا من فكرة إعادة تموضع الأزهر الشريف ومنهجه في البنى المجتمعية المصرية، ليس من دائرة أن يحل بديلاً أو أن يشغل الفراغ الذي تركته قوى الإسلام السياسي بفعل صراعها مع السلطة.
وعزا زهران إحياء الكتاتيب إلى مساعي الأزهر في وضع النقاط على الحروف وإعادة الأمور إلى نصابها والعودة مرة أخرى إلى ينابيع التدين المصري التي كانت تستقي أدبياتها وأفكارها من مؤسسة الأزهر.
وزاد بالقول إن الدور الذي سعى إليه شيخ الأزهر منذ وصوله إلى منصبه، هو تجذير المنهج الأزهري ومحاولة بسطه بالشكل الذي يجب أن يكون المرجعية الأولى للدين والمناهج الدينية بشكل عام سواء في المدرسة أو المسجد أو الأسرة، وبالتالي هو يزاوج بين العمل الديني والمؤسسي.
وفسّر هذه المسألة بأن الإشكالية التي قابلت شيخ الأزهر تتمثل في ما وصفه بالتأثيرات السلفية بالمجتمع المصري سواء المتطرفة والمتشددة أو المحافظة؛ مستبعدًا أن يكون إحياء الأروقة الأزهرية مزاحمة أو مناكفة مع طرف سواء في اللحظة الراهنة أو مستقبلا، بل عودة إلى الأصل.
وعلى الضفة الأخرى، رأى زهران أن وزير الأوقاف الملاحظ نشاطه في تحجيم دور الدعاة المحسوبين على تيارات الإسلام السياسي، انطلق من محاولة مواجهة هذه الرموز والكيانات إلى الاصطدام بالتدين الشعبي، من خلال إصدار قرارات رآها البعض أنها ليس من المفترض أن تصدر من وزير منوط به حماية العبادة والشعائر.
وأضاف أن الوزير أصبح يعاني حالة من الاضطراب في إصدار القرارات وفي الوقت نفسه يحاول معارضة الآراء التي تهاجمه، وبالتالي حاول أن يسبق ويسارع في السير في متوازية ابتكارات الأزهر الشريف، على حد قوله.
وفيما يثار عن صراعات بين المؤسستين، استبعد زهران ذلك، موضحًا أن مهمة ما يصبو إليه الطرفان (بإحياء الأروقة) ينفي التنافس والصراع؛ لأنه يصب في مصلحة قضية العودة بالحياة المجتمعية بعيدًا عن التأثيرات السلفية أو الإسلام السياسي التي كانت توظف مثل هذه الأمور لصالحها، وبالتالي الأزهر والأوقاف في صف واحد ولا مجال للصراع بينهما بما أن أهدافهما واحدة.