آهات حبيسة بمصر.. انتحار صحفي ينكأ أوجاع "صاحبة الجلالة"

يونيه 2015- نقابة الصحفيين في مصر اعترضت على قانون تداول المعلومات
صحفيون مصريون يحتجون أمام مقر نقابتهم عام 2015 اعتراضا على قانون تداول المعلومات (الجزيرة)

القاهرة – تسببت واقعة الانتحار المفجعة للصحفي بمؤسسة الأهرام المصرية عماد الفقي في حالة من الغضب والحزن والصدمة داخل الأوساط الصحفية بمصر، فقد فتح الحادث المؤلم ملف أوضاع الصحفيين الاقتصادية والمعيشية وباقي أوجاع "صاحبة الجلالة"، وهو اللقب الذي يطلقه الصحفيون المصريون على مهنتهم.

وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بتغريدات وبرقيات عزاء الصحفي الراحل، ترافقت معها مطالبات بالكشف عن ملابسات الحادث.

وتحدث صحفيون ونقابيون عما نكأته الحادثة من جراح وأوجاع مهنة الصحافة في مصر التي تمر بأصعب فترة في تاريخها بحسب وصف بعضهم.

 

 

اتهامات متبادلة

ولأن الحادث كان مخيفا وصادما فقد استفز مشاعر المئات من زملاء الصحفي الراحل، ومن بينهم عضو مجلس نقابة الصحفيين محمود كامل الذي اتهم رئيس تحرير الأهرام علاء ثابت بالتسبب في انتحار الصحفي الراحل، بسبب ما وصفه باضطهاده له طوال 4 سنوات، ومنعه من حقه في الحوافز والأرباح، بل ومنعه من ممارسة عمله.

وأضاف كامل -في منشور راج على فيسبوك- أن الصحفي الراحل اختار أن ينتحر من مكتبه ليوجه رسالة إلى كل رئيس تحرير ظالم وإلى رئيس الهيئة الوطنية للصحافة وإلى كل الصحفيين.

 

 

في المقابل، رد رئيس تحرير الأهرام علاء ثابت على اتهامات عضو مجلس نقابة الصحفيين، واصفا إياها بأنها كذب وافتراء ومن وحي خيال مريض.

إعلان

وأعلن ثابت في بيان صحفي نشرته وسائل الإعلام أنه سيتقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد محمود كامل بتهمة ترويج الأكاذيب في واقعة انتحار الصحفي عماد الفقي، مشيرا إلى أنه لم يتم خصم جنيه واحد من حوافز الصحفي الراحل منذ 2017.

وقرر كامل هو الآخر في منشور جديد له على صفحته بموقع فيسبوك التقدم ببلاغ إلى النائب العام ضد ثابت بتهمة السب والقذف، وطالب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام (حكومية) عبد المحسن سلامة بالتحفظ على كافة الأوراق الوظيفية الخاصة بالملف الوظيفي للصحفي الراحل عماد الفقي، وكذلك ملف حقوقه المالية طوال السنوات الماضية حتى تكون تحت تصرف النيابة العامة في حالة طلبها.

كما دعا كل من لديه معلومات حول الصحفي الراحل وحالته النفسية والصحية أن يقدمها إلى النيابة العامة، للمساعدة في فهم ما حدث والوقوف على الأسباب الحقيقية للوفاة.

 

الفترة الأسوأ

المشهد المؤلم والرسالة الرمزية التي اختارها الصحفي الراحل بالانتحار داخل مكتبه في صحيفة الأهرام دفعا عددا كبيرا من كبار الكتاب والصحفيين إلى الكتابة عن الأوضاع الصعبة وغير المسبوقة التي يعيشها الصحفيون في مصر، ووصف رئيس تحرير صحيفة المصري اليوم السابق أنور الهواري الفترة من 2014 وحتى 2022 بأنها الأسوأ في تاريخ الصحافة المصرية.

وتساءل الهواري في منشور له على صفحته في فيسبوك عن الدور الذي يقوم به نقيب الصحفيين وأعضاء مجلس النقابة الحالي في حماية الصحفيين والدفاع عن حرية الصحافة.

 

آهات حبيسة

بدوره، كتب نقيب الصحفيين السابق يحيى قلاش مقالا على حسابه في فيسبوك قال فيه إن أي شخص يتجاهل الرسالة المؤلمة من رحيل الصحفي عماد الفقي بهذه الطريقة هو أعمى البصر والبصيرة، واصفا تجاهل "الحمم البركانية التي تحملها هذه الحادثة المفجعة بين سطورها بأنها في غاية الخطورة".

إعلان

وتحت عنوان "آهات حبيسة" أضاف قلاش أن "أغلب الصحفيين المصريين في حالة من التيه وتخنقهم الهموم العامة والظروف الاجتماعية والاقتصادية الفادحة"، راثيا حال الصحافة المصرية وكيف أنها تحولت من درة التاج ومن أهم القوى الناعمة إلى "مجرد تابع في ديوان التعليمات"، بحسب وصفه.

وطالب نقيب الصحفيين السابق بأن تكون واقعة رحيل الصحفي عماد الفقي بهذه الطريقة المزلزلة بمثابة جرس إنذار لكل الأطراف المعنية من أجل وقفة سريعة وحاسمة مع أوضاع مهنة الصحافة وأوضاع نقابة الصحفيين.

ودعا إلى عقد مؤتمر عام للصحفيين، لمناقشة الأوضاع "الخطيرة والمزرية للصحفيين" وفق تعبيره، وهي الدعوة التي لاقت ترحيبا واسعا لدى قطاع كبير من الصحفيين.

بدوره، دعا عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق عمرو بدر إلى جمع توقيعات من أجل عقد جمعية عمومية طارئة للصحفيين، واصفا مهنة الصحافة بأنها تمر بأصعب وأقسى لحظات في تاريخها.

 

الأقل دخلا مصريا وعربيا

وفقا لعدة تقارير محلية ودولية، فإن الصحفيين المصريين هم الأقل دخلا في العالم العربي، ونشرت شبكة الصحفيين الدوليين تقريرا عن رواتب الصحفيين في العالم العربي في الفترة من 2007 وحتى 2017، وجاء الصحفي المصري في ذيل القائمة، بعد فلسطين واليمن والعراق ولبنان ودول الخليج.

وفي فبراير/شباط 2020 قال رئيس الهيئة الوطنية للصحافة كرم جبر إن ترتيب أجور الصحفيين في مصر أصبح رقم 202 بعدما كان الثاني أو الثالث على مستوى الدولة.

وأضاف أن هناك صحفيين يعملون منذ 20 سنة ورواتبهم لا تزيد على 3 آلاف جنيه (الدولار يساوي 18.50 جنيها).

وفي السنوات الأخيرة قامت مؤسسات صحفية كبيرة بتسريح المئات من محرريها، ومن بينها صحف "المصري اليوم" و"اليوم السابع" و"الشروق"، وهي أكبر مؤسسات صحفية خاصة، وكان صحفيوها يتقاضون رواتب مميزة قبل 10 سنوات.

إعلان

من صحفي إلى سائق

تحت وطأة تلك الظروف اضطر المئات من الصحفيين إلى البحث عن عمل آخر لزيادة دخلهم، وبعضهم هجروا مهنة الصحافة نهائيا.

ومن بين هؤلاء الصحفي "م. أ" الذي تحدث بمرارة عن أوضاع الصحفيين في مصر، وكيف أجبرته الظروف المزرية التي تعيشها مهنة الصحافة على أن يعمل سائقا بسيارته في شركة أوبر لكي ينفق على أسرته.

وأضاف "م. أ" في تصريحات خاصة للجزيرة نت أن إجمالي دخله حتى نهاية عام 2013 كان لا يقل عن 20 ألف جنيه شهريا، إذ كان يعمل في إحدى الصحف الخاصة، فضلا عن مراسلة صحف عربية عدة.

وأشار الصحفي المصري إلى أن مؤسسته الصحفية -والتي كانت من أكبر الصحف الخاصة في مصر- أصبحت تدفع رواتب محرريها بالتقسيط، ورغم مرور أكثر من 15 سنة على عمله فإن راتبه لا يتحرك للأمام بل إلى الخلف، وذلك بعد تخفيض قيمة الجنيه وارتفاع الأسعار وحالة التضخم التي تضرب البلاد.

وأكد أنه لم يجد مفرا من البحث عن حلول أخرى، مضيفا أن "الأسعار في مصر هي والجحيم سواء، ولذلك اضطررت للبحث عن حل آخر لزيادة دخلي، فعملت بسيارتي سائقا مع شركات النقل التشاركية مثل أوبر وإندريفر"، مؤكدا أن عشرات الصحفيين يعملون أيضا حاليا سائقين.

وتطابقت رواية "م. أ" مع ما ذكره محمد الجارحي رئيس تحرير برنامج "مانشيت" الذي كان يقدمه الإعلامي جابر القرموطي.

وعلى حسابه في فيسبوك كشف الجارحي قبل 3 أشهر أنه لم يعد يجد عملا في الصحافة، ولذلك اضطر للعمل بسيارته مع تطبيقات النقل التشاركية، لكي يعيش بشرف وكرامة، وقد لاقى المنشور تفاعلا واسعا من أصدقائه الصحفيين.

صعوبات مالية

وبحسب رئيس تحرير موقع مصر العربية المحجوب في مصر عادل صبري، فإن الصحفيين المصريين يواجهون صعوبات عديدة منذ عام 2012، وإن الأمور وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة خلال السنوات الخمس الماضية.

إعلان

وأضاف صبري في تصريحات للجزيرة نت "أصبحت الصحافة تحت قبضه أمنية مشددة، وهذه القبضة رفعت شعار الوطنية، ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وبالتالي أصبحت الصحافة مهمتها الدعاية والترويج للنظام".

وأشار إلى أنه تم تقسيم الصحفيين إلى نوعين، الأول مع النظام والثاني ضده، والنظام عندهم يعني الدولة.

وتابع" من هنا بدأت ملاحقة الصحفيين ومحاربتهم في "لقمة العيش"، فالصحفيون الذين لا يستطيعون إنتاج هذه النوعية من الإعلام الموجه أصبحوا أكثر عرضة لإنهاء عقودهم أو إبعادهم عن المناصب القيادية.

ولفت صبري إلى أنه حينما تم تشكيل الهيئات الخاصة بالإعلام -ومنها الهيئة الوطنية للصحافة والهيئة الوطنية للإعلام- تم اختيار شخصيات من بقايا نظام مبارك ومعادية لثورة يناير/كانون الثاني 2011، وهذه الشخصيات بدأت في حرب تصفية حسابات مع الصحفيين ردا على الإهانات التي تعرضوا لها خلال ثورة يناير/كانون الثاني، مضيفا أن "هؤلاء تولوا نيابة عن النظام تصفيه الحسابات مع الصحفيين وإسكاتهم".

كل ذلك واكبه -من وجهة نظر صبري- انخفاض حاد في موارد المؤسسات الصحفية، وهو ما أنتج الحالة المزرية وحالة العوز غير المسبوقة التي يعيشها الصحفيون في مصر، على حد قوله.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

إعلان