من جنين إلى نابلس كتيبة تلو أخرى.. هل ينسحب نموذج "سرايا القدس" على مقاومة الضفة؟

عناصر من سرايا القدس (الفرنسية-أرشيف)

نابلس- بنص بيان "عسكري" يحمل شعارها الخاص أعلنت سرايا القدس (الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين) انطلاق كتيبتها الجديدة في مدينة نابلس كبرى مدن شمال الضفة الغربية تحت اسم كتيبة "نابلس-سرايا القدس"، وأرفقت بيانها بتبنّيها نشاطا مقاوما نفذته الكتيبة خلال اقتحام الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين الليلة الماضية لمنطقة قبر يوسف شرق المدينة.

على غرار كتيبة جنين التي ظهرت للعلن بعد فرار 6 من الأسرى (5 منهم من الجهاد الإسلامي وواحد من كتائب شهداء الأقصى المحسوبة على حركة فتح) من سجن جلبوع مطلع سبتمبر/أيلول عام2021 (أسرى نفق الحرية) جاءت كتيبة نابلس.

وقبل نابلس ساد حديث إعلامي يقول إن "كتيبة طولكرم" في طور الإعداد، في حين تبنّت "كتيبة بيت لحم" عملا عسكريا مزدوجا ضد "قبة راحيل" و"حاجز الأنفاق 300″ برشقات من الرصاص والانسحاب بسلام؛ كأن حركة الجهاد مع جناحها المسلح تنظم عملها ومقاومتها ضد الاحتلال بالضفة الغربية، وهو ما يفعله مسلحون من فصائل أخرى وإن بشكل غير منظم.

وبالعودة لنص بيان كتيبة "نابلس-سرايا القدس" يظهر العمل المنظم بشكل أكبر؛ إذ يسرد تفاصيل الإعداد والتصدي لجيش الاحتلال عبر "4 من مجاهدي السرايا نصبوا كمينا مساء الثلاثاء لقوات الاحتلال والمستوطنين الذين اقتحموا قبر يوسف".

سرا وعلنا

حدد البيان آلية نصب الكمين بما لا يثير الاستغراب حول الثقة التي يتحدثون بها، وذكر أن اثنين من المقاومين اعتلوا أسطح أحد البنايات القريبة من القبر بعدما أحدثوا فتحات في أسوار السطح.

في حين تمركز اثنان آخران بين الأشجار في الجهة المقابلة قبل الاقتحام بساعات، وانتظروا وقت اطمئنان جنود الاحتلال، "وأمطروهم بزخات الرصاص من مسافة قريبة جدا، وأوقعوا فيهم الإصابات المحققة قبل أن ينسحب مقاتلونا من المكان بسلام".

وواصل مسلّحو الكتيبة نشاطهم، فخرج بعضهم وهم يتوشحون عصائب "سرايا القدس" ويحملون بنادقهم خلال تشييع الشهيد الطفل غيث يامين بمدينة نابلس ظهر اليوم.

وفي أكثر من استعراض عسكري مصور نظمته كتيبة سرايا القدس بمدينة جنين ظهر إلى جانبها مسلحون من فصائل أخرى توعدت إسرائيل وجنودها، وقالت إنهم "سيرون ما هو غير متوقع حال اقتحامهم مخيم جنين"، بل ذهبت لتشكل غرفة عمليات مشتركة وصارت تشن هجماتها متنقلة بين موقع وآخر.

وهذا الخروج العلني في نابلس التي خلت إلا من القليل من مناصري حركة الجهاد الإسلامي تاريخيا يوحي بعمل مشترك بينها وكتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح والتي عرفت أيضا بـ"كتيبة نابلس"؛ بدأت ملامحه تظهر بعد اغتيال الشهداء الثلاثة في المدينة في فبراير/شباط الماضي.

بل ذهبت تقديرات من سياسيين ومحللين إلى أن هؤلاء المسلحين (الشهداء الثلاثة) الذين كانوا بزيارة قبل أيام لمدينة جنين كانوا يخططون لهذا العمل المشترك، وهو ما اتهمتهم به إسرائيل أيضا، وقالت إنهم أطلقوا النار تجاه نقاط عسكرية لها بمناطق مختلفة من أنحاء المدينة.

الخيار القادم

وكل ذلك سيؤسس برأي الشيخ بسام السعدي -القيادي بحركة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية- "لانتفاضة ومواجهة تتصاعد" أشعل فتيلها الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنوه ضد الشعب الفلسطيني ومقدساته، ومن ثم سيدافع الشعب عن نفسه.

وأوضح السعدي -في تصريح خاص للجزيرة نت- أن الضغوط التي يتعرض لها الفلسطينيون على أيدي الاحتلال "تسهم بإعادة تعريف وحدة الموقف على الرغم من بعدنا عن هؤلاء المسلحين من حيث التنظيم والتمويل".

وتابع السعدي الذي اعتقل مرارا لدى الاحتلال بالقول إن كل ما يحدث على الأرض يُمهِّد لردة فعل شاملة لدى المقاومة ولا تقتصر على فصيل أو شكل بعينه أو حتى جهة سياسية، في إشارة إلى تحرك السلطة الفلسطينية رفضا لتهويد القدس وضم بالأغوار.

وبمقارنة بين ما يحدث الآن وما كان قبل 20 عاما عندما اندلعت انتفاضة الأقصى التي سرعان ما تحولت إلى عمل مسلح؛ يقول السعدي "اليوم أقوى معنويا وعلى الأرض"، وأكد أن الكل يتداعى لحماية القدس من أي خطر، وهذا يجسده "محور المقاومة" فلسطينيا وعربيا وإسلاميا.

ولذلك يتوقع السعدي أن عمل المقاومة سينسحب محليا على بقية المدن الفلسطينية، ويقول إن التوقعات تشير إلى تمدد هذه الكتائب لبقية مدن الضفة الغربية لتشمل كل الفصائل، بل ربما تحدث حالة "تنسيق وانسجام وعمل مشترك بين هذه الفصائل" لا سيما إذا ما اتفقت على منهج واحد يؤدي إلى مشهد الانتصار كالذي عاشه مخيم جنين قبل 20 عاما خلال اجتياحه.

ويتفق مهدي أبو غزالة القائد السابق لكتائب شهداء الأقصى بنابلس مع ما ذهب إليه القيادي السعدي في أن تصعيد الاحتلال وهجمته الشرسة ضد الفلسطينيين وتبنّي ذلك سياسيا من الحكومات الإسرائيلية يكفي لجعل هذا الجيل ينطوي تحت أي فصيل مقاوم.

ورغم اعتقاده بأن الخلايا الموجودة على الأرض "فردية"، فإن أبو غزالة أكد -للجزيرة نت- أن الاعتداءات المتكررة خاصة التي يشنها المستوطنون "ستخلق حالة من التنسيق بين الفصائل المختلفة".

تخوّف إسرائيل

يخشى الاحتلال من مثل هذه الخلايا المسلحة بغض النظر عن مسمياتها ضمن "كتيبة جنين أو نابلس"، أو انخراطها تحت أي فصيل مسلح، لا سيما أن تداعيات الانتفاضة الثانية وما يجري في غزة ساعد على بقاء هذه المسميات حاضرة في وجدان الشباب الفلسطيني، كما يقول ياسر مناع الباحث الفلسطيني بالشأن الإسرائيلي للجزيرة نت.

كما أن هذه المسميات ليست المقصودة بجوهرها وإنما وجدت بفعل غياب الحضور الفصائلي الحقيقي، ولهذا توحدت في الميدان وأسقطت تجربة "غرفة العمليات المشتركة" بغزة على أرض الواقع بالضفة، بل قد تتفق بالمواقف السياسية المتعلقة بالمقاومة ميدانيا.

وهذه الوحدة وانسحاب المقاومة على بقية مدن الضفة حتى إن كانت فردية أمر تخشاه إسرائيل، فأي مطارد -في رأي مناع- ربما يخلق نواة لأي عمل مسلح ويجذب الشباب خاصة، وذلك جعل إسرائيل تتعامل مع ما يحدث في جنين بنوع من العمليات المركزة والسريعة بعيدا عن الاغتيالات التي تزيد حافز الشبان للانخراط في المقاومة والتسلح.

ورغم عدم توقعه لانتفاضة واسعة في الوقت الحالي فإن مناع أكد أن الأحداث تتراكم وستصل إلى نقطة الانفجار، وأن "أي عمل مسلح سيكون البداية لمواجهة قادمة".

المصدر : الجزيرة