لن تديرها وزارات الدفاع.. كيف يستعد الجيش الأميركي لحروب المستقبل؟

مع عدم اليقين بشأن طريقة إنهاء الحرب الأوكرانية، أو مستقبل الحكم في روسيا، ومع سعي دول أوروبية كألمانيا للاستثمار في نظمها التسليحية والدفاعية، أصبح أمام الخبراء العسكريين الكثير من العوامل الواجب أخذها في حساباتهم الجديدة عند التخطيط لحروب المستقبل.

رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي مع وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في الخلف (الأوروبية)

واشنطن- لا تخلو إستراتيجيات الأمن القومي التي تصدرها الإدارات الأميركية المتعاقبة من التركيز على التهديدات المستقبلية التي تعترض استمرار ريادة وهيمنة الولايات المتحدة العالمية اقتصاديا وعسكريا في المستقبل.

ويجيء التحدي الصيني على رأس هذه التهديدات بما حققته بكين من تقدم سريع وغير مسبوق في مجالات عدة، منها الذكاء الاصطناعي أو تصميم الروبوتات التي تقوم بالكثير من المهام البشرية وغير البشرية، خاصة العسكرية.

من هنا، طلب رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي من دُفعة الضباط المتخرجين حديثا من أكاديمية ويست بوينت العسكرية أن يكونوا مستعدين لخوض حروب مستقبلية لا تشبه حروب اليوم، مؤكدا أن السنوات الـ25 المقبلة لن تكون مثل سابقاتها.

ورسم ميلي صورة قاتمة لعالم أكثر اضطرابا مع وجود قوى عظمى منافسة عازمة على تغيير النظام العالمي وقواعده المستقرة.

FILE - In this Oct. 9, 2012 file photo, U.S. Marines fix their tents as they arrive at Crow Valley, Tarlac province in northern Philippines, to take part in the joint U.S.-Philippines amphibious landing exercise, dubbed PHIBLEX 2013. Filipino officials and a confidential government document say that the United States and the Philippines on Sunday, April 27, 2014 reached a 10-year pact that will allow a larger American military presence in the country. It will give U.S. troops temporary access to local military camps where they can preposition fighter jets and warships. (AP Photo/Bullit Marquez, File)
قوات من البحرية الأميركية في تمرين هبوط برمائي مشترك مع نظيرتها الفلبينية (أسوشيتد برس)

طبيعة الحروب المستقبلية

على عكس معارك اليوم، لن تُدار حروب المستقبل عن طريق وزارات الدفاع ولا هيئات الأركان ولا القيادات العسكرية التقليدية، بل سيديرها رؤساء شركات ومطورو برامج ومديرون تنفيذيون، وستتركز على إدارة المعلومات وبراءات الاختراعات والسيطرة على الساحة التكنولوجية العالمية في مستوياتها المختلفة.

وحروب المستقبل التي بدأت صامتة بالفعل بين الغريمين الكبيرين تركز على جذب العقول والأفكار والابتكارات، والنفاذ لتوفير خدمات إستراتيجية في بقية دول العالم.

من هنا، رسم الجنرال ميلي صورة قاتمة لعالم أصبح أكثر اضطرابا، وقال للطلاب -المتخرجين من أهم وأفضل الأكاديميات العسكرية الأميركية- إنهم سيتحملون مسؤولية التأكد من أن أميركا مستعدة لمواجهة هذا المستقبل. مع التغير الذي سيشهده طابع الحرب وأسلحتها في العقود الثلاثة المقبلة.

إعلان

وأشار ميلي إلى أن الجيش الأميركي لا يمكنه التشبّث بالمفاهيم والأسلحة القديمة، وعليه تحديث وتطوير القوة والمعدات التي يمكن أن تردع أو تحقق النصر في صراع عالمي إذا لزم الأمر. وقال إنه سيتعين على الضباط المتخرجين تغيير الطريقة التي تفكّر بها القوات الأميركية، وكيف تتدرب، وكيف تقاتل.

وأكد الجنرال ميلي أن ضباط وجنود الجيش الأميركي سيقاتلون غدا عن طريق الدبابات والسفن والطائرات الروبوتية، كما أنهم سيعتمدون على الذكاء الاصطناعي والوقود الاصطناعي والأجهزة المصنعة بتقنيات "ثلاثية الأبعاد" (3D) والهندسة البشرية، والروبوتات المقاتلة.

ورأى ميلي أن التطور في مجال الذكاء الاصطناعي بجوانبه العسكرية "هو التغيير الأكثر عمقا على الإطلاق في تاريخ البشرية"، و"مهما كانت المميزات التي تمتعت بها الولايات المتحدة عسكريا على مدى الـ70 سنة الماضية، فإنها تواجه بالفعل تحديات في كل مجال من مجالات الحرب في الفضاء والفضاء السيبراني والجو والبحر، وبالطبع في ساحات القتال الأرضية".

وفيما يتعلق بالدروس المستفادة من حرب أوكرانيا الجارية، قال ميلي إن الحرب المستقبلية ستكون معقدة للغاية، مع أعداء مراوغين وحرب مدن بما يتطلبه ذلك من أسلحة دقيقة بعيدة المدى، وتقنيات متقدمة جديدة.

عناصر إنقاذ يعملون في موقع تعرض لهجوم صاروخي في مدينة أوديسا الساحلية جنوبي أوكرانيا (الأوروبية)

ما المطلوب للاستعداد لهذه الحروب؟

مع عدم اليقين بشأن طريقة إنهاء الحرب الأوكرانية الجارية، أو مستقبل نظام الحكم داخل روسيا، ومع سعي دول أوروبية كألمانيا للاستثمار في نظمها التسليحية والدفاعية، أصبح أمام الخبراء العسكريين الكثير من العوامل الواجب أخذها في حساباتهم الجديدة عند التخطيط لحروب المستقبل.

يضاف إلى ذلك أن أميركا لم تعد القوة العالمية بلا منازع، إذ يؤكد رئيس هيئة الأركان المشتركة أنه -بدلا من ذلك- يتم اختبار قدرة أميركا اليوم في أوروبا بواسطة الحرب الروسية على أوكرانيا، وفي آسيا من خلال النمو الاقتصادي والعسكري الهائل للصين، فضلا عن التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، وفي الشرق الأوسط وأفريقيا من خلال عدم الاستقرار "من قبل الإرهابيين".

إعلان

وأشار ميلي -في حديثه للضباط الجدد- إلى أن "المستقبل الذي سيتم تكليفك بمواجهته هو مستقبل قد يشهد نشوب صراع دولي كبير بين القوى العظمى، في وقت تتقارب فيه الإمكانيات والقدرات العسكرية بينها. ومهما كان حجم الريادة الأميركية، فالفجوة بيننا وبين خصومنا تقل".

وأقر ميلي بأنه، في الوقت الحالي، يحدث تغيير جوهري في طبيعة الحرب ذاتها، فيقول "نحن نواجه الآن قوتين عالميتين، الصين وروسيا، لكل منهما قدرات عسكرية كبيرة، وكلتاهما تنوي تماما تغيير النظام الحالي القائم على القواعد القديمة".

وقال إن الهجوم الروسي على أوكرانيا يعلّم العالم أن "العدوان الذي يترك من دون رد لا يؤدي إلا إلى تشجيع المعتدي".

ولفت ميلي إلى أن تكنولوجيا الأسلحة ستتغير أيضا بشكل كبير في العقود المقبلة، وسيكون التحول جذريا مثل التغيير من السيف إلى البندقية، أو من البندقية إلى المدفع الرشاش، مشيرا إلى أن التفوق التكنولوجي التلقائي في صالح أميركا لن يستمر طويلا.

إلا أن الجنرال أكد للضباط المتخرجين الجدد أن "جيلكم هو الذي سيحمل العبء ويتحمل مسؤولية الحفاظ على السلام بمنع اندلاع حرب بين القوى العظمى".

المصدر : الجزيرة

إعلان