بعد شطبها من لائحة الإرهاب الأميركية.. تساؤلات حول مستقبل الجماعة الإسلامية بمصر؟

طارق الزمر (يمين) وعبود الزمر لدى إطلاق سراحهما من السجن في مارس/آذار 2011 (الفرنسية-أرشيف)

القاهرة- بعد ربع قرن من الإدراج على لائحة الإرهاب، أعلنت الخارجية الأميركية شطب الجماعة الإسلامية في مصر من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، وهو ما يطرح تساؤلات عن رؤية القاهرة لقرار واشنطن، وهل يساهم في أن تستعيد الجماعة المدرجة على قوائم الإرهاب بمصر بوصلتها الحركية والسياسية؟

وقبل عامين، أعلنت السلطات المصرية حل حزب البناء والتنمية الذراع السياسية للجماعة وأدرجتها على قوائم الإرهاب، مما دفع قيادات الجماعة الإسلامية إلى طرح أفكار نحو تأسيس حزب سياسي بمسمى جديد، دون أي إجراءات جادة بهذا الصدد حتى الآن.

ورسميا، لم تعلن القاهرة موقفا تجاه القرار الأميركي، غير أن إعلاميين مقربين من النظام وصفوه بالمؤامرة والمناورة على مصر، واعتبروا  أن واشنطن تفتح بابًا لتمويل الإرهاب ستدفع ثمنه لاحقًا، على حد تعبير العديد منهم.

في المقابل، عدَّ قيادي بارز بالجماعة الإسلامية القرار الأميركي إحدى ثمار المراجعات التي أجرتها قبل 20 سنة وأفضت إلى وقف العنف في مصر، مطالبا برد اعتبار الجماعة، في حين اتفق خبيران معنيان على أن وضع الجماعة في مصر مرهون بإصلاح سياسي شامل، وحدوث انفراجة مع تيارات الإسلام السياسي عموما.

إعلان

قرار مفاجئ

كان قرار الخارجية الأميركية، الجمعة، شطب الجماعة الإسلامية بجانب 5 منظمات أجنبية و6 أفراد متوفين من قائمتها للإرهاب مفاجئا للبعض، وإن كانت الوزارة قد أشارت إلى أن هذه المنظمات "ستظل مصنَّفة ككيانات إرهابية عالمية تصنيفا خاصا".

وفي بيان لها قالت الخارجية الأميركية إنها تحتفظ بهذه التصنيفات الخاصة بالإرهاب العالمي لعدد من الأسباب، من بينها "دعم إجراءات إنفاذ القانون أو ضمان عدم الإفراج عن الأصول المجمدة للأفراد الإرهابيين النشطين".

وعزت الوزارة شطب الجماعات المذكورة من اللائحة، إلى أسباب متمثلة في:

  • عدم انخراطها في الإرهاب أو النشاط الإرهابي.
  • عدم احتفاظها بالقدرة والنية على القيام بذلك.
  • اعتراف بالنجاح الذي حققته كل من مصر ودول أخرى في نزع فتيل خطر الإرهاب من خلال هذه المجموعات.

من الصدام إلى السياسة

تأسست الجماعة الإسلامية سبعينيات القرن الماضي، ومرت بـ 3 مراحل تاريخية متباينة:

مرحلة الصدام (من التأسيس حتى عام 1997)

  • في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي خاضت الجماعة صدامات عنيفة ضد الدولة.
  • أشهر عملياتها كانت اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981، من قبل ضباط جيش ينتمون لها خلال عرض عسكري.
  • آنذاك، نسب إليها الإعداد لخطة الاستيلاء على الحكم.
  • آخر العمليات الكبرى كانت حادث الدير البحري بمحافظة الأقصر عام 1997 والذي راح ضحيته عشرات الأجانب والمصريين.
  • بعد هذا الحادث أعلنت الجماعة -عبر قادتها من داخل السجون- مبادرة وقف العنف ومراجعات فكرية لنهجها وأعضائها.
  • في العام ذاته أدرجت واشنطن الجماعة الإسلامية على لائحة الإرهاب.

مرحلة الهدنة (من 1997-2011)

  • مع نبذ الجماعة العنف، والمضي فعليا في مناقشات ومبادرات السجون، خرج العديد من أعضائها من السجون تدريجيا.
  • بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، نددت الجماعة بالحادث الإرهابي الذي نفذه تنظيم القاعدة واستهدف برجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، وأكدت عدم مشروعية استهداف المدنيين.
  • وفيما بدا تحولا فكريا كاملا، أقدمت الجماعة على انتقاد تنظيم القاعدة.
إعلان

مرحلة الثورة والسياسة

  • بعد الإطاحة بالرئيس الراحل حسني مبارك في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، برزت الجماعة كلاعب سياسي يتنافس على دور في تشكيل النظام الجديد في مصر.
  • بعد أسابيع من الإطاحة بمبارك، أصدر المجلس العسكري الحاكم قرارا بالإفراج عن العشرات من قيادات الجماعة، بينهم متهمون بالمشاركة في اغتيال السادات.
  • بعد عقود من العمل السري، دشنت الجماعة حزب البناء والتنمية، وكان ضمن الأحزاب التي دخلت أول برلمان بعد الثورة.
  • رفضت الجماعة الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي صيف 2013 حين كان الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع وقاد تدخل الجيش لتعطيل الدستور وعزل الرئيس المنتخب.
  • انضمت إلى "تحالف دعم الشرعية" المناهض للانقلاب العسكري، قبل انسحابها منه بعد سنوات، وتبنت مبادرات لمصالحة سياسية لكنها لم تحدث اختراقا.
  • عام 2020 أدرجت القاهرة الجماعة على قائمة الإرهاب، وحلت حزب البناء والتنمية، إثر انتخاب طارق الزمر رئيسا له، علما بأنه استقال لاحقا في محاولة لتجنب حل الحزب دون جدوى.
  • تخوض الجماعة مناقشات داخلية لإنشاء حزب سياسي جديد، لـ "تلافي الأخطاء الفردية السابقة".
  • بعد 25 عاما أعلنت واشنطن، الجمعة الماضية، أن الجماعة الإسلامية لم تعد ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية، وهو ما اعتبرته نجاحا لمصر في نزع فتيل خطرها.

ماذا تنتظر الجماعة؟

عن رؤيته للقرار الأميركي، قال الرئيس السابق لحزب البناء والتنمية (منحل) والقيادي بالجماعة الإسلامية، طارق الزمر، إنه "ثمرة من ثمار المراجعات التي نبذت العنف منذ 1997، وأثبتت مصداقية الجماعة".

وفي تصريحات للجزيرة نت، عزا الزمر تأخر القرار، قرابة ربع قرن، إلى ظروف الحرب على الإرهاب السنوات العشرين الماضية، والتي وضعت نهايتها بتغيرات دولية كبرى، لتدشين حقبة جديدة لن يكون التيار الإسلامي هو الخصم الأول فيها، على حد قوله.

إعلان

واستبعد الزمر تفسيرات مراقبين مصريين بأن القرار الأميركي يأتي في سياق استغلال غربي للجماعة في الحرب الأوكرانية، مشددا على أن "اشتعال الصراع مع روسيا يعد أحد المحفزات لتأمين الجبهة الاسلامية، وحرب عالمية مثل التي تجري الآن لا يهمها الاستعانة بمجموعات إسلامية مدنية بالأساس لخوض حروب نيابة عنها أو بالوكالة".

كما استنكر الهجوم الإعلامي المصري على القرار الأميركي، قائلا "النظام المصري الذي كان يباهي العالم بتجربة مراجعات الجماعة أصبح يتنكر لها ويشكك فيها، بينما كان يستند عليها في مواجهة الانتقادات الأميركية بعد أحداث سبتمبر (أيلول) 2001، حيث كانت ترى النظام المصري أهم مفرخ ومنتج للإرهاب في العالم".

وأوضح الزمر أنه "ينتظر أن تراجع مصر موقفها وتعيد الاعتبار للجماعة الاسلامية ومراجعاتها ورفعها من قوائم الإرهاب".

وأشار إلى إمكانية عودة الجماعة للعمل السياسي عبر تدشين حزب جديد قائلا "من الطبيعي أن يفكر قادة الحزب الذي تم حظره -دون أي مبرر سياسي أو مسوغ قانوني- في أن يكون لهم طموح في رد مظالمهم".

وحول إمكانية نجاح الجماعة في أن تكون همزة وصل بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، أكد الزمر أن الجماعة "تتمنى لمصر الخروج من كل أزماتها، التي تتطلب انفراجة سياسية كبرى تشمل الإخوان وكل السياسيين والإفراج عن المعتقلين ووقف أحكام الإعدام".

اعتبارات أميركية

المحلل السياسي المصري مختار غباشي، نائب رئيس مركز الفارابي للدراسات (مصري/خاص) عزا القرار الأميركي لاعتبارات سياسية كبيرة، أبرزها أن مثل هذه الجماعات تمثل بعض أنظمة الحكم في بعض الدول ولها كتل اقتصادية كبيرة في العالم الغربي.

إعلان

وفي حديث للجزيرة نت، قال غباشي إن أمر الجماعة الإسلامية له اعتبارات سياسية في المقام الأول، متوقعا أن يثير القرار غضب القاهرة، لكن خصوصية العلاقة بين الجانبين لن تدفع مصر بأن يكون لها موقف كبير، خاصة وأن القاهرة كانت تأمل من واشنطن إدراج الإخوان على قوائم الإرهاب، لكن لم يحدث ذلك في العالم الغربي عموما.

وحول تأثير القرار على إمكانية عودة الجماعة للعمل في مصر، أشار غباشي إلى خصوصية الداخل المصري، في ظل التطاحن بين الدولة وتيار الإسلام السياسي بمجمله، والمواقف والإجراءات القانونية الشديدة المتخذة ضدها.

وربط حدوث ذلك بإصلاح سياسي كامل، متوقعا ألا يمر ذلك بسهولة لصعوبة تقبل الدولة مبادرات الجماعة الإسلامية للمصالحة أو المشاركة في الحوار السياسي.

ولم يستبعد غباشي تدشين الجماعة حزبا سياسيا جديدا، وإن كان الرد الرسمي تجاه ذلك يبقى غامضا، بالقياس في تجربة تجميد أحزاب سلفية كانت داعمة للإخوان دون حلها قضائيا، إضافة إلى خصوصية حزب النور باعتباره حزبا سلفيا وإن كان مؤيدًا للنظام، وفق قوله.

رهانات العودة

متفقا مع الرأي السابق، ذهب المتخصص في الجماعات الإسلامية مصطفى زهران إلى القول إن مسألة الجماعة الإسلامية تتعلق بالسياق المحلي المصري، مشيرا إلى "نجاح ذي شقين" تحقق قبل عام 2011 حيث تمثل الأول في تعامل الدولة مع الجماعة الإسلامية واحتضانها، والثاني في مصداقية المراجعات الفكرية للجماعة.

وفي تصريحات للجزيرة نت، عزا زهران أسباب القرار الأميركي إلى دور قيادات الجماعة في ترشيد الحركة الإسلامية، وإن كان لديها العديد من الأخطاء كبقية الجماعات، لكنها تتفوق على غيرها في فهم العمل السياسي والطرح الحقيقي لفكرة نبذ العنف، وربما كان ذلك المعول الرئيسي الذي انتهت إليها أميركا بتقريرها الأخير.

أما مسألة العمل السياسي في مصر، فيرى زهران أنها مرتبطة بقدر كبير بطقس سياسي وقبول مجتمعي، مضيفا أنه في السنوات الأخيرة لا المجتمع لديه قبول لعودة الإسلام السياسي، ولا المناخ السياسي قابل لعودة الإسلاميين.

إعلان

وأضاف أن فرص الجماعة في الوجود والحركة سيكون في الإطار العالمي على الورق كتوقف الملاحقات الأمنية الدولية، مستبعدا أن يكون للجماعة دور في مصر السنوات الحالية، حيث سيبقى ذلك مرهونا بحدوث انفراجة في التعامل مع تيار الإسلام السياسي عموما والإخوان خاصة، بما سينعكس على الجماعة الإسلامية.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

إعلان