بيت دجن الفلسطينية تخوض "معركة الريف" أمام "كوكي" ومثيلاتها

يعتقد القائمون على فعالياتها أن نضال بيت دجن والقرى بالضفة الغربية سيعزز من "معركة الريف" المتوقع تصاعدها في مواجهة الزحف الاستيطاني على أراضي الفلسطينيين

إحدى مسيرات المقاومة الشعبية في بيت دجن شرقي نابلس (الجزيرة)

نابلس- بعد عام من إصابته لا تزال شظايا رصاصة اخترقت جسد الشاب فاروق عبيسي بعد أن أطلقها عليه جنود الاحتلال الإسرائيلي تستقر في رجله، تؤلمه، لكنها لم تكسره أو تثنيه عن مقاومة الاستيطان على أرضه.

في قريته بيت دجن شرقي مدينة نابلس بالضفة الغربية، ينخرط عبيسي بمقاومتها الشعبية الممتدة منذ عامين تقريبا، حيث ينظم الأهالي مسيرة سلمية أسبوعية هدفها التصدي لأطماع الاحتلال ومستوطنيه المتصاعدة هناك والتي كان آخرها إقامة بؤرة "كوكي" الاستيطانية (البؤرة نواة لمستوطنة).

وقبل ذلك أصيب عبيسي (36 عاما) مرتين بالرصاص المطاطي، ولم يوقف مقاومته وعمل برفقة آخرين على تطويرها وديمومتها ولا سيما أن المستوطن "كوكي" الذي سمّيت باسمه البؤرة الاستيطانية، استفرد بالمنطقة الشرقية للقرية وواصل اعتداءاته ضد السكان والأرض معا.

قبل يوم من انطلاق إحدى فعاليات بيت دجن، التقينا عبيسي وكان يستعد للمسيرة التي تزامنت مع ذكرى النكبة الـ74 واغتيال الصحفية شيرين أبو عاقلة. ويختار الأهالي عادة وصفا واسما للنشاط يتناسب والحدث "لجعله أكثر نشاطا وحضورا شعبيا وإعلاميا" يقول عبيسي للجزيرة نت.

ويتسلّح عبيسي كغيره من أهالي القرية التي قدمت شهيدا وعشرات المصابين في حراكها السلمي الأخير، بحقهم بأرضهم وحبهم لها منعا للتغول الاستيطاني المستمر عليها.

بيوت متنقلة وضعت كأساس لبؤرة كوكي الاستيطانية التي حاصرت وعزل نصف أراضي القرية (الجزيرة)

"بؤرة كوكي".. الاستيطان الأخطر

وتكاد بيت دجن تنهي عامها الثاني بمقاومتها الشعبية، لتلحق وعبر مسيرة تنطلق كل يوم جمعة من وسط القرية تجاه المناطق التي يستهدفها الاستيطان بركب قرى بلعين وكفر قدوم وبيتا وغيرها من تجمعات الريف الفلسطينية في التصدي للاحتلال وسياساته الاستيطانية.

تصاعدت مقاومة بيت دجن مع إقامة "بؤرة كوكي" التي تحمل اسم المستوطن الذي شيدها بحماية جيش الاحتلال ودعمه ليعزل بذلك نحو 25 ألف دونم (الدونم يساوي ألف متر مربع) من أراضي القرية المقدرة بأكثر من 40 ألف دونم، ويحرم أكثر من 4 آلاف نسمة هم سكانها من الوصول إليها والانتفاع بها.

وقبل أيام فقط من تشييد "بؤرة كوكي" كان أهالي بيت دجن يزورون أرضهم ويتنزهون بها، فهي وبحكم موقعها الجغرافي تُعد مُتنفسهم الوحيد بعد أن حاصر الاحتلال القرية وأغلق مدخلها الرئيس قبل 20 عاما وحظر البناء بمعظم أراضيها.

وتشرف بيت دجن على الأغوار الفلسطينية ومدن طوباس وأريحا، ومنها تُرى جبال الأردن شرقا وجبل الشيخ وسوريا شمالا. وتُعد حارسة قرى شرق نابلس، وهنا "تكمن خطورة الاستيطان الجديد" يقول محمد أبو ثابت الناشط في توثيق الاستيطان ببيت دجن.

ويضيف أبو ثابت للجزيرة نت "عزلت هذه البؤرة المنطقة الشرقية للقرية كلها وأغلقت الطرق المؤدية إليها، وبدأت تزحف فوق أراضي المواطنين بمناطق "ب" الخاضعة للسيطرة الفلسطينية إداريا وتزاحمهم فيها".

البؤر الاستيطانية تعلو الجبال المحيطة بقرية بيت دجن وتصادر مساحات واسعة في محيطها (الجزيرة)

وعبر حافلة متنقلة ومهترئة، بدأت بؤرة كوكي، كما يوضح أبو ثابت الذي وصل للمكان بنفسه ودعا المستوطنَ وجيشَ الاحتلال لإزالتها قبل أن تطالها شرارة المقاومة، فرد جنود الاحتلال بأنها غير قانونية وأنها ستُزال، وفعلا أزيلت 3 مرات، لكن المستوطن "كوكي" كان يعيدها بنفس الليلة.

جلب المستوطن قطيعا من الأبقار ليعزز وجود مستوطنته التي يقطنها وأسرته ومستوطنون آخرون يعرفون بـ"رعاة الجبال"، وهم من التيارات اليهودية المتطرفة، ويستخدمون الرعي للتوسع أكثر وتهويد الأرض بشكل أسرع.

ويحظى "كوكي"، وفق أبو ثابت بدعم من جهات إسرائيلية رسمية متنفذة مكّنته من ربط بؤرته ببؤر استيطانية محيطة ووصلها بخدمات البنية التحتية من شق الطرق وتوفير الماء والكهرباء لها.

بالإضافة إلى هذه، تمتد مستوطنات "الحمرا" و"ميخورا" على أراضي بيت دجن وتحيطها مستوطنتا "إيتمار" و"ألون موريه"، و8 بؤر استيطانية منها "إسكالي" و"كوبي" فضلا عن معسكر للجيش الإسرائيلي، وكلها تعزل مجتمعة نحو 10 آلاف دونم من أراضي القرية. وجاءت بؤرة "كوكي" لتعزل وحدها 25 ألف دونم منها 500 تجثم فوقها بشكل مباشر.

ركائز تقوي نضالها

ولبيت دجن خصوصية في مقاومتها الشعبية ميّزتها عن قرى كثيرة تشبهها، فهي توحدت خلف لجنة شعبية واحدة وتحت راية العلم الفلسطيني واستمرت المسيرات فيها بمشاركة كل الأهالي.

وترتكز مقاومتها، حسب الأهالي، على 4 دعائم تزيدها قوة؛ أولاها عدم القبول بفكرة الاستيطان ورفضه عبر أكثر من وسيلة، منها التظاهر الأسبوعي وما بات يُعرف بفعاليات "الإرباك الليلي".

ثم التوجه لخلق حالة تنموية عبر مشاريع زراعية كشق الطرق وزراعة أكثر من 10 آلاف شجرة بالمناطق المستهدفة بالاستيطان، إضافة لتشييد ملعب رياضي، وتوصيل خدمات الماء والكهرباء للمناطق المهددة.

واعتمدت الركيزة الثالثة على تعزيز ثقافة التمسك بالأرض ورفض التخلي عنها لدى المواطنين أنفسهم، وذلك بتنظيم مسارات جماعية مشيا على الأقدام إليها، ثم تشجيع الاستثمارات بالمناطق المستهدفة ومحيطها لا سيما مناطق "ب".

ورابعا لجأ أهالي بيت دجن للجانب القانوني وذلك بتقديم شكاوى ضد احتلال أراضيهم، والتأكيد على أن "بؤرة كوكي" غير قانونية كما غيرها العشرات.

وهذه البؤر وعددها 37 بؤرة استيطانية رعوية تمتد على طول الأغوار الفلسطينية من الشمال إلى الجنوب تريد عبرها إسرائيل وفق نصر أبو جيش منسق لجنة المقاومة الشعبية في بيت دجن من "عزل ومصادرة عشرات آلاف الدونمات لتطبيق خطة الضم والتوسع التي أعلنتها سابقا".

منسق لجنة المقاومة الشعبية في بيت دجن نصر أبو جيش: المعركة المقبلة ستكون في الريف الفلسطيني (الجزيرة)

"معركة الريف"

ويقول أبو جيش للجزيرة نت إن المخاطر الاستيطانية تطورت من عزل الأرض ومصادرتها لهدم منازل المواطنين، كما حصل قبل أسبوعين عندما هدم الاحتلال منزلين جاهزين للسكن بذريعة وقوعهما داخل "مناطق مخصصة لإطلاق النار".

وهذه ذرائع جديدة لم يسبق أن ادعاها الاحتلال بالرغم من أنه يخطر نحو 50 منزلا في القرية بالهدم، بل يتذرع بوقوعها بمناطق "ج" الخاضعة لسيطرته أمنيا وإداريا.

وبسبب سياسة منع السكن في مناطق واسعة منها، يتكدس البناء في وسط قرية بيت دجن وعلى شكل تجمعات في التلال القريبة.

وأمست المقاومة الشعبية، حسب أبو جيش، "ضرورة ملحة" في بيت دجن وغيرها من القرى الفلسطينية، ويجزم بأن مقاومتهم وضعت حدا للتمدد الاستيطاني.

ويرى أن "المعركة المقبلة ستكون في الريف الفلسطيني ومع المستوطنين الذين بدؤوا بإشعال فتيلها". وطالب المدن والمخيمات بتوفير الدعم المادي واللوجستي ليستمر نضال القرى السلمي أسبوعيا، وتعزيز إقامة الفعاليات الاجتماعية والموسمية على الأراضي المهددة دائما.

المصدر : الجزيرة

إعلان