ما الذي يعيق الصناعة الحربية في العراق؟
العراق أسس خلال تسعينيات القرن الماضي 5 معامل ضخمة لتصنيع المعدات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التي تشمل المدافع والقذائف والمسدسات والمعدات المختلفة.
بغداد- 3 عقود مضت وقطاع تصنيع الأسلحة في العراق عانى من الإهمال بعد قرار الحاكم المدني بول بريمر حل هيئة التصنيع العسكري عقب الغزو الأميركي للبلاد عام 2003، قبل أن يعود البرلمان العراقي ليصوت عام 2019 على قانون جديد لتشكيل هيئة التصنيع الحربي.
وتهدف هذه الهيئة إلى إعادة تأهيل مصانع الأسلحة المتوقفة لسد حاجة الأجهزة الأمنية من الأسلحة والمعدات، وبالفعل بدأت هذه الهيئة العمل بإجراء اتفاقيات تعاون إطارية دولية لتطوير الصناعات الدفاعية على وجه الخصوص، وبدأتها مع الجانب التركي لتأمين احتياج البلدين من المعدات العسكرية، مع إمكانية بيعها لطرف ثالث، كما تسلم العراق مؤخرا مصنعا لإنتاج المسدسات والرشاشات هو الأول من نوعه، الذي تتعاقد عليه الهيئة منذ عام 2003.
وفي نهاية عام 2021، عقد العراق مباحثات مع بولندا في وارسو تتعلق بآفاق الشراكة الإستراتيجية في مجال التصنيع الحربي بين البلدين، ونقل التكنولوجيا الحديثة، والعمل على تحديث المعدات العسكرية.
تعزيز القدرات العسكرية
وفي حديث خاص للجزيرة نت، قال رئيس هيئة التصنيع الحربي محمد صاحب الدراجي إن الاتفاقيات التي أبرمتها الهيئة لتطوير المعدات الدفاعية والعسكرية ستسهم في تفعيل ملف الصناعات الحربية في العراق الذي يعاني من الإهمال منذ 3 عقود، مشيرا إلى أن ممثلي شركات عالمية للنقل وخطوط الإنتاج سيزورون بغداد لمقابلة الخبراء العراقيين بهدف تعزيز التعاون وتبادل الخبرات الدفاعية.
ويؤكد الدراجي أن "المشاريع الجديدة للهيئة ستركز على إنتاج أنظمة الدفاع الجوي وتسليح قوات الجيش"، لافتا إلى أن المعدات التي تنتج حاليا تستخدم فيها التكنولوجيا الحديثة المستوردة من الخارج، مؤكدا أن زيادة معدل إنتاج التسليح سيسهم في خفض موازنة الاستيراد.
وأشار إلى أن معدل الصرف السنوي للسياسة الدفاعية في العراق ضمن الموازنة المالية للسنوات من 2015 إلى 2021 بلغ 5 مليارات دولار، وهو مبلغ يرهق خزينة الدولة لأنها تستورد نحو 96% من حاجة القوات الأمنية من الخارج.
وتمكنت الهيئة -وفقا للدراجي- من إعادة العمل في مجموعة من مصانعها الحربية التي كانت متوقفة، ومنها مصنع المدافع في مدينة الفلوجة (غرب بغداد)، وتأهيل معمل بدر والقعقاع ومصانع إنتاج القذائف، فضلا عن مشروع إنتاج "مسدس بابل وبندقية الرافدين"، والعمل على إنتاج الطائرات المسيرة من أجل استخدامها في المراقبة.
ويتابع الدراجي أن الإرادة السياسية لم تكن غائبة عن ملف التسليح العراقي، وإمكانية تطوير معامل الأسلحة، إذ عمدت بعض الأطراف على تعطيلها عدة سنوات، وهناك شخصيات وقيادات أمنية (لم يسمها) تختلق الذرائع للتحايل على القانون من أجل العودة إلى التعاقدات مع بلدان وتجار في الخارج وترك المنتج المحلي الذي يتمتع بمواصفات المعايير الدولية.
مصانع الهيئة
ويعد مصنع بدر -الذي تم تأهيله مؤخرا- أحد أبرز مصانع الهيئة، وتم تشغيل خطوطه الإنتاجية ليكون مختصا في إنتاج قذائف الهاون.
ويقول مدير المصنع رعد نوري -في حديث للجزيرة نت- "إن صناعاتهم تركز على إنتاج قنابر (قذائف) الهاون والأعتدة الخفيفة والمتوسطة، وبقدرة إنتاجية سنوية تبلغ 50 قطعة من الأعيرة النارية المختلفة".
وهناك أيضا مصنع الكرامة، وهو أحد المصانع الشهيرة في إنتاج الصواريخ خلال حقبة التسعينيات، وتم تأهيله مؤخرا، إلا أنه يركز حاليا على تصنيع القذائف الجوية، حسب المسؤولين فيه.
وعمدت هيئة التصنيع الحربي إلى إدخال بعض التقنيات الحديثة في الإنتاج لرفد المؤسسة العسكرية بأساليب مراقبة متطورة في السيطرة والمباغتة، ومن ذلك مشروع الكاميرات الحرارية والبطاريات في مصنع الكرامة.
ويكشف مدير مشروع الكاميرات الحرارية في المصنع علي سعيد عن "دعوات موجهة لشركات متخصصة في مجال الكاميرات الحرارية من أجل التعاون وفتح خطوط إنتاجية"، مؤكدا أن المصنع بدأ إنتاج المناظير وتزويد القوات المسلحة بها.
كما يوجد مصنع النهروان في العقود الماضية، ويختص في إنتاج صمامات قذائف الهاون والقذائف الجوية، وتم العمل مؤخرا على تأهيله من أجل أن يكون مختصا في صناعة الزوارق الحربية وتأهيل السفن والدبابات، حسب مدير المصنع هدير فوزي.
منتجات الهيئة
ويرى الخبير الأمني سرمد البياتي -في حديث خاص للجزيرة نت- أنه في حال نجح العراق في إعادة الصناعة الحربية إلى ما كانت عليه قبل عام 2003، فإن ذلك سيساعده على تعزيز قدراته العسكرية والقضاء على خلايا تنظيم الدولة الإسلامية بأسرع وقت.
وأضاف البياتي أن هناك مشاريع تصنيع معينة مثل قذائف الهاون والأعتدة، لكن المشكلة تكمن في التعاقد على شرائها لأن العديد من الدوائر والمؤسسات الأمنية لا تقدم على ذلك، وبالتالي ستكون مشاريع تصنيع الهيئة غير ذات جدوى.
وشدد على ضرورة أن تفرض الحكومة العراقية على القوات الأمنية والجيش شراء منتجات هيئة التصنيع الحربي لدعمها، فضلا عن توفير مبالغ كبيرة لميزانية الدولة.
وكان العراق أسس قبل عقود عدة معامل ضخمة لتصنيع الصواريخ والمعدات والأسلحة الثقيلة والمتوسطة والخفيفة التي تشمل المدافع والقذائف، لكن الضربات الجوية المتوالية التي تعرض لها البلد خلال حرب الخليج عام 1991 أدت إلى تدمير ترسانته الصاروخية، كما دمرت باقي ترسانته العسكرية ونهبت مصانعه الحربية بعد الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003.