فتح تحقيق بعد 6 أشهر من وفاته.. هل قُتل الشيخ معمر زوكرليتش مفتي إقليم السنجق الصربي؟

التقت الجزيرة نت أسامة زوكرليتش رئيس حزب العدالة والمصالحة ونجل الشيخ معمر زوكرليتش مفتي ورئيس المشيخة الإسلامية في إقليم السنجق الصربي، الذي توفي قبل 6 أشهر لكن يجري الآن تحقيق في ظروف وفاته لشبهة موته مقتولا. الحوار يتناول تفاصيل وفاة والده، والشكوك التي تدور حول مقتله.

الشيخ معمر زوكرليتش - الصحافة الصربية
الشيخ معمر زوكرليتش أحد أبرز القيادات المسلمة في البلقان ومفتي إقليم السنجق الصربي (الصحافة الصربية)

سراييفو – عادت قضية وفاة الشيخ معمر زوكرليتش، الذي يلقب بـ "المفتي" وأحد رموز المسلمين في البلقان إلى الواجهة بعد أن أصدرت عائلته مؤخرا بيانا أعلنت فيه عن شكوكها في أن يكون قد تعرض للقتل، عقب الإعلان عن وفاته في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بسبب تعرضه "لأزمة قلبية".

وقد قضى الشيخ زوكرليتش حياته دفاعا عن حقوق الأقلية المسلمة في دولة صربيا كلها، من خلال منصبه كمفتي ورئيس المشيخة الإسلامية في إقليم السنجق، وهو إقليم غالبية سكانه من البشناق المسلمين ومقسم بين صربيا والجبل الأسود (1993 – 2016)، أو عبر رئاسة حزب "العدالة والمصالحة" الذي أسسه، واقتحم به عالم السياسة، ونجح من خلاله في دخول البرلمان وليصبح نائبا لرئيس البرلمان الصربي.

ولد الشيخ زوكرليتش عام 1970 في مدينة توتين بصربيا، وأنهى دراسته الثانوية في مدرسة الغازي خسرو بك الثانوية الدينية في سراييفو بالبوسنة والهرسك، ثم سافر للجزائر وتخرج عام 1993 في قسم الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية جامعة الأمير عبد القادر في قسنطينة، ثم حصل على الماجستير من جامعة الجنان بطرابلس في لبنان.

وللشيخ معمر زوجتان و8 من الأولاد، 5 بنات و3 أبناء، أكبرهم هو أسامة، الذي تولى رئاسة حزب العدالة والمصالحة بعد وفاة والده، والذي ينظر إليه على أنه خليفة والده.

التقت الجزيرة نت أسامة زوكرليتش لتعرف كل التفاصيل حول وفاة والده، والشكوك التي تدور حول مقتله.

من قتل مفتي السنجق الشيخ معمر زوكورليتش؟ الشيخ معمر زوكورليتش هو من أبرز الشخصيات الإسلامية في منطقة البلقان كلها، شغل عدة مناصب دينية وسياسية مرموقة. توفي في نوفمبر 2021، وأعلن وقتها أن السبب هو صدمة قلبية، لكن العائلة أصدرت، مؤخرا، بيانا أعلنت فيه عن شكوكها أن يكون قد تعرض للقتل، مما أثار اهتمام الأفراد والمؤسسات الرسمية في صربيا وفي البوسنة، واهتمت كل وسائل الإعلام بالأمر، وأنا أعد مقترحا لكم لعمل حوار مع ابنه أسامة المصدر: الجزيرة
أسامة زوكرليتش (يسار) يتحدث لمراسل الجزيرة نت (الجزيرة)

وفيما يلي نص الحوار:

  • بماذا يمكن أن تعرفنا إلى والدك، وكيف قضى حياته؟

كان أبي، رحمه الله، عادلا، حازما، يعمل بلا كلل، وكان بعيد النظر ويستشرف المستقبل، وكان يخاف من الحرام، حكى لي إنه في شبابه، خدم في جيش جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية، ولخوفه من وجود آثار لشحم الخنزير في الطعام، كان يأكل الطعام الجاف فقط، مما أدى أحيانا إلى بقائه عدة أيام يقتات على الخبز والماء، وأخبرني أنه، ذات مرة، لم يأكل مدة 3 أيام. وكان زملاؤه والضباط في المعسكر يتعجبون، ويحذرونه أن جسمه لن يحتمل، لكنه كان يصبر.

وكان يصوم رمضان، ولم تفته أي صلاة، رغم أن الصلاة كانت ممنوعة، وقتها، في الجيش. وعندما لم تكن الظروف تسمح، كان يجلس ويفتح إحدى الجرائد كأنه يقرأ، ويصلي جالسا بشكل خافت. أعتقد أن صبره وقوة تحمله ساعداه كثيرا في حياته لاحقا في منطقة البلقان الجبلية.

وكان والدي، رحمه الله، مشغولا للغاية ولم يكن يقض الكثير من وقته معنا، لذلك ترك لأمهاتنا مهمة تربيتنا، وتعليمنا الإسلام.

كان يقدر الوقت بشدة، وكان دائما في عجلة من أمره، كما لو كان يعلم أن حياته قصيرة. لكنه في الوقت القصير الذي كان يقضيه معنا كان أبا مثاليا، وكان يعوضنا عن غيابه المستمر. وقد حرص على تعليمنا اللغة العربية.

ففي الوقت الذي كان الأطفال، في سني، يشاهدون أفلام الرسوم المتحركة، كنت أنا وأخواتي نشاهد نشرة الأخبار على قناة الجزيرة، لنتعلم اللغة العربية.

  • لماذا انتظرتم كل هذا الوقت لتطلبوا تشريح الجثة؟

عندما توفي والدي كنت في تركيا، عندها رجعت فورا إلى صربيا، وجدت أنهم نقلوا الجثة إلى قريتنا استعدادا لصلاة الجنازة والدفن، وفوجئت بأن الجهات المسؤولة في صربيا، لم تقم بأي إجراءات قانونية؛ لم تحضر الشرطة، ولم يتم نقل الجثة إلى المستشفى، ولم يصدر أي تقرير رسمي عن سبب الوفاة.

شعرت، واتفق معي بعض المقربين من أفراد العائلة، أن الأمر يبدو غير طبيعي، فكيف تتعامل أجهزة الدولة، بهذا الشكل، مع وفاة شخصية على هذا المستوى، كما تعرفون فأبي عند وفاته كان يشغل منصب نائب رئيس البرلمان بدولة صربيا، إذن، فهو شخصية رسمية رفيعة المستوى، وإذا أضفنا لذلك مكانته لدى مسلمي صربيا والبلقان بشكل عام، فإن ذلك الأمر يبدو غريبا جدا.

قررنا أن نتحرى عن الأمر بشكل هادئ وبكتمان شديد، أخذنا عدة عينات من الجثة، وأرسلناها إلى إحدى الدول خارج صربيا، ولكي نتأكد أكثر، أرسلنا العينات إلى مختبرين منفصلين تماما، وأخفينا ذلك حتى عن الأشخاص الذين حملوا العينات.

من قتل مفتي السنجق الشيخ معمر زوكورليتش؟ الشيخ معمر زوكورليتش هو من أبرز الشخصيات الإسلامية في منطقة البلقان كلها، شغل عدة مناصب دينية وسياسية مرموقة. توفي في نوفمبر 2021، وأعلن وقتها أن السبب هو صدمة قلبية، لكن العائلة أصدرت، مؤخرا، بيانا أعلنت فيه عن شكوكها أن يكون قد تعرض للقتل، مما أثار اهتمام الأفراد والمؤسسات الرسمية في صربيا وفي البوسنة، واهتمت كل وسائل الإعلام بالأمر، وأنا أعد مقترحا لكم لعمل حوار مع ابنه أسامة المصدر: الجزيرة
صلاة الجنازة على الشيخ معمر زوكرليتش في سراييفو العام الماضي (الجزيرة)
  • كيف جاءت نتائج التحليل؟

أشارت التقارير التي تلقيناها إلى وجود آثار سموم في العينات المختبرة، وبالتحديد، أفاد أحد المختبرين بأن هناك احتمالا كبيرا أن المتوفى قد تعرض للتسمم بالمعادن الثقيلة، بينما أفاد تقرير المختبر الآخر أن الوفاة حدثت بسبب التسمم من الطعام.

عندها قمنا بالفور باتخاذ الإجراءات الرسمية لدى الجهات القانونية في دولة صربيا، لاستخراج الجثة وإجراء تشريح رسمي لتحديد سبب الوفاة.

  • من أعداء المفتي أو بالأحرى من له مصلحة في موته؟

هناك الكثير منهم. وكثيرا ما تحدث عنهم؛ العديد من رجال العصابات وتجار المخدرات والسياسيين الفاسدين والإرهابيين والخونة وغيرهم، له أعداء صغار كما أن له أعداء كبار، من ذوي النفوذ. لكن نحن لا نود حاليا أن نوجه الاتهام إلى أحد. نحن مهتمون بإثبات الحقيقة بشكل علمي قانوني عدلي، تعترف به كل الجهات القانونية في صربيا وخارجها، ثم بعدها نقرر الخطوة التالية.

  • هل اتصل أحد من المسؤولين في دولة صربيا بكم بهذا الشأن؟

نعم، عقدت اجتماعات مع كبار المسؤولين في الدولة، وعلى رأسهم المدعية العامة في صربيا السيدة زاغوركا دولوفاتس. وتلقيت تأكيدات من الجميع بأن مؤسسات الدولة ستدعم كل الإجراءات للوصول إلى الحقيقة.

  • لماذا طلبتم من سلطات الدولة، تأجيل تنفيذ قرار المحكمة بإخراج الجثة وتشريحها؟

لأننا نريد بعض الوقت لاستقدام خبراء دوليين للقيام بكل الإجراءات حتى تتم العملية برمتها بأفضل وأعلى جودة ممكنة. وحتى لا يبقى لدى أحد أي شك بعد إعلان النتائج. القضية كلها حساسة ودقيقة للغاية، وأنا أخبرت بعض المسؤولين أن هذه قضية ستمتد آثارها لعقود طويلة.

  • من أي دولة طلبت خبراء؟

بالإضافة إلى البوسنة والهرسك، طلبنا مشاركة خبراء من ألمانيا وتركيا في هذه العملية.

  • هل اتصل بكم أحد من الأصدقاء يعرض عليكم المساعدة؟

نعم، فإذا كان لأبي أعداء كثيرون فإن له أصدقاء أكثر، وقد اتصل بنا عدد كبير من الأصدقاء من صربيا ومن البوسنة ومن دول عدة، يعربون عن استعدادهم للمساعدة بأي شكل. برغم الحزن الشديد لكن الجميع يسعون لمعرفة الحقيقة.

  • ما وصايا الوالد التي تشعر أنك ملزم بالعمل على تحقيقها؟

الحفاظ على حقوق المسلمين والبوشناق وغيرهم، وتصحيح المظالم التاريخية ضد شعب السنجق، والعمل على مصالحة البوشناق والصرب على أساس تحقيق العدالة.

المصدر : الجزيرة