لماذا دعا رجل الدين العراقي محمود الصرخي إلى هدم مراقد أئمة الشيعة؟
منذ أن ظهر على الساحة العراقية قبل عقدين، دخل محمود الصرخي في مناكفات وتحديات كبيرة ومناقشات مع أتباع مراجع شيعية، حول الأعلمية وزعامة الحوزة الدينية، كما دخل في مواجهة مباشرة مع الحكومة حمل فيها أنصاره السلاح.
الناصرية– يوم 11 أبريل/نيسان الجاري، ظهر مجموعة شباب يتبعون مرجعية رجل الدين الشيعي محمود الصرخي من محافظات عراقية مختلفة وهم يدعون في خطب دينية مباشرة إلى هدم قبور ومراقد الأولياء والأئمة لدى الشيعة، هذه الخطب التي انتشرت في يوم واحد أدت إلى ردود أفعال سريعة وعنيفة، رافقتها اعتقالات الشباب وانطلاق حملات لتهديم المساجد والحسينيات الخاصة بأنصار الصرخي.
وتعتبر مراقد الأئمة لدى الشيعة من المقدسات ويؤمها مئات الآلاف طوال العام، خلال زيارة المراقد الدينية، ويعتبرونها إرثا من أهل بيت الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وسلم) وبالتالي فإن المطالبة بهدمها دفع بردود شعبية عنيفة.
اقرأ أيضا
list of 2 itemsاعتزل السياسة واهتم بالتدريس والتأليف.. العراق يشيع المرجع محمد سعيد الحكيم إلى مثواه الأخير
ومنذ أن ظهر على الساحة العراقية منذ أكثر من عقدين، دخل الصرخي في مناكفات وتحديات كبيرة ومناقشات مع أتباع مراجع شيعية، حول الأعلمية وزعامة الحوزة الدينية العلمية المعروفة، كما دخل في مواجهة مباشرة مع الحكومة حمل فيها أنصاره السلاح وسقط ضحايا كثر.
الصرخي الذي عرف عن نفسه بأنه مرجع ويتبعه الآلاف الذين يقلدونه في المسائل الفقهية والعقائدية، ظهر بعد اغتيال رجل الدين الشيعي البارز محمد صادق الصدر عام 1999. وكان قد بدأ حياته العملية مهندسا في التصنيع العسكري، ثم دخل في الدراسة الدينية لاحقا وأعلن عن نفسه مرجعا بعد حادثة الاغتيال.
— مقتدى السيد محمد الصدر (@Mu_AlSadr) April 13, 2022
ردود أفعال
كان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أول من أعلن عن موقفه من دعوة أتباع الصرخي بتهديم المراقد الدينية، وتوعد باللجوء للطرق القانونية والشرعية والعرفية في حال لم يتبرأ الصرخي من دعاة التهديم.
ولكن بعد ردود الفعل الشعبية الغاضبة ضد الصرخي والتي تضمنت هدما وإحراقا لمساجد وحسينيات، دعا الصدر في بيان آخر إلى إيقاف هدم المساجد التابعة للصرخي، حيث قال إن ما حدث من ردة فعل شعبية ضد المحسوبين على المذهب المطالبين بهدم المراقد أمر مستحسن، فهو دفاع عن الدين والمذهب، وهي غضبة حق.
وأضاف "لكن عليهم التورع عن هدم المساجد وحرقها وتخريبها فضلا عن تفجيرها والاكتفاء بغلقها ومنع أصحاب الفتنة من إقامة شعائرهم المشبوهة فيها، فهدم المساجد لا يقل خطورة عن هدم المراقد، فحافظوا على مقدساتكم ومساجدكم ودور عبادتكم".
لماذا الدعوة لتهديم القبور؟
"لم نأتِ بشيء جديد حتى يتم اتهامنا بهذا الشكل وكأننا خرجنا من الملة، تكلم خطباء تابعون للسيد الصرخي بشكل علمي وموضوعي واستنادا لكتب الشيعة، وعبرنا عن وجهة نظرنا بمنهجية علمية دون إساءة لأحد أو التحريض، لكن بالمقابل أحرقت المساجد والحسينيات ومزقت الكتب بشكل مؤسف" هذا ما قاله للجزيرة نت أحمد الحسيني وهو أحد مقلدي الصرخي.
يضيف الحسيني: الدعوة لم تكن لتهديم مراقد الأئمة كما تم الترويج لها، وإنما استند خطباء مدرسة الصرخي إلى مصادر تاريخية لدى الشيعة حول القبور وتسطيحها وهذا يشمل أي إنسان سواء كان نبيا أو إماما أو رجلا صالحا، وهذا الأمر طرحه السيد الصرخي منذ فترة طويلة بشأن القبور.
وأكد أنه لا دلالة على توقيت الدعوة الوقت الحالي، مشيرا إلى أنه "ليس لدينا أغراض مبيتة لكي نحاول تأجيج الرأي العام ولا إنكار أضرحة ومراقد أهل البيت".
التحولات والمواقف
بعد اغتيال رجل الدين محمد صادق الصدر نهاية تسعينيات القرن الماضي، برز الصرخي واعتبر نفسه الممثل الوحيد لخطه وطالب بإقامة صلاة الجمعة بل وأداها في ملعب النجف فتم اعتقاله لفترة معينة، بحسب حديث الباحث في شؤون الجماعات الدينية مؤيد بلاسم للجزيرة نت.
وبعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين -كما يقول بلاسم- طالب الصرخي بقتل أعضاء حزب البعث جميعا بدون محاكمات وأصدر فتوى بوجوب بقاء ضحايا المقابر الجماعية في أماكنهم وتحويلها الى متاحف ومقابر رسمية، ثمَ أّيد المقاومة العراقية في معركتي الفلوجة الأولى والثانية ضد الجنود الأميركيين عام 2004، وأطلق حينها حملة بيانات وتبرعات باسم "فلوجة الخير والمقاومة".
يضيف بلاسم: عارض الصرخي بشدة الانتخابات عام 2004 وما أعقبها من عملية سياسية، وحرّم التصويت للدستور حين دعت لذلك معظم المرجعيات الدينية وطلب أن يصبح القرآن الكريم هو الدستور الوحيد للشعب العراقي واعتبر أن الديمقراطية كفر صريح بشرع الله تعالى.
واستدرك: إلا أن الصرخي بعد أن حرّم الدستور والديمقراطية وعاد ليشارك في انتخابات عام 2008 باسم حزب الإصلاح فلم يحصل على أي مقعد نيابي لكنه حصل على مقعد عضو مجلس محافظة الديوانية، وحمل وأتباعه السلاح ضد الحكومة 3 مرات، الأولى عام 2005 والثانية عام 2007 وآخرها عام 2014 وتزامنت مع سيطرة تنظيم الدولة على الموصل، وبعد عام 2014 توقف عن التصعيد العسكري.
أنكر الصرخي وجود تنظيم الدولة الإسلامية -بحسب بلاسم- واعتبر فتوى الجهاد التي أطلقها المرجع الأعلى لشيعة العراق علي السيستاني طائفية، وحرم الانتماء للحشد الشعبي، وحاول دس أنصاره في المؤسسات الأمنية.
ويعتبر بلاسم أنه لا يوجد للصرخي أتباع كثر في المحافظات الجنوبية لكن له نفوذ محدود في محافظة الديوانية وخاصة قضاء الشامية وفي بابل في الحمزة الغربي، ومن ثم كان لهم تمثيل سياسي في مجلس المحافظة عام 2009 بمقعدين، وله أنصار في محافظة ذي قار يتركزون في قضاء الفهود بصورة رئيسية وأعداد أقل في بقية المحافظات.
وأضاف أن الصرخي يشترط على أتباعه ما يسمى النصرة الإلكترونية وهي أن يعملوا حسابات وهمية عديدة تدافع عنه وتنشر أفكاره بصورة الرشق في وسائل التواصل الاجتماعي، كما تقوم بالتبليغ عن الحسابات التي تهاجمه، وسياسيا يحرّم الانتماء لحزب الدعوة والمجلس الأعلى والتيار الصدري وبقية الحركات الاسلامية وغير الاسلامية.
لفت الأنظار
يختصر الباحث والكاتب رشيد السراي بأن الخطوات التي خطاها الصرخي لن تخرج من دائرة الظهور أو البروز، وكذلك محاولة مخالفة أمور واضحة ومتفق عليها لدى الشيعة فيما يخص المواضيع الفقهية والعقائدية.
ويضيف السراي للجزيرة نت بأن الصرخي يسعى لأن يكون رقما مهما في معادلة التشيع من خلال التأثير، وبدأ المنهج من خلال حديثه المستمر حول الأعلمية وكذلك ببعض المنشورات والمحاضرات واللقطات الفيديوية التي يظهر فيها كذلك ابتكار الراب الإسلامي وكل ذلك يندرج في زاوية حب الظهور والبروز.
ردود مضادة
ويقول المتابع في الشأن المحلي محمد العبودي: نختلف أو نتفق مع الصرخي، هذا ليس من اختصاص عامة الناس الذين دخلوا على الخط ليمارسوا دور السلطة ودور رجال الدين، الأمر إن كان يتعلق بالدين فرجال الدين يتولون القضية في الدفاع والنقاش، ومن غير الممكن أن نحرق ونهدم ونقتل لمواجهة فكرة طرحها أحدهم.
ويضيف -للجزيرة نت- أن الموضوع يتعلق بالسلطة إن وجدت الأمر يضر بالصالح العام فهي من تتحمل المسؤولية وتقوم بذلك من خلال الطرق القانونية، سواء كان الحكم مع الصرخي أو ضده، وليس من حق أي أحد أن يقوم بهدم عقارات الآخرين دون الرجوع إلى حكم قضائي يحسم الموقف.
وعلى إثر خطب أتباع الصرخي، كانت القوات الأمنية قد اعتقلت خطباء الجمعة التابعين له في محافظات بابل وذي قار والديوانية والبصرة، في وقت صدرت مذكرة قبض بحق الصرخي -الموجود خارج البلاد- من قبل محكمة تحقيق محافظة ميسان على خلفية تلك الدعوات.