34 عاما على استشهاده.. أبرز تحولات القضية الفلسطينية بعد اغتيال "أبو جهاد"

أبو جهاد خليل الوزير
الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) مسؤول العمل العسكري في حركة فتح (مواقع التواصل)

رام الله- "إياك أن يشعر عدوك بالعزة عليك، أنت الذي يجب أن تكون العزيز عليه، أنت الذي تُشعر عدوك بالعنفوان بالعزّة وبالكرامة"، هكذا أراد القيادي الفلسطيني الشهيد خليل الوزير (أبو جهاد) أن تكون العلاقة بين دولة محتلة وشعب خاضع للاحتلال.

لكن رياح السياسة جرت بعكس ما سعى إليه أبو جهاد، فكان أبرز ضحايا التحولات الجديدة في القضية الفلسطينية نحو التسوية بديلا عن الاشتباك، التي أثبتت فشلها عبر عقود، وفق محللين فلسطينيين تحدثوا للجزيرة نت.

وتحل اليوم 16 أبريل/نيسان الذكرى السنوية الـ34 لاغتيال أبو جهاد، وبهذه المناسبة تعود أقواله وكتاباته إلى التداول عبر شبكات التواصل الاجتماعي.

وقد اغتيل أبو جهاد في منزله بالعاصمة التونسية يوم 16 أبريل/نيسان 1988، من قبل وحدة خاصة إسرائيلية، وبمشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، وقادة عسكريين.

إعلان

القائد المشتبك

كان "الاشتباك" مع الاحتلال نقطة السر التي يلتقي فيها خليل الوزير مع الجميع، بمن فيهم خصومه على الساحة الفلسطينية، لكن القضية الفلسطينية شهدت بعده تحولات عكس ما كان يعمل له، ويحمله من قناعات ورؤى.

"إذا أنا (خليل الوزير) أو (صلاح خلف) أبو إياد أو (ياسر عرفات) أبو عمار بقبل بالقرار 242 أو 338، فأنا أول المنشقين"، كانت تلك عبارة خطّها أبو جهاد بقلمه في أول لقاء يجمعه مع عدد من الفلسطينيين المنشقين عن حركة فتح والمبعدين من الأرض المحتلة وذلك في العاصمة الأردنية عمّان عام 1985.

وينص القرار 242 على انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، في حين يدعو القرار 338 إلى وقف القتال.

علاقة أساسها المقاومة

كان من بين أولئك المبعدين الكاتب يونس الرجوب، الذي عاد إلى فلسطين عام 2009، والذي يقول "أبو جهاد كان رجل اشتباك، وكان الاشتباك والمقاومة أساس علاقته مع الآخرين، حتى لو كانوا منشقين عن حركة فتح، وكان يتواصل مع كل العاملين في الساحة النضالية ويدعمهم".

ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- "كان أبو جهاد مؤمنا إيمانا قاطعا بالعمل العسكري، واللجوء للجماهير لحماية وتعزيز هذا الخيار".

باغتيال أبو جهاد وصلاح خلف (أبو إياد الذي اغتيل عام 1991)، فقدَ عرفات أهم عنصرين محركين للعمل العسكري ضد الاحتلال، وبالتالي ظهور تيار التسوية لاحقا، حسب الرجوب.

إعلان

رد عسكري

وفي وثائقي سابق بثته قناة الجزيرة، قال محمود العالول نائب رئيس حركة فتح "أبو جهاد لم يكن تشغله السياسة، لكنه كان إذا أراد أن يلغي عملية سياسية يقوم بعملية كبيرة ضد الاحتلال".

وعن عقلية الاشتباك لدى الشهيد، ينقل محمد حمزة في كتابه "أبو جهاد.. أسرار بداياته وأسباب اغتياله" عن خليل الوزير قوله "كان يشغلنا أن نزرع في الوعي الفلسطيني فكرة العمل العسكري واستخدام السلاح ضد العدو".

ويشير إلى أن بداية تجربة خليل الوزير في العمل ضد الاحتلال كانت بارتباطه بحركة الإخوان المسلمين، التي برز متطوعوها في التصدي للقوات الإسرائيلية عام 1948.

الصورة هي للشهيد خليل الوزير المعروف بـ(أبو جهاد)
أبو جهاد يتوسط أبو عمار (يمين) وأبو إياد أبرز قادة حركة فتح (الجزيرة)

إزالة العقبات أمام التسوية

من جهته، يرى مدير جامعة القدس المفتوحة في بيت لحم، أسعد العويوي، أن أبرز تحوّل كان بعد اغتيال أبو جهاد هو التوجه إلى مسار التسوية "الذي ثبت فشله على مدى عقود".

ويضيف -في حديثه للجزيرة نت- أن اغتيال خليل الوزير، وبعده صلاح خلف "كان مقدمة للدخول في مفاوضات سياسية أفضت إلى اتفاقية أوسلو عام 1993".

ووفق الأكاديمي الفلسطيني، كان أبو جهاد يمثل تيارا لا يؤمن بالمفاوضات السياسية "طريقا للحل مع المشروع الصهيوني الغربي الاستعاري الإحلالي في فلسطين".

ويشير إلى دور محوري للقيادي الفلسطيني خلال انتفاضة الحجارة، وما تخللها من عمليات نوعية "فكان اغتياله مبرمجا لمرحلة انتقالية، انتقال حركة التحرر الوطني الفلسطيني من حركة جوهرها النضال بكل أشكاله ضد الاحتلال، إلى عملية تفاوضية سياسية ثبت بعد أكثر من 3 عقود عدم جدواها".

اتفاق أوسلو وتغييب عرفات

ووفق العويوي، فإن أبرز تجليات ما بعد مرحلة أبو جهاد وتصفية قادة الاشتباك مع الاحتلال توقيع اتفاق أوسلو وما تبعه من مفاوضات وصلت إلى طريق مسدود.

إعلان

يتابع المحلل الفلسطيني أن تحولا آخر شهدته القضية الفلسطينية بتغيب الرئيس الراحل ياسر عرفات عام 2004 "الذي اعتُبر عقبة أمام السلام، عندما رفض المساس بجوهر القضية الفلسطينية وتحديدا القدس واللاجئين في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000".

ويرى العويوي أن إسرائيل تريد من الفلسطينيين "أداة أمنية طوعية ضد شعبهم، وهذا لا يمكن أن يكون على الإطلاق".

من المقاومة إلى التعاون

بدوره، يذكر أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخليل بلال الشوبكي -في حديثه للجزيرة نت- أن من أهم التحولات التي شهدتها القضية الفلسطينية بعد اغتيال أبو جهاد هو التحول من الفعل "المقاوِم" إلى الفعل "المتعاون" مع الاحتلال، وإن كان يُسوّق بألفاظ أخرى.

يوضح الشوبكي أن عملية تغليب منهج على آخر في سياق الصراع الفلسطيني الإسرائيلي "أدخل إلى العقل الجمعي الفلسطيني مفهوما جديدا بشكل غير مباشر، هو مفهوم التعاون مع المستعمر".

هنا يبين أن المستعِمر يتفاعل مع بيئة المستعمَر في سياقين: السياق المقاوم، والسياق المتعاون.

ووفق أستاذ العلوم السياسية، لا يجري طرح سياق التعاون بنزع الصفة الوطنية عنه، إنما "بإضعاف التفاعل المقاوِم مع المستعمر، وتغليب التفاعل الجديد".

الشوبكي: اغتيال أبو جهاد حوّل الفعل "المقاوِم" إلى الفعل "المتعاون" مع الاحتلال (مواقع التواصل)

التفاعل مع المستعمر

وفي غياب أبو جهاد، الذي كان يخاطب الوعي الفلسطيني، جرى على مدى سنوات وتدريجيا "إيصال المجتمع إلى الحالة التي يقتنع فيها أن التفاعل مع المستعمر هو في مصلحة المجتمع".

ويقول الشوبكي إن التحول الأهم بعد اغتيال أبو جهاد هو "أن فتح ومنظمة التحرير استطاعتا خلق قيمة جديدة في المجتمع، يعتبر التكيف معها جزءا من الإنجاز الوطني".

ويضيف "الاحتلال يسعى إلى تمهيد الطريق ودفع الفلسطينيين إلى التكيّف مع الاستعمار الاستيطاني بدل مناوأته، وذلك باغتيال الكثير من الشخصيات التي تقف حائلا من دون هذا التوجه".

من خليل الوزير؟

إعلان

ولد خليل الوزير في مدينة الرملة المحتلة عام 1935، وغادرها لاجئا إلى غزة خلال النكبة، وهو أحد أبرز مؤسسي حركة (فتح)، ومهندس الانتفاضة الأولى عام 1987.

ودُفن أبو جهاد بعد استشهاده، يوم 20 أبريل/نيسان 1988 في مقبرة الشهداء بمخيم اليرموك في العاصمة السورية دمشق.

وتتهم إسرائيل خليل الوزير بالوقوف خلف عشرات العمليات التي أدت إلى مقتل عشرات الإسرائيليين، بينها عملية فندق (سافوي) في تل أبيب عام 1975 التي قتل فيها 10 إسرائيليين، وعملية الشهيدة دلال المغربي التي قتل فيها أكثر من 37 إسرائيليا عام 1978.

المصدر : الجزيرة

إعلان