السفير اليمني في الدوحة: الحكومة لا تدار من الرياض ونخوض حرب تحرر وطني ضد من يدّعي الحق الإلهي في السلطة

السفير اليمني في قطر راجح بادي
السفير اليمني لدى قطر راجح بادي (الجزيرة)

الدوحة- ها هو يحط رحاله في العاصمة القطرية الدوحة سفيرا فوق العادة للجمهورية اليمنية، بعد أن أمضى أكثر من 7 سنوات ناطقا رسميا باسم الحكومة اليمنية، ومطلعا على كثير من الأحداث التي شهدتها البلاد خاصة خلال سنوات الحرب التي تخوضها الحكومة -مدعومة من تحالف سعودي إماراتي- ضد جماعة أنصار الله الحوثيين الذين سيطروا على العاصمة صنعاء في سبتمبر/أيلول 2014.

نتحدث في هذا اللقاء مع أول سفير يمني في الدوحة بعد الأزمة الخليجية، راجح بادي، عن أفق الحرب اليمنية وأسباب استمرارها لأكثر من 7 سنوات، وعن مصير المفاوضات مع الحوثيين، وحقيقة إدارة الحكومة للبلاد من العاصمة السعودية الرياض وما يطلق عليها من قبل مراقبين "حكومة الفنادق" وأمور أخرى.

  • لعلنا نبدأ من التطورات الميدانية، فقد دخل التحالف السعودي الإماراتي للدفاع عن الحكومة الشرعية داخل اليمن، لكن يبدو أنه الآن في موقف الدفاع عن منشآته الحيوية، خاصة بعد استهداف الإمارات واستمرار استهداف السعودية من جماعة أنصار الله الحوثيين، ألا يشير ذلك إلى اختلال ميزان القوى؟

في البداية، نعرف أن الحرب فرضتها مليشيات الحوثي التي انقلبت على سلطة شرعية منتخبة، وانقلبت على مخرجات الحوار الوطني الذي شاركت فيه، وانقلبت على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي تمت برعاية أممية، فهم السبب الرئيسي لهذه الحرب.

الآن وبعد 7 سنوات من الحرب، اتضح أن الحوثي أداة لبعض الدول في المنطقة.

قبل 7 سنوات، كان الحوثي موجودا في قصر المعاشيق بالعاصمة المؤقتة عدن، أما الآن فهناك مساحات شاسعة من المحافظات اليمنية محررة، ونحن نقول إن هذه الحرب دفع اليمنيون فيها فاتورة باهظة؛ وللأسف، السبب في ذلك هو التسلط الحوثي، فجهود 3 مبعوثين أممين باءت بالفشل، والكل يتابع ما يقوله هؤلاء المبعوثون عندما تنتهي مهامهم ومن هو الطرف الذي يتسبب في استمرار الحرب.

  • لكن ما الإستراتيجية التي تخوض بها الحكومة ومن ورائها التحالف هذه الحرب، في ظل خطوط حمراء على تحرير صنعاء وبعض المناطق مثل تعز وغيرها، هل الإستراتيجية أن تحرر جميع مناطق اليمن، أم فقط بسط السيطرة على أكبر قدر ممكن من المحافظات، حتى تكون أوراق قوة توضع على طاولة أي مفاوضات؟

أنا أؤكد أنه لا خطوط حمراء بالنسبة للحكومة الشرعية، فنحن نخوض معركة تحرر وطني ضد مشروع استعبادي بغلاف ديني، فاليمنيون ما زالت ذاكرتهم حية تجاه المشروع الإمامي الذي قامت ثورة سبتمبر/أيلول 1962 ضده، والتي كانت بدعم من أشقائنا العرب، خاصة جمهورية مصر.

هذا المشروع الذي حاربه اليمنيون وجد الآن دعما إقليميا جعله يتقوى ويتغول ويطيل أمد الحرب، ونحن بوصفنا حكومة شرعية لا نريد لبلدنا أن يصبح ساحة صراع، وقد أكد ذلك رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي -وهو في صنعاء عندما هاجم الحوثيون العاصمة التاريخية والسياسية- قائلا "سأضرب بسيف السلم إلى آخر لحظة"، لكن الحوثيين لم يغلّبوا المصلحة الوطنية وصوت العقل ولا صوت الحوار.

  • لكن الحرب أصبحت عبثية في نظر كثير من المراقبين؛ فلا التحالف قادر على -أو يرغب في- بسط السيطرة على كامل المحافظات ولا الحوثيون قادرون على حكم جميع المحافظات؟

أنا لا أقول إن سير المعارك أصبح طبيعيا، لكن هناك تدخلات إقليمية أدت إلى إطالة أمد الحرب، هناك حسابات ومصالح لبعض القوى والدول التي أرادت تصفية حساباتها في اليمن. لكني أؤكد لك أن اليمنيين جميعهم مقتنعون أن هذه حرب تحرر وطني، ومثل هذه الحروب لا تنتهي سريعا.

  • معنى ذلك، أنكم ستخوضون الحرب إلى ما لانهاية؟

نحن ندافع عن ثوابتنا الوطنية، ندافع عن الجمهورية وعن الحرية والديمقراطية، وفي الوقت نفسه نقدم التنازلات تلو الأخرى في المسار السياسي، وقد خضنا أكثر من جولة مفاوضات في الكويت وجنيف وبيل. وقدمنا كل التنازلات، لكن الطرف الآخر هو الذي لا يمتلك قراره بيده، ويبدو أن الداعم لهذا الطرف لم يقتنع بعد بإنهاء الحرب والتوصل لتوافق سياسي.

  • على ذكر هذه المفاوضات، خضتم عددا منها وكانت هناك تحركات دبلوماسية أخيرة في العاصمة العمانية مسقط، أين وصلت، ولم تعثرت؟

كانت هناك تحركات لكن نتيجتها صفر، بسبب تعنت مليشيا الحوثي، وقد ذهبت وفود إلى صنعاء واصطدمت بتعنتهم أيضا.

  • لكن -سياسيا- ما الذي رفضه الحوثيون؟ هل لديهم خلاف معكم على منصب الرئاسة مثلا أم بشأن حصتهم في الحكومة؟ أم ماذا تحديدا؟

يعني مثلا في مفاوضات الكويت وصلنا إلى اتفاق شامل وكامل ومكتوب، ونحن بوصفنا وفدا حكوميا -كان وقتها برئاسة وزير الخارجية السابق عبد الملك المخلافي- وقعنا على ذلك الاتفاق النهائي الذي كان نتيجة مشاورات ماراثونية بصيغته النهائية، لكن الحوثيين تراجعوا في آخر لحظة. رغم أننا وقعنا ولم نكن مقتنعين بكثير من بنود ذلك الاتفاق، لكن كنا حريصين على أن تتوقف الحرب وأن يتجه الجميع إلى التعايش والسلم وبناء البلد، فإن الطرف الحوثي تراجع عن التوقيع في آخر لحظة مع أنهم أنفسهم أسهموا في صياغة بنود ذلك الاتفاق.

  • لم -برأيك- هذا الرفض الحوثي أو ما تصفه بـ"التعنت"، ما الذي يريده الحوثيون؟

الحوثي يقدم نفسه على أنه الطرف الذي يحق له الحكم لأنه يمتلك القوة والسلاح، هو لا يريد أن يخضع للعملية الديمقراطية التي بدأت منذ أن تأسست الوحدة اليمنية عام 1990 واستمرت وإن بشكل نسبي، وكان الشعب اليمني هو من ينتخب سلطته، لكن الحوثي يريد للبندقية أن تختار السلطة، لذلك وبعيدا عن أي عوامل أخرى، أكرر أن اليمنيين يخوضون معركة تحرر وطني ضد طرف يرى أن هناك طبقة لها الحق الإلهي في الحكم والسلطة.

اليمن والقضايا الإقليمية

  • يبدو أن الملف اليمني أصبح أكثر تعقيدا في ظل ارتباطه بملفات إقليمية، مثل المحادثات السعودية الإيرانية، أو دولية مثل الملف النووي الإيراني، هل يمكن لليمنيين أن يتحاوروا فيما بينهم ويجدوا طريقا للسلام بعيدا عن هذه الملفات؟

بسبب التدخلات الإقليمية، أصبح الملف اليمني يطرح على طاولة المفاوضات في عدد من القضايا سواء قضية النووي الإيراني أو الملف السوري أو غيرهما، أما نحن -الحكومة والسلطة الشرعية- نؤكد أن الحرب فُرضت علينا، وإذا زالت الأسباب التي أدت إلى قيام هذه الحرب، فنحن مستعدون أن نوقفها مباشرة.

  • ماذا لو سلمت القوى الإقليمية والدولية بشرعية الحوثي في صنعاء؟

لا يمكن لأي دولة في العالم أن تعترف بشريعة مليشيا مسلحة، الآن وبعد 7 سنوات من سيطرتها على العاصمة التاريخية والسياسية صنعاء لم يعترف بها أحد، لأن الاعتراف بسلطة أي مليشيا سيفتح باب الفوضى في العالم، يجب أن نرى الأمور على حقيقتها، بعيدا عن أي حسابات سياسية أخرى، هذه مليشيا مسلحة سيطرت على سلاح الدولة وانقلبت على السلطة، وإذا اعترف العالم بهذا الانقلاب المسلح من قبل مليشيا، فهو سيعترف غدا بأي انقلاب في أي مكان آخر في العالم وهذا يفتح باب الفوضى في العالم.

  • لكن واشنطن أزالت الحوثيين من قائمة الإرهاب؟

واشنطن داعم رئيسي للشرعية، كانت هناك حسابات للإدارة الأميركية الجديدة، ربما تريد أن ترسل رسالة تشجيع للحوثيين حتى يتجهوا إلى الحوار، خاصة أن الرئيس جو بايدن أول رئيس أميركي يكلف مندوب خاص للملف اليمني، لكن حتى الآن وبعد أكثر من سنة يرفض الحوثيون الالتقاء بهذا المبعوث الأميركي.

الحوثيون فهموا هذه الرسالة بشكل خاطئ وصعدوا من عدوانهم في مأرب وشبوة والحديدة، لذا سمعنا أن الإدارة الأميركية تسعى لمراجعة قرارها وتعمل على إعادة تصنيفهم جماعة إرهابية.

  • ألا يمكن أن يحدث عكس ما تقول به، فبعد إزالة الحوثيين من قائمة الإرهاب يمكن أن يتطور الموقف الأميركي للتسليم بهم سلطة أمر واقع؟

لا، هذا لن يحدث، هناك أعراف سياسية ودبلوماسية يتعاطى معها العالم، فلا يمكن الاعتراف بجماعة مسلحة انقلبت على سلطة شرعية، والتعاطي مع مثل هذه الجماعات سيشجع على الفوضى في أكثر من منطقة في العالم.

  • إذا ما تم الاتفاق بين الدول الكبرى وإيران في الملف النووي الإيراني، يمكن أن يتم التعامل مع الحوثيين بشكل أو بآخر والاعتراف بهم سلطة حاكمة في صنعاء؟

إذا توصلت الدول الكبرى لاتفاق مع إيران بشأن ملفها النووي، قد يتم التعامل معهم بشكل آخر أو في مسار آخر، لكن لن يتم الاعتراف بسلطة جماعة مسلحة.

  • أنتم الآن بوصفكم سفيرا لليمن لدى دولة قطر، هل يمكن أن تلعب الدوحة دورا سياسيا في تقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية؟

قطر دولة محورية ومهمة في المنطقة، ولديها سياسة خارجية ناجحة، وقد نجحت في أكثر من ملف، والعلاقات اليمنية القطرية علاقات تاريخية، ومنذ قيام الوحدة اليمنية عام 1990، وهي تقف إلى جانب وحدة الأراضي اليمنية واستقرار البلاد، كما أنها تحظى باحترام واسع من قبل أبناء الشعب اليمني والقيادة اليمنية أيضا.

وقد أكدت القيادة القطرية -وعلى رأسها سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني- وقوفها إلى جانب الشرعية اليمنية.

من جهتنا، نرحب بأي جهد وأي دور لأي دولة، سواء قطر أو غيرها، يؤدي إلى وقف نزيف الدماء وإنهاء الانقلاب على السلطة الشرعية، والعودة إلى ما وصلنا إليه قبل الحرب.

  • ألم يعرض عليكم الجانب القطري القيام بأي دور؟

حتى الآن لا، لكننا تابعنا ما أستطيع أن أصفه بالاحترافية في السياسة الخارجية القطرية سواء في الملف الأفغاني أو في غيره من الملفات، ونحن -كما قلت لك- منفتحون على كل القوى وكل الجهود التي تسعى إلى إعادة الأمور إلى نصابها وإنهاء هذا الانقلاب الحوثي.

وجود الحكومة

  • كثر الكلام والانتقاد للحكومة التي تدير البلد من الخارج، ولا يبدو أن الحكومة تنوي تغيير طريقة إدارتها للأزمة، خاصة في ظل ارتهان قرارها بيد التحالف، هل لنا أن نعرف السبب وراء ذلك؟

أنا لا أعرف لماذا يتم ترديد هذه المعلومة المغلوطة في كثير من وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي؛ الحكومة منذ أن تشكلت بعد اتفاق الرياض موجودة في عدن، رئيس الحكومة، السيد معين عبد الملك، وكامل أعضاء حكومته موجودون في عدن رغم استهدافها من الحوثيين عند وصول طائرتهم.

  • موجودة لكنها غير مستقرة في عدن؟

لا، هذا غير صحيح. عندما كنت متحدثا باسم الحكومة وقبل تعييني سفيرا في قطر، كانت الحكومة موجودة على الدوام في عدن، فقط أيام معدودة وزيارات خاطفة كان يقوم بها رئيس الحكومة إلى العاصمة السعودية الرياض للالتقاء بالرئيس هادي وقيادة التحالف.

  • لكن رأس السلطة، الرئيس هادي، في الرياض؟

هذا موضوع آخر، لكن الحكومة بكامل أعضائها ورئيسها ومكاتبها موجودة في عدن رغم الإشكالات والمعوقات التي قد تجعل الحكومة لا تؤدي عملها بالشكل الفاعل والمطلوب، لكن بقاء الحكومة في عدن سيؤدي إلى تذليل تلك الصعوبات والمعوقات. ونحن نشاهد سفراء الدول الأوروبية والسفير الأميركي يتجهون إلى عدن للقاء الحكومة.

  • يعني تؤكد أن جميع أعضاء الحكومة موجودون بشكل دائم في عدن ولا صحة لما يطلق عليها "حكومة الفنادق"؟

نعم، الحكومة موجودة في عدن ولا خيار أمام الحكومة إلا أن تكون في عدن، والرئيس هادي في أول اجتماع للحكومة بعد تأدية اليمين الدستورية أكد للجميع أنه لا يوجد عذر لأي مسؤول حكومي بالبقاء خارج اليمن وكانت التوجيهات واضحة في ذلك.

الحكومة موجودة في عدن رغم أن ذلك قد لا يرضي أو يشكل تهديدا لمصالح أطراف محلية وغير محلية، وقرار الوجود في عدن قرار لا رجعة عنه بالنسبة للشرعية.

  • ماذا بالنسبة لعودة الرئيس ونائبه، هل تحفها مخاطر أمنية؟

ربما.

  • كيف يمكن أن تستعيد الحكومة نفوذها في اليمن، إذا كانت أجزاء بيد الحوثيين وأجزاء أخرى بيد قوات لا تدين لها بالولاء، كما في مناطق الساحل -التي تتحكم فيها قوات العمالقة- ومناطق في الجنوب -يديرها المجلس الانتقالي الجنوبي- فماذا تدير الحكومة؟ وكيف؟

الحكومة تدير كل هذه التناقضات، بقاء الحكومة في عدن هو لإيجاد حلول لكل هذه التناقضات وتوحيد هذه الفسيفساء. واتفاق الرياض هو لإيجاد حلول لكل هذه القضايا التي طرحتها، وأنا أقول إن اتفاق الرياض لا بد أن ينفذ بشكل كامل وكمنظومة متكاملة عسكريا وسياسيا.

  • من الذي يعرقل تطبيق اتفاق الرياض؟

ربما هناك حسابات لدى بعض الأطراف المحلية والإقليمية، فعندما توجد دولة حقيقية في المناطق المحررة من اليمن وتفعّل أجهزة الدولة وأجهزة الرقابة والشرطة والمحاكم، فإن كل ذلك لا يصب في مصلحة بعض الأطراف التي تستشعر أن ذلك يهدد مشاريعها المحلية الصغيرة أو مشاريعها الكبيرة على مستوى المنطقة.

  • تتحدث عن المجلس الانتقالي الجنوبي؟

أنا لا أتحدث عن الانتقالي الجنوبي ولا غيره، أنا قلت "هناك أطراف"، وليس طرف، لا تسعى لتنفيذ اتفاق الرياض ولا أستطيع التحديد، لكن اليمنيين لديهم من الفطنة والذكاء ما يجعلهم يعرفون من هي تلك الأطراف.

  • ما أفق الحل للأزمة اليمنية في الوقت الراهن؟

للأسف، أنا أتحدث وأنا متألم وحزين على الأوضاع في اليمن، وأقول -حتى هذه اللحظة- لا نجد أفقا أو ضوءا في آخر النفق، ومن يتحمل هذا الوضع ومسؤولية هذا الإحباط -حتى لدى المبعوث الأممي والقوى الدولية والإقليمية- هو الطرف الحوثي الذي يريد أن يتصرف وكأنه الطرف الوحيد أو المنتصر في هذه الحرب.

لكن رغم ذلك، فإن أملنا كبير في أن يتجاوز اليمنيون هذه المحنة الكبرى بتعاون الأشقاء العرب والمجتمع الدولي.

المصدر : الجزيرة