شهادات استثمار جديدة تعيد جدل فوائد البنوك بمصر

البنوك المصرية ترفع الفائدة على شهادات الادخار الفائدة؟ (صورة خاصة بالجزيرة)
مصريون أمام أحد فروع البنك الأهلي المصري (الجزيرة)

القاهرة – عاد الجدل مجددا في مصر خلال الأيام الماضية حول قضية فوائد البنوك، في ظل إقبال قطاعات واسعة من الشعب المصري على شهادات الاستثمار ذات العائد السنوي 18%، والتي طرحتها البنوك المصرية بقرار من البنك المركزي قبل أيام ضمن إجراءات أعقبت تخفيض سعر الجنيه أمام الدولار الأميركي.

وجاء استدعاء الجدل حول فوائد البنوك بسبب إقبال المصريين على شراء شهادات الاستثمار الجديدة، وبحسب الإعلام المحلي فقد اشترى المصريون شهادات استثمار من بنكي مصر والأهلي بنحو 267 مليار جنيه في أسبوع واحد فقط (الدولار= 18.27 جنيها).

وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي تصاعد الجدل بين المؤيدين والمعارضين، وانتصر كل فريق لرأيه بأقوال علماء ودعاة وفتاوى سابقة وحالية.

ومع تصاعد الخلاف الديني حول فوائد البنوك وأرباح شهادات الاستثمار بين التحريم المطلق والإباحة المطلقة، وفريق ثالث رأى أنها من "المشتبهات"، تدخل مفتي الديار المصرية شوقي علام ليدلي بدلوه في القضية، مؤكدا أنه "لا حرمة أو شبهة في فوائد البنوك".

وقال علام في تصريحات متلفزة إنه لا حرمة في الإيداع ولا شبهة، لأن المعاملات البنكية استثمار في أموال الناس، وهو أمر يختلف عما كان قديما، معتبرا أن التعامل مع البنك ليس له علاقة بالقرض أو الربا، إنما هو استثمار، بحسب وصفه.

واعتبر أن الفتاوى التي تحرم فوائد البنوك لم تقرأ الواقع قراءة صحيحة، فالفتوى لا بد أن تنبني على معرفة الواقع والإحاطة به إحاطة شديدة جدا، واصفا فتاوى تحريم فوائد البنوك بأنها حبيسة زمن سابق.

ودخل على خط الجدل المتصاعد عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ومقدم البرامج الدينية خالد الجندي، معتبرا أن فوائد البنوك حلال لأنها ليست ربا، لأن البنك لا يتعامل مع فقراء ولا يجبرهم على فعل شيء وإنما البنك جهة تمويل، بحسب وصفه.

واعتبر الجندي المعروف بتأييده للسلطة الحالية، أن الربا الحقيقي الذي لا خلاف عليه هو إجبار المحتاج على زيادة قيمة الفائدة إذا تعثر السداد، مهاجما من يحرمون فوائد البنوك بقوله "قطع الله ألسنتكم وأسأل الله أن يفضحكم على رؤس الخلائق".

نظرية الخمور

في المقابل، انتقد أستاذ الفقه المقارن عطية عدلان فتوى دار الإفتاء المصرية حول فوائد وأرباح شهادات الاستثمار، واصفا الجمل التي صيغت بها تلك الفتوى بأنها "كانت في غاية الركاكة والإسفاف والاهتراء"، بحسب وصفه.

ورفض عدلان إطلاق لفظ تمويل على معاملات البنوك وأرباحها وقروضها، معتبرا أن وصف تمويل ليس وصفا منضبطا ولا تكييفا محددا يصلح لأن يتنزل عليه حكم شرعيٌّ، إنّه يشبه تكييف الخمر على أنه شراب، وتوصيف الميتة على أنها لحم.

وفي مقال بالجزيرة مباشر ردا على فتوى دار الإفتاء المصرية، رأى عدلان أن التوصيف والتكييف الصحيح لشهادات الاستثمار أنّها قروض بفوائد محددة سلفا، وشرح ذلك قائلا "الجهة المصدرة للشهادات هي المقترض، والشخص الذي يشتري الشهادة هو المقرض، والمبلغ المدون في الشهادة هو رأس المال، والزيادة هي الفائدة الربوية، وقد عَرَّفَ العلماء الربا بأنّه: زيادة مشروطة في دين مقابل الأجل، وأجمعوا على تحريمه في أيّ صورة".

ولفت عدلان في نهاية مقاله إلى أن علماء أجلاء وشيوخا سابقين للأزهر من أمثال عبد المجيد سليم وحسن مأمون ومحمد أبو زهرة وجاد الحق علي جاد الحق وعطية صقر، قالوا كلمتهم في جميع فوائد البنوك بما فيها شهادات الاستثمار، وكذلك المجامع الفقهية الكبرى بما فيها مجمع البحوث الإسلامية ومجمع الفقه الإسلامي ومجمع رابطة العالم الإسلامي.

خلاف قديم

ولم يكن الخلاف حول فوائد البنوك وشهادات الاستثمار أمرا جديدا على الساحة المصرية، وإنما هو قضية خلافية منذ عشرات السنين، وكان من أشهر الذين أباحوا فوائد البنوك وشهادات الاستثمار شيخ الأزهر الراحل محمد سيد طنطاوي، الذي أكد في لقاء تلفزيوني أن فوائد البنوك حلال، مضيفا "أنا قلت حينما كنت مفتيا للديار المصرية إن فوائد البنوك حلال، وتجار الدين هاجموني وكفروني وأهدروا دمي ووصفوني بأنني منافق، وأنني مفتي الدولة، ومنهم من مات وسنجتمع عند الله ليحكم بيننا".

وتابع طنطاوي "ودارت الأيام ومجمع البحوث أثبت أن شهادات الاستثمار حلال، وكل عاقل يقول إنها حلال طالما أنني أوكلت البنك ليستثمر عني".

وعلى عكس طنطاوي، رأى شيخ الأزهر الأسبق الراحل عبد الحليم محمود (1910-1978) أن كل فوائد البنوك حرام، وقال في لقاء تلفزيوني: إن الله قال في كتابه الكريم "أحل الله البيع وحرم الربا"، وكل قياس يحاول أن يخرج ما قاله الله تعالى عن سياقه هو قياس فاسد.

ومن بين الذين أفتوا بحرمة شهادات الاستثمار وفوائد البنوك الداعية الشهير ووزير الأوقاف الأسبق محمد متولي الشعراوي. وانتقد الشعراوي من يحلون فوائد البنوك بذريعة مقتضيات العصر، وقال "لا يجوز لعالم مطلقا أن يقول يجب أن نعيش العصر، فهذا يعني أن العصر هو المشرع وليس الدين".

ووجّه الشعراوي رسالة لمن حلل بعض صور المعاملات البنكية في غير البنوك الإسلامية، قائلا "سنحترم رأيكم جدلا مع أن جمهور العلماء حرم فوائد البنوك، وبما أن هناك فريقا يحرم وفريقا يحلل فهذا يعني أنه أمر مشتبه فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم لم يترك قضية الاشتباه، وقال الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فمن ترك ما شبه له فقد استبرأ لدينه وعرضه".

وهذا ما ذهب إليه أستاذ الحديث بجامعة الأزهر ورئيس الجامعة السابق الدكتور أحمد عمر هاشم، الذي كرر ما قاله الشيخ الشعراوي من أن هناك فريقا أحلّ فوائد البنوك باعتبارها أمرا مستحدثا لم يكن موجودا أيام النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك من حرمها، مضيفا في تصريحات متلفزة "نحن نقف في المنتصف ونرى أن فوائد البنوك من الأمور المشتبهات التي دعانا الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اجتنابها".

المصدر : الجزيرة