قطع منهوبة تعرضها متاحف شهيرة.. تحقيقات فرنسية تعيد فتح ملف سرقة الآثار المصرية وتهريبها

آثار مصرية في متحف اللوفر أبو ظبي (غيتي)

القاهرة – "كيف حصل متحف اللوفر في أبو ظبي على 5 قطع أثرية مصرية مهربة بشكل غير قانوني؟"، تساؤل مثير تسعى السلطات الفرنسية للوصول إلى إجابته في إطار تحقيقات بقضية الاتجار بآثار منهوبة من عدة دول بينها مصر، وهو ما يعيد فتح الملف الأوسع حول نهب وتهريب الآثار المصرية.

وذكرت صحيفة "لو كانار إنشينيه" (Le Canard enchaine) الفرنسية الأسبوع الماضي، أن السلطات الفرنسية تسلمت ألمانيا من أصل لبناني يملك معرضا للتحف في مدينة هامبورغ، لضلوعه في عمليات اتجار بالآثار المنهوبة.

ووجه القضاء الفرنسي للمشتبه به تهم "الاحتيال ضمن عصابة منظمة وتشكيل عصابة إجرامية وتبييض أموال ضمن عصابة منظمة"، وتم وضعه قيد التوقيف الاحتياطي.

وكشفت الصحيفة أن تحقيقات الهيئة المركزية لمكافحة الاتجار بالممتلكات الثقافية، تركز على معرفة ظروف حصول متحف اللوفر في أبو ظبي -عن طريق الألماني صاحب المعرض- على 5 قطع أثرية أُخرجت بشكل غير قانوني من مصر، وتبلغ قيمتها عشرات ملايين اليوروهات.

وسبق أن وجهت محكمة فرنسية في يونيو/حزيران 2020 اتهامات مماثلة للخبير الفرنسي في آثار منطقة المتوسط وعضو جمعية المصريات الفرنسية "كريستو كونيكي" وشريكه "ريشار سمبير"، للاشتباه في قيامهم بغسل قطع أثرية منهوبة من دول عدة شهدت عدم استقرار سياسي منذ 2010، لا سيما مصر وليبيا واليمن وسوريا.

ويشتبه في أن المتهمين قاموا بتمويه أصل هذه القطع وتاريخها، لبيعها بعد ذلك بطريقة شرعية إلى أفراد، أو مؤسسات ثقافية مثل متحف اللوفر في أبو ظبي ومتحف متروبوليتان في نيويورك.

وتورط الخبير الفرنسي كونيكي وشريكه في بيع ناووس (تابوت حجري) أثري إلى متحف متروبوليتان عام 2017 بنحو 4 ملايين دولار، ثم اتضح لاحقا أنه منهوب من مصر بعد عام 2011.

وأظهرت التحقيقات وقتها أن الناووس -الذي كان القطعة الرئيسية في معرض للمتحف الأميركي- تم تهربيه عبر دبي إلى ألمانيا ومنها إلى باريس قبل بيعه لمتروبوليتان، بواسطة وثائق مزورة بما في ذلك رخصة تصدير مصرية مزورة بتاريخ 1971، وقد أعيد رسميا إلى مصر عام 2019.

ضجة اللوفر   

تعيد تفاصيل القضية إلى الأذهان من جديد الجدل الواسع الذي ثار عام 2017 عند افتتاح معرض اللوفر في أبو ظبي والإعلان عن وجود عشرات القطع الأثرية المصرية، وما أثير مؤخرا من مزاعم عن تورط السفير الإماراتي في القاهرة في قضية "الآثار الكبرى" والمتهم فيها شخصيات مصرية مشهورة.

ففي سبتمبر/أيلول 2017 ومع الدعاية الكبيرة التي سبقت افتتاح متحف اللوفر أبو ظبي، تبين وجود عشرات القطع الأثرية المصرية ضمن المعروضات، وهو ما أثار ضجة واسعة في مصر وسط تساؤلات عن كيفية وصول تلك القطع إلى هناك، سواء عن طريق التهريب أو من خلال وزارة الآثار.

المسؤولون المصريون نفوا وقتها أن تكون القاهرة قد أرسلت أي قطع أثرية للعرض في المتحف، ولكنهم دافعوا في الوقت ذاته عن وجود القطع الأثرية في المتحف، بدعوى أن اللوفر أبو ظبي استعار 600 قطعة من متحف اللوفر الفرنسي بينها قطع مصرية، وفق تصريحات وزير الآثار خالد العناني وقتها.

وذكرت مصادر أخرى أن المتحف قام باستعارة قطع أثرية مصرية من 10 متاحف أخرى في فرنسا. لكن التحقيقات التي تجريها السلطات الفرنسية حاليا، تشير إلى أن المتحف يمتلك بالفعل قطعا خرجت من مصر بشكل غير قانوني.

وفي منتصف العام الماضي، تحدثت تقارير صحفية عن ورود اسم السفير الإماراتي بالقاهرة حمد سعيد الشامسي، فيما يعرف إعلاميا في مصر بقضية الآثار الكبرى، المتهم فيها رجل الأعمال المصري حسن راتب، والنائب البرلماني السابق علاء حسنين، بتمويل وتهريب الآثار، وينتظر الحكم في القضية في 21 أبريل/نيسان المقبل.

وهو الأمر الذي ذكره الدبلوماسي المصري السابق محمد مرسي، في صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الذي أكد خلالها تورط السفير الإماراتي بمصر بالقضية وأنه تم ترحيله من مصر لهذا السبب، ثم قام بحذف المنشور بعد ذلك.

وتداول مغردون وثائق قالوا إنها اعترافات المتهمين أمام النيابة والتي تضمنت اسم السفير الإماراتي، فضلا عن صور السفير مع المتهمين خلال جلسات خاصة، ونشر بعضهم أخبارا سابقة وصورا للسفير الإماراتي مع أحد المتهمين خلال رحلات لمناطق أثرية.

وقتها لم تعلق السلطات المصرية أو الإماراتية على الواقعة، رغم الإعلان رسميا عن تعيين مريم خليفة الكعبي سفيرة جديدة للإمارات لدى مصر في 16 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

نزيف الآثار

وتعاني مصر من عمليات واسعة لنهب وتهريب الملايين من آثارها منذ عشرات السنين. وازدادت هذه الجرائم عقب الانفلات الأمني الذي أعقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، ونُهبت آثار من متاحف ومساجد ومخازن، بخلاف عمليات التنقيب السري التي يقوم بها مواطنون.

ويرجع بعض المختصين تزايد جرائم نهب الآثار إلى ضعف تطبيق القوانين ومشاركة شخصيات نافذة في عصابات وتهريب الآثار، فضلا عن ضعف نظم الحراسة على الكثير من الأماكن الأثرية، وعدم تسجيل وتوثيق آلاف القطع الأثرية المكدسة في مخازن كثيرة على امتداد البلاد.

وتشير أرقام وزارة الآثار المصرية إلى أن أكثر من 32 ألفا قطعة أثرية فقدتها مصر على مدار أكثر من 50 عاما، وهي تشير إلى الآثار المسجلة فقط، بينما ذكر وزير الآثار الأسبق زاهي حواس في تصريحات صحفية أن ثلث الآثار المصرية منهوبة، وتستغلها الدول الأجنبية في جذب السياحة إليها وتحقيق دخل جيد.

في حين قدر في تصريحات سابقة أن 30% من آثار مصر فقدت منذ عام 2011، وتقدر قيمتها بـ3 مليارات دولار.

وتقدر بعض التقارير والإحصاءات غير الرسمية حجم سوق تجارة الآثار في مصر بحوالي 20 مليار دولار سنويا، وأشارت دراسة للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي)، إلى أن هناك ما يقرب من 3 آلاف قضية تنقيب واتجار في الآثار تُسجل كل عام.

وتشير وقائع العديد من القضايا إلى تورط دبلوماسيين أجانب في عمليات التهريب كما حدث في واقعة تهريب 21 ألفا و855 قطعة أثرية ضبطتها إيطاليا عام 2018، واتهمت مصر القنصل الإيطالي السابق في مدينة الأقصر "لاديسلاف أوتكر سكاكال" بالمشاركة في سرقتها وتهريبها للخارج، وأحيل للمحاكمة الغيابية، وحكم بسجنه 15 عاما.

واتهم وزير الآثار في تصريحات صحفية سابقة دولا لم يسمها برعاية تجارة الآثار، مشيرا إلى أن العديد من المتاحف تعرض أثارا دون إظهار أى مستندات ملكية لهذه القطع.

محاولات للاسترداد

تقول وزارة الآثار المصرية إنها تتابع كافة المزادات العالمية، والمواقع الإلكترونية الخاصة ببيع وتجارة الآثار، وتتواصل مع أصحابها للمطالبة بشهادات رسمية تثبت ملكية الآثار المعروضة، وإذا لم يتم تقديم شهادة الملكية يعتبر الأثر مسروقا أو مهربا، وتبدأ محاولات استعادته، وفقا لتصريحات مدير إدارة الآثار المستردة شعبان عبد الجواد لوسائل إعلام محلية.

لكن في حالات أخرى صرح مسؤولون بأنهم يكتفون بمقارنة معروضات المزادات بالقطع المفقودة من مصر، وإذا لم تكن ضمنها فلا يتم اتخاذ إجراءات بشأنها.

وتعلن القاهرة من حين إلى آخر استرداد قطع أثرية مسروقة ومهربة، ولكن تواجه عملية استرداد الآثار غالبا صعوبات بالغة، خاصة أن الجهات المالكة ودولها تشترط بدورها على مصر إثبات ملكيتها، أو خروجها بطريقة غير مشروعة.

ويلجأ البائعون عادة إلى وثائق قد لا يمكن التأكد من صحتها، تزعم خروج هذه القطع من مصر قبل اتفاقية اليونسكو بشأن حظر استيراد وتصدير ونقل ملكية الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، والتي وقعتها مصر عام 1970، وأيضا قبل صدور قانون حماية الآثار المصري عام 1983.

نهب مشروع

وكانت القوانين المصرية قديما تعطي بعثات التنقيب الأجنبية الحق في الحصول على نصف الآثار المكتشفة، في وقت كانت فيه تجارة الآثار مشروعة، حتى أن بازار المتحف المصري بالقاهرة كان يبيع الآثار المكررة.

وظل استنزاف الآثار المصرية إلى الخارج متواصلا بشكل رسمي، حتى صدور قانون حماية الآثار 117 لسنة 1983 الذي حظر تجارة الآثار، وخفض النسبة التي تحصل عليها البعثات الأجنبية من الآثار المكتشفة إلى 10% بشرط التكرار، ولأغراض البحث العلمي والعرض المتحفي فقط.

وفي فبراير/شباط 2010 تم تعديل القانون لتصبح جميع الآثار المكتشفة ملكا للدولة.

وفي 2018 تم تغليظ عقوبات نهب وتهريب الآثار، لتصل عقوبة القيام بأعمال التنقيب عن الآثار دون ترخيص إلى السجن مدة تتراوح بين 3 و7 سنوات، وبغرامة بين نصف مليون ومليون جنيه، في حين تصل عقوبة تهريب الآثار للخارج إلى السجن المؤبد، وغرامة لا تقل عن مليون جنيه، ولا تزيد على 10 ملايين جنيه (الدولار حوالي 18.50 جنيها).

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي

إعلان