كلف خزينة الدولة 24 مليار دينار.. لهذه الأسباب البرلمان العراقي شبه معطل منذ 74 يوما

Iraqi speaker of Parliament Mohammed al-Halbousi attends the parliament headquarters in Baghdad
جلسة للبرلمان العراقي الجديد (رويترز)

بغداد – مر 74 يوما على انعقاد أولى جلسات مجلس النواب العراقي الجديد، وانتخاب محمد الحلبوسي رئيسا له، إلا أن البرلمان لم يعقد سوى 3 جلسات كانت اثنتان منها تخص الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية.

وعقد مجلس النواب الجديد جلسته الأول، في التاسع من يناير/كانون الثاني الماضي، فيما انتخب محمد الحلبوسي رئيسا له في نفس الجلسة، عقب فوضى ومشادات كلامية كانت أبرز الملامح السائدة بين نواب الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي.

النائب باسم الغرابي / المكتب الاعلامي
الغرابي يرى أن الخلافات حول تشكيل الحكومة هي من تعطل مجلس النواب (الصحافة العراقية)

من يتحمل المسؤولية؟

الخارطة السياسية والاتفاقيات الخاصة بشأن تشكيل الحكومة هي من تقف وراء تعطيل دور مجلس النواب التشريعي خلال الفترة الماضية، هذا ما أكده عضو مجلس النواب النائب المستقل باسم الغرابي، في حديث للجزيرة نت.

وأضاف أن قرار النواب المستقلين أصبح سلاحا ذا حدين، كون أن أي قرار يتخذوه سيكون بمحل محاسبة أمام جمهورهم الذي منحهم فرصة لتمثيلهم في مجلس النواب.

وتابع النائب المستقل، قائلا إن هناك نوابا مستقلين تنازلوا وخضعوا لاتفاقات سياسية للانضمام إلى الكتل الكبيرة بعد وعود بتسلمهم رئاسة لجان في البرلمان أو مناصب عليا في الحكومة المقبلة.

وأشار الغرابي إلى أن عدم وضوح خارطة التحالفات منذ الجلسة الأولى للبرلمان كان أيضا من الأسباب التي أدت إلى هذه الأزمة، خصوصا بعد إعلان التحالف الثلاثي (بين كل من التيار الصدري وتحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني).

ويرى أن مستقبل العملية السياسية في العراق غير واضح إلى الآن، وهذا ما يعيق اتخاذ القرار الصحيح بالنسبة للنواب المستقلين بشأن التصويت على مرشحي رئاستي الجمهورية والوزراء.

وقد اخفق البرلمان العراقي بعقد جلسته الخاصة بانتخاب رئيس للجمهورية خلال فبراير/شباط الماضي، بعد إعلان كتل برلمانية ونواب مستقلين مقاطعتهم لها، وتستوجب جلسة الانتخاب حضور 220 عضوا (أي الثلثين من أصل 329 إجمالي عدد الأعضاء) ولم يحضر سوى 58 نائبا.

جواد عزا إحباط الشعب تجاه البرلمان لعدة أسباب (الجزيرة نت)

3 أسباب لعدم عقد جلسات نيابية

وفي هذه الأثناء، قال الباحث السياسي العراقي مهند جواد إن الإرباك السياسي بشأن تشكيل الحكومة الجديدة انعكس سلبا على أداء مجلس النواب.

وأضاف أن هناك أسبابا عديدة وراء عدم عقد جلسات نيابية خاصة تبحث مشكلات الشارع، أبرزها عدم وضوح الخارطة السياسية لغاية الآن بشأن الحكومة الجديدة والتحالف بين الكتل الكبيرة والصغيرة.

وفي حديث للجزيرة نت، أشار إلى أن الدورات السابقة للبرلمان قد شهدت وجود اتفاقات سياسية حول ملامح الحكومة الجديدة سبقت عقد الجلسة الأولى وانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه.

وأوضح جواد أن السبب الآخر لهذه الأزمة يعود لتجديد الثقة لرئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، والتي سجلت عليه العديد من الملاحظات الخاصة خصوصا بعد إخفاق البرلمان السابق بمحاسبة أي مسؤول كانت تدور شبهات الفساد حوله.

وختم المحلل السياسي حديثه بالقول إن السبب الثالث يعود لعدم اهتمام أعضاء مجلس النواب بمشكلات الشارع كالمشاريع الخدمية وإعادة تأهيل البنى التحتية وملف العاطلين، وغيرها من الموضوعات التي دفعت المواطنين للخروج في مظاهرات حاشدة عام 2019.

وفي 15 مارس/آذار الجاري، حدد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي السبت المقبل (26 مارس/آذار الجاري) جلسة انتخاب رئيس الجمهورية.

وتتجه أنظار الشارع العراقي إلى جلسة البرلمان السبت المقبل، وسط مطالبة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر للنواب المستقلين، والذين يزيد عددهم على 40 نائبا، للمشاركة في الجلسة واتخاذ موقف صريح إزاء التصويت على مرشح رئاسة الجمهورية.

النائب حيدر المطيري
المطيري لفت إلى أن مخصصات تحسين المعيشة للنواب ألغيت بقرار البرلمان السابق عام 2019 (الصحافة العراقية)

أرقام صادمة

انعقاد 3 جلسات رسمية خلال شهرين ونصف دفع الجزيرة نت لسؤال أعضاء مجلس النواب العراقي عن رواتبهم، حيث قال عضو مجلس النواب المستقل حيدر المطيري إن الراتب الذي يتسلمه عضو مجلس النواب العراقي يقدر بـ 8 ملايين دينار (5500 دولار) اسمي (أساسي)، إضافة إلى مخصصات المنصب.

المطيري، أشار إلى أن "مخصصات تحسين المعيشة ألغيت كما جاء في قرار البرلمان السابق عام 2019، في حين يوفر البرلمان الآن مبلغا يقدر بـ 3 ملايين دينار عراقي (2062 دولارا) لاستئجار منزل في العاصمة بغداد".

وأوضح أن "القانون في مجلس النواب يتيح لكل عضو في البرلمان استقدام 16 فرد حماية براتب يتجاوز المليون دينار (688 دولارا) لكل واحد، مما يعني أن تكلفة الحماية تتجاوز الـ 16 مليونا (11 ألف دولار)".

وتحدث المطيري، قائلا إن المجلس يوفر أيضا لكل نائب خط هاتف خاصا وبرصيد لا حدود له لغاية انتهاء الدورة النيابية.

هذا وسبق لعلاء الركابي رئيس "حركة امتداد" أن تحدث في يناير/كانون الثاني الماضي عن رواتب أعضاء مجلس النواب، في بيان رسمي، مبينا أنهم يتقاضون راتبا يصل إلى 30 مليون دينار (20 ألف و620 دولارا) شهريا موزعا على النحو الآتي:

أولا: راتب اسمي (أساسي) يقدر بـ 4 ملايين دينار.

ثانيا: مخصصات منصب تقدر بـ 2 مليون دينار.

ثالثا: بدل إيجار سكن يقدر بـ 3 ملايين دينار.

رابعا: مخصصات شهادات وتكون: 100% لحملة شهادة الدكتوراه من الراتب الاسمي، و75% لحملة شهادة الماجستير، و45% لحملة شهادة البكالوريوس، و35% لحملة شهادة الدبلوم.

خامسا: مخصصات وقود عجلات تقدر بمليون دينار.

سادسا: راتب حمايات يصل إلى 16 مليونا وأكثر من 320 ألف دينار.

وبالتالي ووفقا للمعطيات التي قدمها الركابي، فإن إجمالي الرواتب والمخصصات التي يتقاضها النواب شهريا تبلغ (30 مليونا × 329 نائبا = 9 مليارات و870 مليون دينار (6 ملايين و782 ألف دولار) شهريا على الأقل.

وعند حساب عمر مجلس النواب الجديد من تاريخ انتخاب رئيس مجلس النواب التاسع من يناير/كانون الثاني 2022، إلى غاية الآن، فقد مر 74 يوما عقد البرلمان خلاله 3 جلسات فقط.

وبالتالي فإن رواتب ومخصصات أعضاء مجلس النواب العراقي كلفوا خزينة الدولة نحو 24 مليار دينار (16.5 مليون دولار) خلال 74 يوما.

رئيس مركز التفكير السياسي د. (إحسان الشمري (الجزيرة نت)
الشمري اعتبر أن تعطل مجلس النواب يدلل على أن القوى السياسية التقليدية لا تزال تسيطر عليه (الجزيرة نت)

المسيطرون على البرلمان

وفي المقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري في حديث للجزيرة نت إن عدم عقد مجلس النواب العراقي الجديد لجلساته وعدم حسم التصويت على منصب رئاسة الجمهورية يدل على أن القوى السياسية التقليدية لا تزال تسيطر على البرلمان.

وأضاف أن المؤشرات الحالية تتجه نحو عدم قدرة البرلمان على تقديم أداء نيابي جديد يلبي طموح الشارع العراقي خصوصا أن انتخابه جاء عقب مظاهرات شعبية كبيرة.

ويرى الشمري، أن المعطيات بعد مرور نحو 3 أشهر على عمر البرلمان الجديد تشير إلى الدورة الحالية ستكون دون مستوى الطموح وقد تكون أقل من مستويات الدورات السابقة.

وأوضح أن النواب المستقلين في مجلس النواب غير قادرين على تقديم الإضافة المنتظرة لجمهورهم، لذلك تبقى المؤسسة التشريعية في العراق رهن الإرادات السياسية لا الشعبية.

تعليق قضائي

وازدادت في الآونة الأخيرة الأصوات المطالبة للقضاء العراقي بحل مجلس النواب في حال إخفاقه بانتخاب رئيس الجمهورية السبت المقبل، ما أجبر مجلس القضاء الأعلى على إصدار توضيح رسمي بشأن ذلك.

وفي بيان رسمي، تلقت الجزيرة نت نسخة منه، أكد المجلس أن "العراق بلد دستوري ونظامه السياسي وآليات تشكيل السلطات فيه قائمة على أساس المبادئ والأحكام التي حددها دستور جمهورية العراق لسنة 2005، المنبثق عن إرادة الشعب العراقي، الذي اختار نظامه السياسي وفق الشكل المنصوص عليه في الدستور".

وأضاف البيان القضائي، أن "معالجة الإشكاليات السياسية تتم وفقا للأحكام الدستورية فقط، ولا يجوز لأي جهة سواء كانت قضائية أو غيرها، أن تفرض حلا لحالة الانسداد السياسي، إلا وفق أحكام الدستور".

وأوضح أن "آليات حل مجلس النواب مقيدة بنص المادة 64 من الدستور، وملخصها أن المجلس يحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بخيارين لا ثالث لهما، الأول بناء على طلب من ثلث أعضائه والثاني بناء على طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية.

وأنهى البيان بقوله "من هذا النص يتضح جليا عدم امتلاك أي جهة أخرى بما فيها القضاء بشقيه العادي والدستوري صلاحية حل مجلس النواب لعدم وجود سند دستوري أو قانوني لهذا الإجراء".

المصدر : الجزيرة