ما يقبله زيلينسكي قد لا يقبله بايدن.. واشنطن ومعضلة المفاوضات الروسية الأوكرانية
واشنطن- قبل ساعات من سفره إلى بروكسل لحضور قمة طارئة لحلف شمال الأطلسي لمناقشة الإجراءات التي يمكن للحلف اتخاذها لمواجهة روسيا، لا يُظهر الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته موقفا واضحا داعما أو معارضا للمفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني الساعية للتوصل لتسوية تسمح بوقف القتال.
ومنذ بدء حرب روسيا على أوكرانيا قبل نحو شهر، فشلت 4 جولات من المفاوضات المباشرة بين ممثلي الطرفين في التوصل لتسوية، في الوقت الذي تشدد فيه واشنطن عقوباتها على موسكو مع التركيز على تدفق الأسلحة والإمدادات الإنسانية والمساعدات المالية إلى كييف.
اقرأ أيضا
list of 4 itemsما تداعيات الحرب الروسية على الاقتصاد العالمي؟ وهل تتمكن أوكرانيا من تسديد ديونها؟.. خبير دولي يجيب
لوفيغارو: هل ثمة خطوط حمر لو تجاوزتها روسيا لدخل الأوروبيون الحرب.. وما هي؟
مقال بواشنطن بوست: قواعد بايدن الثلاث للحرب في أوكرانيا تعمل بنجاح
وفي حديث للجزيرة نت، قال ستيف بايفر خبير الشؤون الأوروبية ونزع السلاح بمعهد بروكينغز "أظن أن واشنطن تدعم المفاوضات الجارية من حيث المبدأ، لكنني أشك كثيرا في أن المسؤولين الأميركيين سيحثون الرئيس (فولوديمير) زيلينسكي على قبول مطالب موسكو المتطرفة، وسيتعين على زيلينسكي أن يقرر ما يمكن لأوكرانيا أن تقبله وما لا يمكنها قبوله".
حاجة أوكرانيا لوقف القتال
ويرى الضابط السابق بالجيش الأميركي والخبير حاليا بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بيل روجيو، أن على واشنطن ألا تخدع نفسها وتروج لاحتمال انتصار الأوكرانيين في القتال.
وفي مقال على موقع المؤسسة، كتب روجيو "لا ينبغي للغرب أن يخدع نفسه بالاعتقاد بأن الأوكرانيين سيتم إنقاذهم بالأماني. يستخدم الجيش الروسي مزيجا من المناورات وإستراتيجيات الحصار، في محاولة لتحقيق هدفه المتمثل في كسر الجيش والحكومة الأوكرانية والسيطرة على مناطق شاسعة من البلاد".
ويرى روجيو أنه عندما يبدي الأوكرانيون مقاومة شديدة في المدن، فإن القوات الروسية تتجاوزهم لتأخذ أهدافا رئيسية أخرى، بينما يحاول الروس في الوقت نفسه تطويق المدن وضربها بضربات جوية ومدفعية لإخضاعها.
واعتبر أن ما ذكره الرئيس الأوكراني زيلينسكي بخصوص مستقبل انضمام بلاده إلى حلف الناتو، ما هو إلا انعكاس للحالة الحقيقة للدفاعات الأوكرانية.
وكان زيلينسكي قد كرر لعدد من الصحفيين الأجانب بكييف قبل أيام، رغبته في الحديث للرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل البحث في تسوية تُوقف القتال، وقال "أحتاج إلى التحدث إلى بوتين، يحتاج العالم إلى التحدث إلى بوتين، لا توجد طريقة أخرى لوقف هذه الحرب".
كما أكد خلال مقابلة مع شبكة سي إن إن (CNN) يوم الأحد الماضي، استعداده النظر في بعض التنازلات لروسيا من أجل المساعدة في إنهاء النزاع، بما في ذلك قبوله بسياسة الحياد إذا تم ربطها بضمانات أمنية قوية.
وتسببت إشارة زيلينسكي لقبول وضع الحياد في انزعاج كبير بين المسؤولين الأميركيين، طبقا لمصدر في الكونغرس تحدث لشبكة سي إن إن حول الموضوع.
شروط روسية قاسية
وطرحت موسكو عدة مطالب لتحقيق وقف لإطلاق النار مع أوكرانيا، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:
- أولا: حياد أوكرانيا، بمعنى موافقتها على عدم الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) في المستقبل.
- ثانيا: نزع سلاح أوكرانيا مع احتفاظها بجيش صغير، وتوفير ضمانات أمنية متبادلة في سياق النموذج النمساوي.
- ثالثا: العملية التي يشير إليها الجانب الروسي باسم "إزالة النازية".
- رابعا: اعتراف أوكرانيا بشبه جزيرة القرم أراضي تابعة لروسيا، والاعتراف باستقلال جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في شرق أوكرانيا.
ويرى زيلينسكي أنه "إذا كانت هناك فرصة بنسبة 1% فقط لنا لوقف هذه الحرب، فأعتقد أننا بحاجة إلى اغتنام هذه الفرصة، ونحن بحاجة إلى أن نفعل ذلك". ويرى الكثير من المعلقين أنه إذا استمرت القوات الأوكرانية في الأداء الجيد، فسوف يضطر بوتين إلى قبول تنفيذ بعض مطالبه وليس كلها، وعلى العكس من ذلك، إذا حققت القوات الروسية تقدما عسكريا كبيرا، فسيكون بوتين قادرا على تحقيق أغلب مطالبه.
عقوبات واشنطن جزء من التسوية
ولا يتصور أن يوافق الجانب الروسي على أي تسوية تهدف لوقف القتال وسحب قواته دون رفع العقوبات التي فرضتها واشنطن والغرب عليه.
من جانبه، طالب جيمس أكتون المدير المشارك لبرنامج السياسة النووية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، واشنطن بدعم الرئيس الأوكراني زيلينسكي في مفاوضاته الشاقة مع الروس، بإعلانها الموافقة غير المشروطة على ما يوافق عليه الرئيس الأوكراني.
وبعثت واشنطن وحلفاؤها برسائل مختلطة بشأن تخفيف العقوبات الروسية، فقد أشارت وكيلة وزارة الخارجية فيكتوريا نولاند إلى انفتاحها عليها خلال إفادة أمام لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
ويشير أكتون إلى أنه حتى في أفضل الأحوال، إذا أراد زيلينسكي التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، فمن المرجح أن يضطر إلى تقديم تنازلات كبيرة لروسيا، كما اعترف هو بذلك، ومن المحتمل أن يعارض الكثيرون في الولايات المتحدة وأوروبا بشدة أي تنازلات من هذا القبيل.
ويقول أكتون "في نهاية المطاف، على الرغم من ذلك، فهي ليست قضيتهم ولا شعبهم الذي يعاني، وسينبغي على الحكومة الأوكرانية المنتخبة ديمقراطيا أن تقرر الثمن الذي ترغب في دفعه لوضع حدّ لتدمير بنيتها التحتية الأساسية وسلامة مواطنيها والحفاظ على وجود أوكرانيا دولة ذات سيادة".
ويرى أكتون أن زيلينسكي لا يستطيع إنهاء الحرب من دون دعم واشنطن، فالعقوبات الاقتصادية على روسيا تعزز موقفه على طاولة المفاوضات، من خلال رفع التكاليف التي تتحملها روسيا لمواصلة القتال. ولكن على نفس المنوال، من غير المتصور عمليا أن توافق روسيا على تسوية دون تخفيف العقوبات. ولهذا السبب، يجب أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها مستعدين لرفع العقوبات -بما في ذلك المفروضة على البنك المركزي الروسي- إذا تفاوضت روسيا وأوكرانيا على اتفاق تسوية وبُدء في تنفيذه.
رمادية الموقف الأميركي
علنا، لا تضغط واشنطن على أوكرانيا لقبول أو رفض تنازلات محددة، ولا تشارك في عملية التفاوض، إلا أن الكثير من المعلقين الأميركيين يشككون في مصداقية رهان موسكو على المفاوضات.
ولا ترى واشنطن حتى الآن أي مؤشر على أن الرئيس بوتين مستعد لخفض تصعيد الصراع، مما يجعل من الصعب على المسؤولين الأميركيين أن يكونوا متفائلين بشأن الوضع الحالي للمفاوضات.
وفي لقاء تلفزيوني يوم الأحد الماضي، رفضت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد وضع شروط بشأن ما ستقبله واشنطن أو لا تقبله، عندما يتعلق الأمر باتفاق بين أوكرانيا وروسيا لإنهاء القتال.
وفي حديث لشبكة سي إن إن، أكدت غرينفيلد أن "هذا الأمر متروك للأوكرانيين أنفسهم ليقرروا ما هو مناسب لهم، والقرار لهم وليس قرارنا، نحن نؤيد جهودهم".