أهداف القاهرة ومصالح واشنطن.. لماذا تأخرت مقاتلات "إف 15" الأميركية عن مصر 40 عاما؟
الخبير الأمني اللواء محمد عبد الواحد يرى أن المصالح لها الأولوية لدى واشنطن من ملفات حقوق الإنسان، لتحقيق مبيعات لشركاتها

القاهرة – تعتزم الولايات المتحدة بيع مقاتلات "إف 15" (F15) المتطورة إلى القاهرة، بعد قرابة 40 عاما من المساعي المصرية بهذه الشأن، وقوبلت رفض أميركي وعرقلة إسرائيلية. فلماذا تأخرت الصفقة التاريخية كل هذه المدة، وما هي الأسباب التي دفعت واشنطن لتلبية طلبات مصر؟
في جلسة استماع بالكونغرس الأميركي الأسبوع الماضي، أعلن قائد القيادة المركزية فرانك ماكنزي أن بلاده تعتزم بيع "إف 15" لمصر، على الرغم من وجود هواجس لدى واشنطن بشأن سجل القاهرة على صعيد حقوق الإنسان.
وفيما أشار ماكنزي إلى مسار طويل وشاق تم اجتيازه بهذه الصفقة، لم يعط الجنرال الأميركي الرفيع أي تفاصيل حولها والتي تتطلب موافقة وزارة الخارجية.
ويأتي هذا التحول بعد قرابة شهرين من إعلان الخارجية الأميركية موافقتها على صفقتي بيع معدات عسكرية لمصر بقرابة 2.5 مليار دولار تشمل طائرات نقل وأنظمة رادار، في ظل انشغال واشنطن بحقوق الإنسان المصري في الوقت ذاته.
كما أن الصفقة تأتي في وقت تشهد فيه العلاقات بين القاهرة وتل أبيب تقاربا ملحوظا، بعد أن كان إسرائيل السبب الرئيسي في عرقلة حصول مصر على هذه المقاتلة الأميركية.
وفيما لا يزال بعض المشرعين الأميركيين يعارضون استمرار بلادهم في تسليح مصر بسبب سجلها الحقوقي، يرجح مراقبون أن الصفقة ستتم في النهاية لعدة شواهد.
وأبرز هذه الشواهد المصالح الأميركية والنظر إلى مصر كحليف إستراتيجي، وتوقعات باستخدام الصفقة في تأمين الملاحة عند باب المندب بالبحر الأحمر، ووسيلة ردع لأي تهديدات محتملة.
لماذا تأخرت 40 عامًا؟
جاء الإعلان عن الصفقة المحتملة بشكل مفاجئ دون أن تعلن عنها مصر رسميا، كما لا يعرف حجمها. وكانت القاهرة تسعى إليها منذ قرابة 40 عاما، وهي مقاتلات لا تمتلكها بالمنطقة سوى إسرائيل والسعودية، كما انضمت إليهما مؤخرا قطر.
وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح الخبير بالأمن القومي والعلاقات الدولية اللواء محمد عبد الواحد أن مصر تطالب بمقاتلات "إف 15" منذ ثمانينات القرن الماضي، حيث كانت بداية فكرة تصنيعها في السبعينيات ثم انضم إلى التصنيع شركة بوينغ الأميركية.
وقال عبد الواحد إن مصر ظلت تطالب بالمقاتلة ذات القدرات العالية، لكن الإدارة الأميركية كانت دائمة الحرص على توازن التسليح بالشرق الأوسط لصالح إسرائيل، لكي تكون الأخيرة الأكثر تسليحا وقدرة عن المنطقة العربية بالكامل.
وأضاف أن التكنولوجيا العالية لا تقدمها واشنطن بسهولة إلا بعد مضي زمن عليها، فقديما كانت "إف 15" حلما، لكن الآن قد تكون متواضعة أمام مقاتلات الجيل الخامس من نوعية "إف 35".
ومتفقا مع الطرح السابق، قال الصحفي المصري المتخصص بالعلاقات والسياسة الدولية عبد الرحمن يوسف، وهو مقيم بواشنطن، إن المسألة لم يكن تأخرا بل عدم وجود رغبة أميركية في وجود توازن عسكري بين إسرائيل الحليفة البارزة ومصر، وكانت الأخيرة خارجة للتو من حرب 1973 بانتصار أبهر العالم.
وحول دلالة توقيت الإعلان عن الصفقة، أوضح يوسف أنها ربما تأتي -وفق المعلومات والمعطيات المتاحة- في سياق محاولة أميركية لبناء محاور اصطفاف ضد روسيا أولا ثم الصين لاحقا، وبالتالي استخدام "العصا والجزرة" بمنع مصر من تنويع التسليح مع روسيا، أو حتى للتأثير على علاقات القاهرة وموسكو التجارية.
وفي مسألة العصا، تطرق يوسف إلى أن الولايات المتحدة قد تطبق -على الدول التي تتعاون مع خصومها بما فيها مصر- قانون مكافحة أعداء واشنطن من خلال العقوبات، والمعروف اختصارا باسم "كاتسا" (CAATSA).
وكانت تقارير غربية قد ذكرت أن القاهرة تراجعت مؤخرا عن صفقة ضخمة بلغت ملياري دولار تصنع بموجبها روسيا عدة مقاتلات من طراز "سوخوي 35" (Su 35) لمصر، خشية قانون كاتسا، في وقت لم يصدر عن القاهرة أو موسكو أي تعليقات بهذا الشأن.
مقاتلة السيادة الجوية
وحول أسباب الاهتمام المصري بمقاتلات "إف 15" أوضح اللواء عبد الواحد أن المقاتلة الأميركية:
- إضافة نوعية للجيش المصري، وبالتالي فرض السيادة الجوية في كافة معاركه المستقبلية.
- حينما تتعاون مع المنظمة الجوية التي تمتلكها مصر من مقاتلات "إف 16″ ورافال الفرنسية و"ميغ 29" وميراغ، تشكل مقاتلات النخب على أعلى مستوى.
- مقاتلات سريعة بعيدة المدى بقدرة تحليق تبلغ 3 آلاف كلم/ساعة، ولديها قدرة على المناورة والتحليق في مختلف الظروف وعلى ارتفاعات عالية، وإصابة تدميرية عالية في مختلف الظروف الجوية وفي الليل والنهار.
- مقاتلة ثنائية المحرك، تستطيع حمل حمولة كبيرة من الأسلحة تصل إلى 15 طنا من الأسلحة، و24 صاروخ جو جو وصاروخ جو أرض، وقنابل ذكية موجهة بالليزر والأقمار الصناعية.
- لها خاصية خلف مدى الرؤية، وقادرة على اختراق الحصون، وبها رادار حديث يجعلها قادرة على اختراق الدفاع الجوي، ومنها أنواع تحمل صواريخ هاربون (Harpoon) المضادة للسفن.
- قادرة على المهام المتعددة المتنوعة حيث تستطيع القتال والاعتراض الجوي والقصف الإستراتيجي والهجوم الأرضي.
- تستطيع تدمير البنية التحتية للعدو وهي مقاتلة السيادة الجوية/التفوق الجوي/الطائرة التي لا تخسر قتالا أبدا.
- مقاتلات "إف 15" مكملة وداعمة بالمعارك لـ "إف 35" لأن حمولة الأخيرة لا تتجاوز 3 أطنان رغم أنها الأحدث، ويصعب تصديرها لمصر الوقت الراهن.
الاستخدامات المصرية
أما عن الاستخدامات المصرية المحتملة للمقاتلة "إف 15" يرى عبد الواحد أنها قد تعود إلى:
- حرص مصر على التفوق الجوي والاهتمام بقوة ردع لأي دولة أو تنظيم يفكر بالمساس بأمنها القومي.
- نظرا لمداها الطويل الذي قد يصل إلى 6 آلاف كلم باستخدام خزانات الوقود الإضافية ويمكنها تحقق مهام كثيرة.
- الغرض الرئيسي للمقاتلة تأمين البحر الأحمر خاصة عند مضيق باب المندب الذي قد يشهد تهديدات لحركة الملاحة في قناة السويس.
- منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم عام 2014، ولدى مصر إستراتيجية تقوم على تنويع مصادر التسليح شرقا وغربا.
- لدى مصر إستراتيجية الردع، حيث إن المنطقة العربية تشهد مخاطر وتهديدات من دول الجوار الإقليمي، وبالتالي من الأولى أن يكون لديها جاهزية قتالية وتسليح قوي لأي تهديدات مستقبلية قد تؤثر على الأمن القومي.
مصالح تتخطى حقوق الإنسان
يرى عبد الواحد أن المصالح أكبر لدى واشنطن من ملفات حقوق الإنسان، لتحقيق مبيعات لشركاتها، وأشار إلى أن مصر أصبح لديها لوبي تعمل به داخل الولايات المتحدة أو من خلال العمل الرسمي أو شركات العلاقات العامة ولديها جاليات جيدة.
وأضاف أن بلاده تتفق مع دول أخرى لتحقيق مصالحها في واشنطن، وهي عوامل دفعت أميركا على الموافقة رغم ملف حقوق الإنسان الذي يفتح فقط في أوقات الأزمات وهو هامشي لدى واشنطن.
يشار إلى أن مصر وقعت أواخر 2020 عقدا مع شركة للعلاقات العامة في الولايات المتحدة، بقيمة 65 ألف دولار شهريا، استباقا للفتور المتوقع آنذاك من قبل إدارة جو بايدن وسعيا لدعم موقفها.
بدوره، رأى الصحفي المتخصص بالسياسة الدولية أنه لم يكن هناك اقتناع أميركي جديد بأن المصالح أهم من ملفات حقوق الإنسان، في ضوء حديثها المتكرر عن حجب معونات عن مصر بهذا الإطار، بل هي قناعة قديمة.
وأوضح يوسف أن مسألة حقوق الإنسان جزء من الحالة الأميركية الخاصة بعد الحرب العالمية الثانية في مواجهة الشيوعية وبناء نظام عالمي، يقوم على القيم الليبرالية وحقوق الإنسان بالخطاب الرسمي، وبالتالي لم يكن هذا الملف في الصدارة بل هو أحد الأدوات، وهو سردية لا تأتي أبدا ضد المصالح الأميركية.
وعن تخوفات القاهرة، قال يوسف إن حجب المعونات عن مصر يأتي في هذا السياق، وحدث بمقدار ضئيل، وخلال الأيام الماضية أقرت الموازنة الأميركية بخصوص المساعدات لمصر ووضعت شروطا.
وأوضح أن الشروط الموضوعة على المعونة بها جزء لا يمكن التغاضي عنه في مسألة مدى التزام مصر بحقوق الإنسان، وجزء آخر قد يتم التغاضي عنه حال ارتبط بمسألة الأمن القومي الأميركي.
وشدد الصحفي على أنه هذه النسب تبقى ضئيلة، لكنها أفضل من قبل حتى لو لم يكن هناك أي حجب مؤثر على العلاقات.
وتوقع كذلك إتمام الصفقة في كل الأحوال، حيث هناك شواهد كما حدث السنوات السابقة على إثر نشاط اللوبيات السعودية والإماراتية والإسرائيلية، والتي أوقفت تعليق المعونات الأميركية لمصر.
مع ذلك تبقى العلاقات العسكرية بين القاهرة وواشنطن إستراتيجية، ففي أعقاب قرار للإدارة الأميركية بحجب 130 مليون دولار من المعونة العسكرية بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان، قال قائد القيادة المركزية الأميركية ماكنزي، في فبراير/شباط الماضي، إن خفض المعونة العسكرية لا يمثل سوى جزء يسير من المساعدات التي تخصصها بلاده للقاهرة سنويا والبالغة 1.3 مليار دولار.