مناورة أم حاجة؟ ما الدوافع الإيرانية لتحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى الأدوية المشعة؟

أكثر من مليون إيراني يعانون أمراضا مستعصية وبحاجة ملحة إلى الأدوية المشعة (غيتي)

طهران- في الذكرى الأولى لإعلان الحكومة الإيرانية اعتزامها تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%، تسرب تقرير سري للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى وسائل إعلام غربية يؤكد استخدام إيران جزءا من احتياطيات اليورانيوم عالي التخصيب لإنتاج الأدوية المشعة.

في المقابل، أفادت وسائل إعلام إيرانية بصحة التقرير، مؤكدة أن طهران قامت بتحويل كميات من مخزون اليورانيوم المخصب بدرجة نقاء 60% إلى مادة أخرى، لإنتاج عنصر الموليبدينوم المستخدم في إنتاج الأدوية المشعة.

وعلى ضوء التقارير الواردة من العاصمة السويسرية بشأن دخول مفاوضات فيينا -الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي- مرحلة حاسمة، يرى مراقبون أن طهران استبقت بهذه الخطوة التوقيع على الاتفاق المحتمل، لتجعل نقل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى خارج البلاد أمرا مستحيلا.

حاجة ملحة

لكن شريحة أخرى من الإيرانيين تقول إن طهران سبق وأعلنت بوضوح أن الهدف من تخصيبها اليورانيوم بنسبة 60% هو تلبية حاجة البلاد إلى مواد مشعة تستخدم في علاج داء السرطان.

وكان الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي قد أوضح -قبل عام- أن بلاده تنوي تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى عنصر الموليبدينوم والأدوية المشعة في مفاعل طهران للأبحاث.

وفي السياق، يشير الرئيس السابق لمركز تنمية الطاقة الذرية في إيران حسين آبنيكي إلى أن أكثر من مليون مواطن يعانون أمراضا مستعصية وبحاجة ملحة إلى الأدوية المشعة، مؤكدا أن بلاده لن تنسى العقوبات الغربية عام 2009 على الأدوية المشعة التي كادت تودي بحياة العديد من المرضى.

Galleri cancer blood test
طهران أعلنت أن الهدف من تخصيبها اليورانيوم هو تلبية حاجة البلاد إلى مواد مشعة تستخدم في علاج السرطان (رويترز)

مسار مفاوضات فيينا

وعما إذا كانت الخطوة الإيرانية ستؤثر سلبا على مسار مفاوضات فيينا، يرى الباحث في الشؤون السياسية سياوش فلاح بور أن الخطوة تحد من إمكانية استخدام اليورانيوم عالي التخصيب في أغراض عسكرية، وبالتالي فإنها ستسهم في دفع المفاوضات إلى الأمام.

واعتبر فلاح بور -في حديثه للجزيرة نت- تحويل مقادير من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% إلى مادة ضرورية في إنتاج الأدوية المشعة إنما يدل على سلمية البرنامج النووي الإيراني، متهما الدول الغربية بالفبركة لملف كلف الشعب الإيراني غاليا خلال العقدين الماضيين.

واتهم القوى العالمية الكبرى التي تمتلك قنابل ذرية بازدواجية المعايير في التعامل مع البرنامجين النوويين الإيراني والإسرائيلي، مؤكدا أن بلاده التزمت بالاتفاق النووي المبرم عام 2015 حتى بعد عام من انسحاب الإدارة الأميركية السابقة منه، مما يثبت عزمها على خفض التوتر وتبديد هواجس المجتمع الدولي رغم حاجتها الماسة إلى تطويع الطاقة الذرية لأغراض طبية.

وخلص الباحث الإيراني إلى أن تحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى مادة قيمة تستخدم في الطب النووي يبعث برسالة عملية مفادها أن طهران تريد استخدام التقنية النووية لأغراض سلمية إلى جانب تطويعها للنهوض باقتصادها الذي لطالما عاني من تداعيات العقوبات المفروضة عليه لأكثر من 4 عقود.

ووفق الاتفاق النووي المبرم عام 2015، فإنه لا يحق لإيران الاحتفاظ بأكثر من 202 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب بنسبة 3.67%، لكنها ردت على انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 5%، ثم إلى 20%، وفي المرحلة الثالثة إلى 60%.

وتفيد التقارير الواردة من مفاوضات فيينا بأنه من المقرر أن تنقل طهران مخزونها من اليورانيوم المخصب فوق درجة النقاء 3.67% إلى خارج البلاد.

تقارير لا أساس لها من الصحة

من جانبه، كشف الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية عباس أصلاني عن أن المخزون الإيراني من اليورانيوم عالي التخصيب أكبر بكثير مما تتناقله بعض وسائل الإعلام الغربية، مضيفا أن تحويل أجزاء من هذا المخزون إلى مواد مناسبة لصنع أهداف صغيرة من أجل التعريض للإشعاع، يندرج في إطار تقليل كمية المخزون.

وشكك أصلاني -في حديث للجزيرة نت- في صحة التقارير الغربية التي تتحدث عن تحويل بلاده 2.1 كيلوغرام من اليورانيوم عالي التخصيب إلى 1.7 كيلوغرام من مادة مختلفة مخصبة بنسبة 60%، وقال إن حاجة البلاد إلى عنصر الموليبدينوم هي التي تحدد الكمية المحولة.

وأضاف أن "الحديث عن مناورة طهران لتفادي نقل مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج فارغ ولا أساس له من الصحة، لأن أطراف مفاوضات فيينا لم تتفق بعد على إحياء الاتفاق النووي".

ولدى إشارته إلى مطالبة "الترويكا الأوروبية" (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) إيران بعدم تحويل اليورانيوم عالي التخصيب إلى الأدوية المشعة، أكد أصلاني أن المواد الإشعاعية المستخدمة في الطب النووي ليست في خطر الانتشار أصلا، والأجدر بهذه الدول الإسراع في إعادة الولايات المتحدة إلى تنفيذ التزاماتها في الاتفاق النووي.

وختم الباحث في مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية قائلا إن حاجة البلاد إلى الأدوية المشعة تؤكد من جديد ضرورة الاتفاق في مفاوضات فيينا على كيفية تأمين المواد المستخدمة في الطب النووي.

المصدر : الجزيرة