بعد الاستهداف الإيراني لأربيل بذريعة وجود مصالح إسرائيلية.. ما حقيقة علاقة أكراد العراق بتل أبيب؟
إيران ما زالت تصر على أن هجماتها لم تستهدف منشآت عراقية أو أميركية، وإنما مراكز إستراتيجية لإسرائيل

الجزيرة نت- خاص- قد لا تكون المرة الأولى التي تتعرض فيها أربيل، كبرى مدن إقليم كردستان العراق، لضربات صاروخية، إلا أنها المرة الأولى التي تتعرض فيها المدينة لهجمات من خارج البلاد وباستخدام صواريخ باليستية بعيدة المدى. وتبنى الحرس الثوري الإيراني الهجمات، وقال إنها استهدفت ما وصفه بـ "المركز الإستراتيجي للتآمر والأعمال الخبيثة للصهاينة".
وسبق أن تعرضت أربيل للعديد من الهجمات الصاروخية باستخدام صواريخ غراد خلال الأشهر الماضية، واتهمت حينها حكومةُ الإقليم جماعات شيعية موالية لطهران بالوقوف وراءها مع تبني فصائل غير معروفة المسؤولية عن هذه الهجمات.
Footage shows the effects of shockwaves from the 12 ballistic missiles that fell near Kurdistan24 main headquarters in Erbil, causing physical damage. pic.twitter.com/zVF2fAtipu
— Kurdistan 24 English (@K24English) March 13, 2022
البعد السياسي
وتأتي هجمات أربيل في وقت تشهد فيه الأوضاع السياسية في العراق صعوبات جمة بسبب الصراع بين التحالف الثلاثي الذي يضم الكتلة الصدرية وتحالف السيادة السني والحزب الديمقراطي الكردستاني من جهة، وبين ما يعرف بالإطار التنسيقي الذي يضم قوى شيعية بارزة.

وفي هذا الصدد، يقول الباحث السياسي العراقي هاشم الكندي إن الاستهداف الصاروخي الإيراني لأربيل كان لأسباب أمنية بحتة، مشيرا إلى أن هذا الاستهداف كان ردا مباشرا على استهداف طائرات مسيرة إسرائيلية انطلقت من هذه المدينة واستهدفت قاعدة عسكرية للطائرات المسيرة في مدينة كرمنشاه الإيرانية، وأدت لأضرار كبيرة في 14 فبراير/شباط الماضي.
وأوضح الكندي -في حديثه للجزيرة نت- أن السفارة والقنصلية الإيرانية ببغداد وأربيل أوصلت رسالة واضحة للعراق بوجوب التعامل مع هذه الحالة، وإلا سيكون الرد مباشرا، معتبرا أن ما حدث يعد رسالة مباشرة للأكراد يحثهم فيها على عدم التخلي عن علاقاتهم الإستراتيجية مع طهران.
وفيما يتعلق بحقيقة العلاقات الكردية الإسرائيلية، أشار الكندي إلى أنه واضح وضوح الشمس من خلال الكشف الشهري عن شحنات النفط المستخرجة من الإقليم والواصلة لإسرائيل.
محطات العلاقة مع إسرائيل
وبإصرار إيران على أن الهجمات لم تستهدف منشآت عراقية أو أميركية، وإنما مراكز إستراتيجية لإسرائيل، فإن هذا يفتح الباب للتساؤل عن حقيقة وجود محطات علاقة أكراد العراق بإسرائيل وسط تأكيدات كردية على أن الإقليم لا يضم أي مصالح إسرائيلية.
Footage shows the effects of shockwaves from the 12 ballistic missiles that fell near Kurdistan24 main headquarters in Erbil, causing physical damage. pic.twitter.com/zVF2fAtipu
— Kurdistan 24 English (@K24English) March 13, 2022
ولا توجد صيغة رسمية للعلاقات بين كردستان العراق وإسرائيل، إذ إن ملف السياسة الخارجية العراقية يقع على عاتق الحكومة الاتحادية في بغداد والتي ترفض إقامة أي علاقات دبلوماسية مع تل أبيب.
ورغم ذلك، ثمة مزاعم تفيد بوجود العديد من الاتصالات بين الإقليم وإسرائيل سواء على مستوى حكومة الإقليم أو من خلال رجال الأعمال الأكراد، مع نفي كردي لوجود أي مواقع تستخدمها إسرائيل في مدن الإقليم أو وجود أي شركات إسرائيلية مسجلة في وزارة التجارة لحكومة كردستان العراق.
ولا تكاد توجد رواية مؤكدة عن الفترة التي بدأت فيها الأحزاب الكردية علاقتها بإسرائيل، إلا أن المؤكد أن الزعيم الكردي مصطفى البارزاني والد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني كانت له علاقات جيدة مع إسرائيل من خلال الصور التي كشف عنها الإعلام الإسرائيلي والتي أكدت زيارته لتل أبيب وظهوره مع الرئيس الإسرائيلي الأسبق زلمار شازار عام 1963.
يقول الأكاديمي الكردي وأستاذ التاريخ السياسي المعاصر وفلسفة العلاقات الدولية كامران منتك إن العلاقة بين إسرائيل وبعض الأحزاب الكردية لا تعني وجود علاقة إسرائيلية كردية. ويضيف في حديثه لإحدى وسائل الإعلام "لا يوجد في الدنيا حزب يمثل شعبًا بأكمله، لذلك فإنَّ تسمية العلاقات بين بعض الأحزاب الكردية مع إسرائيل بالعلاقات الكردية الإسرائيلية غير دقيقة وغير صحيحة، وتستخدم لأغراض سياسية وفي بعض الأحيان لاتهام الكرد وتوجيه الرأي عام العربي والإسلامي ضدهم".
في الصور أدناه الزعيم الكوردي مصطفى البارزاني اثناء زيارته لأسرائيل 1960sولقائه بوزيرالدفاع موشيه دايان علاقة الكورد مع دولة أسرائيل علاقه واضحه وصريحه وفي العلن . الى الذين يصطادون في الماء العكر و زاروا أسرائيل وينكرون ، ومازالوا على اتصال وثيق مع دولة أسرائيل . pic.twitter.com/7TcHLcf1OQ
— بيوشه Buchsia (@buchsia) January 28, 2021
العلاقات العسكرية
لم يعرف مدى علاقة أكراد العراق عسكريا بإسرائيل حتى ستينيات القرن الماضي، عندما اعترفت |إسرائيل رسميا بأنها قدمت المساعدة العسكرية للأكراد، وكذلك في 29 سبتمبر/أيلول 1980 عندما كشف رئيس الوزراء (آنذاك) مناحيم بيغن أن إسرائيل دعمت الأكراد خلال قتالهم ضد الحكومة العراقية بين عامي 1965 و1975، وأكد في حينها أن إسرائيل أرسلت مدربين وأسلحة وليس وحدات عسكرية.
ويشير تقرير بحثي للكاتب الأميركي وأستاذ العلوم السياسية في جامعة تينيسي الأميركية مايكل غونتر أن مستشارين عسكريين إسرائيليين دربوا المقاتلين الأكراد في العراق خلال ستينيات القرن الماضي، بهدف زعزعة أمن الدولة العراقية وتقليل خطرها على إسرائيل، فضلا عن مساعدة اليهود العراقيين للفرار إلى إسرائيل.
ويضيف غونتر أنه، وبعد حرب الأيام الستة عام 1967 بين العرب وإسرائيل، ازدادت المساعدة الإسرائيلية العسكرية لأكراد العراق، ففي سبتمبر/أيلول 1967 زار مصطفى البارزاني إسرائيل للمرة الثانية والتقى وزير الدفاع آنذاك موشيه دايان، حيث حصل على ذخيرة وقذائف هاون إسرائيلية كانت أكثر فتكا من تلك التي كان يستخدمها أكراد العراق في حربهم ضد بغداد.
ويشير إلى أن هناك اعتقادا بأن الهجوم الكردي الناجح بقذائف الهاون على مصافي النفط في كركوك في مارس/آذار 1969 تم بمساعدة ضباط إسرائيليين، حيث كانوا يساعدون الأكراد عبر اتصالات لاسلكية مباشرة.
وفي 17 سبتمبر/أيلول 1972 كتب الصحفي الأميركي جاك أندرسون في صحيفة واشنطن بوست تقريرا جاء فيه "كل شهر، يتسلل مبعوث إسرائيلي سري إلى جبال كردستان العراق لتسليم 50 ألف دولار إلى مصطفى البارزاني" بحسب التقرير.
من جانبه، أشار الصحفي الأميركي جيسون موريس -في تقرير نشر في صحيفة كريستيان ساينس مونيتور في أكتوبر/تشرين الأول 1980- أن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحيم بيغن اعترف بأنهم وفروا لأكراد العراق المال والسلاح والمدربين.
العلاقة بعد 2003
ولا يخفى على أحد أن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 أفقده القدرة الأمنية والاستخبارية على مواجهة التحديات الأمنية، إذ حلّ الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر جميع الأجهزة الأمنية، بما جعل البلد ساحة عمل مريحة لمختلف أجهزة المخابرات الأجنبية.
في يوليو/تموز 2017، ذكر تقرير نشره موقع قناة 12 الإسرائيلية أن تل أبيب تعمل على الاستفادة من تحالفها مع إقليم كردستان العراق في تقوية إمكانياتها على التصدي لإيران ونفوذها في المنطقة.
وذكر التقرير -الذي أعده المعلق العسكري في القناة نير دفوري- أن سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين يعتبر نقطة تحول هامة في علاقة إسرائيل بأكراد العراق، بما سهّل على تل أبيب القيام بعمليات استخبارية ضد العديد من الأطراف مقابل مساعدة الأكراد في مجال تدريب الأجهزة الأمنية للإقليم.
وعلى مدى سنوات، اتهمت العديد من الأحزاب الإسلامية الشيعية والفصائل المسلحة الموالية لإيران حكومة إقليم كردستان العراق بإقامة علاقات سرية مع إسرائيل، فضلا عن تأكيدها على أن النفط المستخرج من الإقليم يصل إسرائيل بصورة دورية.

الموقف الرسمي
يشار إلى أنه عام 2005 أكد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني أن إقامة علاقات بين الأكراد وإسرائيل ليست جريمة، مشيرا إلى أن العديد من الدول العربية لها علاقات مع تل أبيب وبصورة علنية.

وفي مؤتمر باليونان في أبريل/نيسان 2008، صافح الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك علنًا، وبعد موجة غضب برلماني تجاه هذه الخطوة، أكد الطالباني أن المصافحة كانت بصفته رئيس الاتحاد الوطني الكردستاني وليس بصفته رئيسا لجمهورية العراق.
وفي هذا الصدد، يقول الباحث السياسي الكردي المقرب من الحزب الديمقراطي الكردستاني محمد زنكنة إن ادعاءات وجود علاقات مع إسرائيل "المثيرة للسخرية" تصدر من عواصم تقيم علاقات رسمية أو شبه رسمية مع تل أبيب، كما هو حال مصر وتركيا ومعظم الدول العربية.
وأضاف زنكنة -في حديث سابق للجزيرة نت- أن عددا من المسؤولين العراقيين متورطون فعليا بعلاقات مع جهات إسرائيلية سياسية واقتصادية دون التطرق إليها، ولا وجود لأي علاقة بين كردستان تل أبيب، على اعتبار أن السياسة الخارجية للإقليم تمر عبر العاصمة بغداد، والعراق لا يمتلك علاقات رسمية بإسرائيل.

أما السياسي الكردي هيوا عثمان، نجل السياسي الكردي البارز محمود عثمان، فيرى أن تقارب إسرائيل مع أكراد العراق لا يزال مستبعدا رغم الروابط التي وصفها بالتاريخية. وأوضح في حديثه لإحدى وسائل الإعلام أن إسرائيل لم تعد بذات الأهمية بالنسبة لأكراد العراق عما كانت عليها في الماضي، عازيا ذلك إلى أن العلاقات السابقة كانت ترمي للتواصل مع القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة، موضحا أن الأخيرة باتت حاضرة اليوم في أربيل من خلال القنصلية والعلاقات الثنائية.
وشدد عثمان على ضرورة أن يحافظ أكراد العراق على "التوازن الحساس" في علاقاتهم مع أنقرة وطهران اللتين لهما نفوذ هام بالساحة السياسية الكردية في العراق وأنهما تعارضان فكرتي الاستقلال والتطبيع مع إسرائيل، على حد قوله.

تأييد الاستفتاء
وكان استفتاء انفصال كردستان عن العراق الذي نظم عام 2017 حدثا لافتا في الإقليم المتمتع بحكم ذاتي منذ عام 1991، ورغم أن نتيجة الاستفتاء جاءت لصالح الانفصال فإن حكومة الإقليم لم تأخذ به نتيجة رفض حكومة بغداد الاعتراف بنتائجه، وإعلان الإدارة الأميركية معارضتها الشديدة له.
غير أن اللافت أن إسرائيل كانت الجهة الوحيدة التي أيدت علنا استقلال الإقليم، مسوقة لذلك من خلال مقاربة الوضع التاريخي للأكراد واليهود وتعرض كليهما لاضطهادات على مر التاريخ، بحسب التقارير الإسرائيلية.
وبالذهاب إلى قضية تصدير نفط الإقليم إلى إسرائيل، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين، والمستشار السابق لرئاسة الإقليم عبد الحكيم خسرو، إن شحنات من النفط من كردستان وصلت إسرائيل، إلا أن ذلك كان عن طريق شركات وقعت عقودا رسمية مع حكومة الإقليم، وأن تسويقه يخضع لسياساتها ولا يحق لأربيل التدخل فيها.
وقد أشار تقرير لصحيفة فايننشال تايمز الأميركية (Financial Times) عام 2015 أن إسرائيل استوردت ما يصل ثلاثة أرباع النفط المستخرج من كردستان بين مايو/أيار وأغسطس/آب من ذلك العام بما وفر للإقليم ما يعادل مليار دولار موارد مالية مهمة استخدمتها حكومته في قتال تنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على مساحات واسعة من العراق صيف 2014.
وكان أول حديث عن شحنات النفط الكردية المتجهة إلى إسرائيل قد تم الكشف عنه من خلال تقارير موقع تتبع شحنات النفط حول العالم (Tanker Trackers) الذي أكد في مرات عديدة أن النفط الكردي ينتقل عبر الأنابيب إلى تركيا، ومن ثم إلى ميناء جيهان على البحر المتوسط، حيث تنقل شحنات النفط عبر الناقلات إلى مختلف الدول ومن بينها إسرائيل.

الموقف الشعبي
وعلى المستوى الشعبي، يؤكد الكاتب الصحفي الكردي سامان نوح أن الذين يطالبون بإقامة علاقات رسمية مع تل أبيب لا يشكلون سوى أقلية في الشارع الكردي، وهم تحديدا "نشطاء علمانيون يرون أنه يمكن الاستفادة من النفوذ الذي يتمتع به اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة لصالح إقامة دولة كردية".
ووصف نوح -في حديث سابق للجزيرة نت- تجربة الحركة القومية الكردية مع إسرائيل عام 1975 بأنها فاشلة وأنها أضرت بالقضية الكردية، وهو ما دعا عقلاء الأكراد للتحذير من الاندفاع تجاه علاقات من هذا النوع، لا سيما أن سجل إسرائيل في انتهاك حقوق الإنسان لا يشجع على ذلك.
وتابع أن إسرائيل في محيط عربي وإسلامي يرفض وجودها والتعامل معها لن يساعد في حصول الأكراد على حقوقهم، إضافة إلى أن الحكومة الإسرائيلية التي أعلنت تأييدها لاستفتاء الإقليم للانفصال عن العراق سرعان ما لاذت بالصمت بعده، وبالتالي يتساءل نوح "كيف يمكن الوثوق بمثل هذه الدعوات؟!".
ويخلص الكاتب إلى أنه ورغم وجود جمعيات بالإقليم تدعو للتطبيع مع تل أبيب فإنها لا تزال معزولة ولا تتمتع بشعبية كبيرة، لافتا إلى أن معظم الأكراد لديهم موقف سلبي من السياسة الإسرائيلية رغم ما يشاع إعلاميا عن وجود علاقات متينة بين الطرفين.