"تسجيل وتسوية الأراضي".. مشروع إسرائيلي يستهدف ما تبقى من أملاك فلسطينية بالقدس

أدى تطبيق مشروع تسوية الأراضي على إحدى ملكيات حي الشيخ جراح في أبريل/نيسان الماضي، إلى تسجيلها لصالح يهود ادعوا ملكيتها قبل عام 1948، وبهذا تصاعد خطر إخلاء 45 عائلة فلسطينية تعيش فيها.

7-صورة عامة من الشق الغربي من حي الشيخ جراح والمعروف فلسطينيا بأرض النقاع والذي بدأت إجراءات تسوية أراضيه وتسجيلها لصالح اليهود العام الماضي(الجزيرة نت)
إجراءات تسوية أراضي الشق الغربي لحي الشيخ جراح وتسجيلها لصالح اليهود بدأت العام الماضي (الجزيرة)

القدس المحتلة- بميزانية بلغت 15.5 مليون دولار، أعلنت حكومة الاحتلال الإسرائيلي منتصف عام 2018 الانطلاق بمشروع تسجيل وتسوية الأراضي، وذلك ضمن القطاعات التي تستهدفها خطتها الخمسيّة.

ويستهدف المشروع تسجيل 50% من أراضي شرقي القدس حتى نهاية عام 2021، واستكمال تسوية أوضاع ما تبقى من أراضٍ حتى نهاية عام 2025.

وادعت وزيرة القضاء الإسرائيلية السابقة آيليت شاكيد حينها، أن العمل على التسوية سيُسهّل عملية البناء أمام المقدسيين ويوفر حلولا سكنية لهم.

لكن الباحثة المقدسية هنادي القواسمي، أوضحت أن هذا المشروع يهدف إلى تعزيز سيطرة الاحتلال على المزيد من الأراضي الفلسطينية في المدينة، خاصة أن عمليات تسجيل الأراضي شرقي القدس في السجل العقاري (الطابو) توقفت بعد استكمال احتلال المدينة عام 1967. ويُقدر أصحاب الاختصاص أن 5-10% فقط من الأراضي تمت تسويتها وتسجيلها في الطابو.

وأدت عمليات تجميد التسجيل إلى وضع تفتتت فيه الملكيات، وتوزّع أصحابها بين القدس وخارجها، مما يعني أن توفير أوراق ثبوتية سليمة -من وجهة النظر الإسرائيلية- يُعد مهمة صعبة أمام الفلسطينيين لإثبات حقهم في أراضيهم.

2-أسيل جندي، القدس، فلسطين، صورة تظهر أراضي من بلدة صور باهر جنوب القدس والتي صودرت لصالح بناء مستوطنة (الجزيرة نت)
صورة تظهر أراضي من بلدة صور باهر جنوبي القدس، صودرت لصالح بناء مستوطنة إسرائيلية (الجزيرة)

الكابوس.. دائرة أملاك الغائبين

تقول الباحثة القواسمي: "في حال فشل المقدسيون في إثبات هذا الحق، فإن تلك الأراضي ستصبح عرضة للسيطرة الإسرائيلية، وبالذات من دائرة حارس أملاك الغائبين، كما أن البدء بعمليات التسوية يعني بشكل أو بآخر تسجيل مساحات واسعة من الأراضي لصالح الحكومة الإسرائيلية، أو لصالح جمعيات استيطانية أو يهود يدّعون ملكية الأراضي في القدس".

إعلان

ولم تستكمل سلطات الاحتلال تسجيل 50% من الأراضي حتى نهاية عام 2021 كما نصّت الخطة، لكنها بدأت محاولة تطبيقها خلال عام 2021 باندفاع.

ولعل الحدث الأخطر وقع في أبريل/نيسان الماضي وفقا للقواسمي، عندما سوّت سلطات الاحتلال نزاع الملكية بشأن قطعة الأرض المعروفة فلسطينيا بـ"أرض النقاع" في حيّ الشيخ جراح، وسجّلتها باسم يهود يدّعون ملكيتها قبل عام 1948.

ومع تسجيل ملكية هذه الأرض التي تحمل رقم (30821) في الطابو لمالكين يهود، تصاعد خطر إخلاء 45 عائلة فلسطينية تعيش فيها.

تقول الباحثة إن "عملية التسجيل باسم المالكين اليهود تمت بشكل شبه سري، ولم يتم إعلام السكان الفلسطينيين القاطنين في الحي عن ذلك الإجراء، وبتنا نرى بوضوح أن تسوية الأراضي تجري لصالح الطرف الأقوى، وأن المشروع هدفه عكس ما أعلن عنه تماما إذ يسعى لسلب المزيد من أراضي الفلسطينيين وتهجيرهم".

وشهدت مدينة القدس انعكاسات ذلك أيضا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حين تسلمت عائلة سالم في الشيخ جراح إخطارا إسرائيليا يُطالبهم بإخلاء المنزل بادعاء ملكيته للمستوطنين، وهو ما فتح جبهة مواجهة جديدة في الحي، قبل أن يتمكن محامي العائلة من الحصول على أمر قضائي بتجميد الإخلاء.

وتتوقع الباحثة المقدسية أن يشهد المقدسيون خلال عام 2022 الجاري الإعلان عن فتح ملفات جديدة لتسوية أراضٍ في المدينة، مرجّحة أن يشمل ذلك مساحات تدّعي ملكيتها جهات إسرائيلية (كالصندوق القومي اليهودي) وتقول إنها اشترتها قبل عام 1948.

تخبّط فلسطيني

ورغم أن عددا من المؤسسات الحقوقية الفلسطينية بدأت خلال الأشهر الماضية التحذير من مخاطر المشروع، وأشارت إلى أن تطبيقه بشكل كامل يُهدد بمصادرة ما يقارب 60% من أملاك الفلسطينيين في القدس، فإن هناك تخبطا فلسطينيا في التعامل مع هذا الإجراء الإسرائيلي.

إعلان

إذ يبدو -وفقا للقواسمي- أن ردود الفعل المعلنة تجاهه هي الرفض، لكن على الصعيد الميداني، لا توجد مرجعية وطنية واضحة تحمل خطة عمل يمكنها أن توحّد الأهالي حولها، وتقودهم لرفض التعامل الكلي مع هذا المشروع.

وهذا ما أكده منسق الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس زكريا عودة، الذي قال إنه بعد سلسلة من اللقاءات التي عُقدت وتحدث خلالها محامون ومهندسون ومؤسسات، صدر موقف رئاسي فلسطيني يطالب المقدسيين بعدم التعاطي مع مشروع التسوية.

وفي تعليقه على هذا الموقف، قال عودة إنه غير كاف ولا يحل مشاكل المقدسيين، خاصة أن كافة من تقدموا لبلدية الاحتلال للحصول على تراخيص بناء في العام الماضي طُلب منهم تسوية أراضيهم، وبالتالي باتت المؤسسات الإسرائيلية تستخدم طرقا مختلفة لإجبار الأهالي على اللجوء لعملية التسوية.

11-منسق الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس زكريا عودة (الجزيرة نت)
زكريا عودة: مشروع التسوية لا يحل مشاكل المقدسيين وهدفه سلب ما تبقى من حقوق فلسطينية في القدس (الجزيرة)

وفي التحرك لمجابهة هذا المشروع، أشار عودة إلى أن الائتلاف ومركز عدالة الحقوقي وجّها رسائل لكل من المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية ووزير القضاء ودائرة تسجيل الأراضي (إسرائيلية)، للمطالبة بتجميد المشروع أو عدم تطبيق قانون أملاك الغائبين على الأقل، إلا أن كافة الجهات لم ترد على هذه المطالبات.

ويقول عودة إن 60% تقريبا من أصحاب الأراضي والأملاك في القدس لا يعيشون في المدينة في الوقت الحالي، بسبب تشتتهم وتشتت ملكياتهم بعد احتلال الشطر الشرقي منها عام 1967، وبالتالي فإن تطبيق قانون أملاك الغائبين ستكون له انعكاسات خطيرة على ما تبقى من أملاك للفلسطينيين بالمدينة.

وختم عودة حديثه للجزيرة نت بالقول إن إسرائيل تهدف من خلال مشروع تسجيل وتسوية الأراضي إلى سلب ما تبقى من ملكيات وحقوق فلسطينية في القدس، لأنها تسيطر حاليا على 87% منها، وبتنفيذ المشروع ستجهز على الـ13% المخصصة لبناء المقدسيين في المدينة، واصفا ذلك بـ"مجزرة الملكيات".

إعلان

وكان رئيس الهيئة الإسلامية العليا خطيب المسجد الأقصى المبارك عكرمة صبري، حث قبل أيام المقدسيين على تسجيل أملاكهم "كوقف ذُرّي" (أرض وقف لكنها متوارثة للأجيال في العائلة)، لقطع الطريق على سلطات الاحتلال بالتدخل في ملكيتها، ولحفظها من السلب سواء كان أصحابها يقيمون داخل فلسطين أو خارجها.

المصدر : الجزيرة

إعلان