تنتقد علنا وتتابَع على مواقع التواصل.. البرامج الجريئة في العراق انفتاح أم استغلال غياب الرقابة؟

نقابة الصحفيين العراقيين لا تستطيع التحرك لاتخاذ الإجراء اللازم إلا بعد تلقي مجلسها شكوى من أشخاص أو جهات أو مؤسسات ضد محتوى هذه البرامج.

البرامج الحوارية الجريئة تحظى بجماهيرية كبيرة وانتشار واسع (الجزيرة)

بغداد- "ليس لديهم سوى التفاصيل الخادشة للحياء التي خاضها الضيوف، إنهم ينسفون قيمنا"، هكذا يتحدث محمد سعد (45 عاما) متذمرا عن اتساع ظاهرة البرامج الحوارية الجريئة التي تبثها العديد من القنوات التلفزيونية العراقية.

ويؤكد سعد بأنه بات يخشى على أطفاله وعائلته منها ويضطر لمراقبة ما يشاهدون على الهاتف الجوال أو التلفاز خشية أن يصل ما يعرض فيها من مواضيع وعبارات خادشة للحياء إلى مسامعهم، ويقول "مع الأسف أن يصل الحال بالإعلام العراقي أن يقدم هكذا محتوى مسيء للأسرة، بتنا لا نسمع سوى العبارات الفاضحة ولا نرى سوى الملابس غير المحتشمة".

ويطالب الجهات المعنية في الدولة بفرض رقابة على محتوى هذه البرامج بسبب عدم قدرة الأسرة وحدها على السيطرة وتقييد ما يصل لأفرادها عبر الشاشات في ظل الانفتاح الكبير.

وبرزت مؤخرا في العراق ظاهرة برامج حوارية يقدمها شباب من الهواة والإعلاميين على شاشات التلفزيون ومواقع التواصل، وتعرض مواضيع تتصف بالجرأة والإثارة لجذب المشاهدين عبر استخدام عبارات وأسئلة خادشه للحياء والتركيز على الفضائح والأمور الشخصية للضيوف، كما يراها البعض من المنتقدين.

ورغم الانتقاد الكبير لتلك البرامج والهجوم المستمر الذي تتعرض له في مواقع التواصل، إلا أنها تحظى بجماهيرية كبيرة وانتشار واسع تدفع بمقدميها إلى سلم النجومية بسرعة مذهلة.

مريم عبد الواحد: السعي وراء الشهرة والنجومية لا يجب أن يكون على حساب المبادئ الإعلامية وشرف المهنة (الجزيرة)

رسائل هدم

ويرى بعض الإعلاميين أن السعي وراء الشهرة والنجومية لا يجب أن يكون على حساب المبادئ الإعلامية وشرف المهنة والابتعاد عن أصل الرسالة الإعلامية الهادفة للبناء لا الهدم.

وتقول الإعلامية مريم عبد الواحد إن مقدمي تلك البرامج تناسوا بأن الإعلام هو رسالة أخلاقية للبناء وتقويم المجتمع قبل أن يكون وسيلة للترويج والشهرة، مشيرة إلى أن استخدام الكلمات البذيئة والمسيئة في تلك البرامج تجاوز القيود المفروضة أخلاقيا ومهنيا على العمل الصحفي والإعلامي والتي لا بد أن نلتزم بها ذاتيا من دون رقيب حتى وإن كنا في زمن يوصف بالانفتاح والتحرر.

وتختم حديثها بالقول إن "الإعلام مصدر لرسائل هادفة وذات محتوى بناء، وإن ما يقدم مع الأسف رسائل لهدم المجتمع وليس بناءه".

النقاش: هذه البرامج تهدف لإيصال رسائل غير ملائمة لتغير سلوك المجتمع وقيمه (الجزيرة)

استهداف العائلة

ومع اتساع تلك البرامج وارتفاع أرقام مشاهدتها، يجد أعضاء في مجلس نقابة الصحفيين أن تلك البرامج تستهدف العائلة العراقية وتؤثر على الأسرة وسلوكها، ويصفونها بأنها موجهة ومدسوسة لتغير السلوكيات والقيم المحافظة.

وتؤكد عضو مجلس نقابة الصحفيين سناء النقاش أن تلك البرامج لا تلتزم بمعايير وأخلاقيات شرف المهنة، لافتة أن "هذا الموضوع حساس وهي برامج خارجة عن المألوف، ومع الأسف بدأت تنشر على قنوات لم يكن من المتوقع أن تسمح بمثل هكذا مضمون يحتوي على ألفاظ نابية وخادشة للحياء".

ونوهت النقاش إلى أن تلك البرامج تتعمد التأثير على سلوك الأسرة والمراهقين بالأخص عبر مضمونها ونوعية الضيوف، مشيرة إلى أن مقدمي تلك البرامج يصرون على إيصال الايحاءات غير الملائمة.

وتستذكر إحدى البرامج التي استضافت فنانة عربية، وعند سؤالها عن أكلتها المفضلة وبعد إجابتها باسم أكلة لها معنى غير لائق في العراق، أصر المقدم على الضحك بشكل مستفز والتركيز على الإيحاءات بمعنى الأكلة من دون الالتزام بالمهنية وتجاوز الأمر واحترام اختلاف اللهجات كما يجب. ووصفت النقاش تلك البرامج بالتافهة، وهدفها إيصال رسائل غير ملائمة لتغير سلوك المجتمع وقيمه.

وصف نقيب الصحفيين العراقيين /مؤيد اللامي/ قرار هيئة الاعلام والاتصالات إغلاقَ محطاتٍ ومكاتبَ صحفية عاملةٍ في العراق بأنه قرار عشوائي وغيرُ مِهْني وقمعٌ للحريات الصحفية في البلاد
اللامي: نقابة الصحفيين لا تستطيع التحرك ضد هذه البرامج إلا بعد تلقي شكوى بهذا الشأن (الجزيرة)

إجراءات النقابة

وفي رد على سؤال وجهته الجزيرة حول التعامل مع ما يعرض في تلك البرامج، بين نقيب الصحفيين العراقيين مؤيد اللامي أن النقابة لا تستطيع التحرك لاتخاذ الإجراءات اللازمة إلا بعد تلقي مجلسها شكوى من أشخاص أو جهات أو مؤسسات ضد محتوى هذه البرامج.

وأشار اللامي إلى أن "هناك العديد من الشكاوى وصلت للمجلس واتخذ العديد من الإجراءات بحق مرتكبيها، تنوعت بين التنبيه أو الإيقاف لـ6 أشهر أو حتى سحب العضوية".

الأفندي اعتبر أن الطرح المنفتح يندرج ضمن الحريات المتاحة لجميع الإعلاميين (الجزيرة)

حلال للغريب حرام للقريب

ويرى الكثير من مقدمي تلك البرامج أن ما يقدموه يندرج تحت أطر حرية التعبير والحرية الإعلامية التي تواكب الانفتاح العربي والعالمي، مؤكدين التزامهم بالمعايير المهنية عكس ما يقال بحقهم.

ويرى محمد الأفندي -وهو مقدم أحد البرامج الحوارية المعروفة بالجرأة ويحمل عنوان القناع- بأن الانفتاح الإعلامي بات ضرورة مهمة لا سيما أن المجتمع العراقي متقبل بشكل طبيعي جديد البرامج المشابهة سواء المصرية أو اللبنانية المنفتحة أو حتى الأجنبية المترجمة التي تكون فاضحة بشكل واضح، لكنهم في نفس الوقت لا يتقبلون البرامج العراقية المنفتحة نوعا ما.

وأكد الأفندي أن كل "الأسئلة المطروحة تتم بموافقة مسبقة من الضيوف"، وأقر بوجود برامج ومقدمين يسيؤون للمضمون والرسالة الإعلامية عبر التركيز على الأمور الخادشة للحياء.
لكنه يشدد على ضرورة أن يتقبل المجتمع الانفتاح وليس لأحد الحق في منع الطرح المنفتح كونه يندرج ضمن الحريات المتاحة لجميع الإعلاميين.

المصدر : الجزيرة