بعد 11 عاما على انطلاق الثورة.. هل انتصر النظام السوري؟ وعلى من؟
لم يكد النظام السوري يلتقط أنفاسه عسكريا بعد استعادة سيطرته على أجزاء واسعة من الأراضي السورية بمساندة حلفائه الروس والإيرانيين في أواخر عام 2019 حتى وجد نفسه في خضم مواجهة من نوع آخر؛ فقد فرضت الولايات المتحدة قانون عقوبات قيصر على النظام ودخل حيز التنفيذ في منتصف يونيو/حزيران 2020.
دمشق- منذ اندلاع الشرارة الأولى للثورة السورية في منتصف مارس/آذار من عام 2011، لم يفوّت النظام السوري والإعلام الرسمي وشبه الرسمي في البلاد فرصة ليقولوا للعالم إن ما يحدث في سوريا مؤامرة مدبرة لإثارة الفتن الطائفية وتدمير الدولة.
ولم يكن ذلك إلا مؤشرا أوليا على الكيفية التي سيتعامل بها النظام مع كل من سيرفع صوته رافضا الواقع السياسي والاقتصادي والمعيشي في البلاد.
اقرأ أيضا
list of 3 itemsفرادى وجماعات.. سوريون يضيق بهم العيش في دمشق وريفها يفرّون إلى تركيا
مقابر دمشق تغلق أبوابها في وجه الموتى الفقراء
ومع تشكل فصائل المعارضة المسلحة وانزلاق البلاد إلى الحرب حافظ النظام السوري على خطاب سياسي إنكاري أدى إلى توسع رقعة الصراع وتعطيل الحل السياسي، وبعد استعادة النظام السوري السيطرة على رقعة واسعة من الأراضي السورية بمساندة القوات الروسية في منتصف عام 2018 لا سيما في ريف حمص ودرعا والغوطة الشرقية، سادت سردية الانتصار التي روّجت لها الوسائل الإعلامية.
سردية أكدها الأسد في خطاب متلفز في فبراير/شباط 2020 بعد سيطرة قواته بالكامل على مدينة حلب بمساندة الحليف الروسي عندما وصفَ ما حدث بالنصر مهنّئا أهالي حلب.
ويسيطر النظام السوري اليوم على 63.38% من الجغرافيا السورية، في حين تسيطر كل من فصائل المعارضة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) على ما تبقى من مساحة البلاد.
فهل يكون بذلك انتصر النظام السوري؟ وعلى من؟
عقوبات قيصر وتداعياتها
لم يكد النظام السوري يلتقط أنفاسه عسكريا بعد استعادة سيطرته على أجزاء واسعة من الأراضي السورية بمساندة حلفائه الروس والإيرانيين في أواخر عام 2019 حتى وجد نفسه في خضم مواجهة من نوع آخر؛ فقد فرضت الولايات المتحدة قانون عقوبات جديدا على النظام السوري يحمل اسم "قيصر" دخل حيز التنفيذ في منتصف يونيو/حزيران 2020.
وكان أبرز ما استهدفه قانون قيصر أموال إعادة الإعمار المحتملة التي كان النظام يدفع باتجاه استقطابها منذ عام 2013، إضافة إلى عقوبات تمنع النظام من الاستفادة من التقنيات المتقدمة في مجالي الطاقة والاتصالات، كما حدّ القانون من إمكانية النظام في الحصول على الموارد الرئيسة.
وشملت العقوبات الاقتصادية 75 شخصًا بارزًا من النظام والأفراد المقربين منه، كان من بينهم بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس وابنه الأكبر حافظ الأسد.
ورأى مراقبون أن قانون قيصر كان ضربة قاصمة للنظام لا سيما أنه شمل قطاعات حيوية ومؤسّسات وكيانات كان النظام يعوّل عليها لإنعاش الاقتصاد الذي انهكته أعوام الحرب.
وانعكس صدى قانون قيصر على الاقتصاد السوري قبل أن يدخل حيّز التنفيذ بأسابيع؛ فبلغ سعر صرف الدولار 3500 ليرة بعد أن كان بـ1500 ليرة، وشهدت الأسواق السورية أكبر موجة غلاء منذ بداية الأزمة الاقتصادية في عام 2011؛ شملت معظم السلع الرئيسة الغذائية والاستهلاكية.
الواقع المعيشي والخدمي
وتشهد اليوم مناطق سيطرة النظام أسوأ واقع معيشي وخدمي منذ بداية الأزمة الاقتصادية في البلاد قبل عقد من الزمن، حيث يواجه السوريون أزمات معيشية وخدمية طاحنة من انقطاع طويل للتيار الكهربائي وارتفاع غير مسبوق في أسعار السلع الرئيسة وتدنّ في القوة الشرائية للرواتب في القطاعين العام والخاص.
في حين يشير تقرير لبرنامج الأغذية العالمي إلى أن 12.4 مليونا من السوريين يعانون انعدام الأمن الغذائي بزيادة قدرها 4.5 ملايين على عام 2020، وأن أسعار المواد الغذائية الأساسية في سوريا أعلى بمعدل 29 مرة من متوسطات ما قبل الأزمة.
وإلى جانب موجات الغلاء، يعاني السوريون معاناة مستمرة من انقطاع التيار الكهربائي، حيث تمتد فترات التقنين الكهربائي في بعض مناطق سيطرة النظام بما في ذلك العاصمة دمشق بين 18 و20 ساعة انقطاع يوميا.
وحسب تقارير لمنظمة الأمم المتحدة، فإن هناك ما يزيد على 5.5 ملايين سوري لجؤوا إلى دول الجوار منذ عام 2011، في حين تشير تقديرات المكتب المركزي للإحصاء في سوريا إلى أن معدلات البطالة في سوريا قد بلغت نسبة غير مسبوقة؛ فقد سجلت 55% في عام 2021 بعدما كانت 8.6% في عام 2010.
رفع الدعم وتجدد الاحتجاجات
وأخذت حكومة النظام منذ منتصف العام الماضي (2021) برفع الدعم شيئًا فشيئًا عن المواد الاستهلاكية والغذائية الرئيسة التي تقدمها عبر ما يسمى "البطاقة الذكية" من دون أن تتخذ أي إجراءات مباشرة في هذا السياق، وإنما اكتفت برفع أسعار تلك المواد من خبز وبنزين ومازوت متذرعة بالضغوط الاقتصادية الناجمة عن جائحة "كوفيد-19" والعقوبات الغربية المفروضة عليها.
ومع حلول شهر فبراير/شباط من العام الجاري بدأت الحكومة رسميا باستبعاد مئات الآلاف من السوريين، وشمل الاستبعاد 596 و628 ألف عائلة في مرحلة أولى بإطار ما سمته حكومة النظام توفير الدعم للشرائح الأكثر استحقاقا.
وأصبح لزامًا على الأسر المستبعدة أن تشتري السلع التي توفرها الدولة بأسعار مرتفعة لا تتناسب مع دخل المواطنين في مناطق سيطرة النظام، حيث أصبح سعر أسطوانة الغاز المنزلي 36 ألف ليرة (10 دولارات تقريبا)، وسعر كيلو السكر 2200 ليرة بعد أن كان ثمنه 1000 ليرة، في حين بلغ سعر كيلو الأرز 2000 ليرة سورية، وسعر ربطة الخبز 1300 ليرة بعد أن كان ثمنها 250 ليرة.
وبلغ متوسّط رواتب الموظفين السورين في القطاعين العام والخاص في مناطق سيطرة النظام 120 ألف ليرة (30 دولارا) بعد صدور المرسوم الرئاسي رقم 19 لعام 2021 -السابق على إجراء رفع الدعم- الذي قضى برفع أجور العاملين والموظفين بنسبة 50% في منتصف يوليو/تموز 2021.
ورأى مراقبون أن المرسوم الرئاسي القاضي برفع الأجور لم يكن إلا تمهيدا للقرار الحكومي برفع الدعم عن شرائح واسعة من السوريين، في حين تجددت الاحتجاجات المنددة بسياسات حكومة النظام في محافظة السويداء (جنوبي البلاد) على خلفية قرار رفع الدعم.
ورفع أهالي المحافظة في الساحات الرئيسة شعارات، ورددوا هتافات تندّد بالسياسات التي أدّت إلى تردي الأوضاع المعيشية، وقطع المحتجون أهم الطرق الحيوية في المحافظة، فضلا عن قطعهم طريق دمشق-السويداء بالإطارات المشتعلة.
ومن جانبه، دفع النظام بتعزيزات أمنية وعسكرية تحسبا لأي توسع لنطاق الاحتجاجات في المحافظة وخوفا من امتدادها إلى محافظات أخرى تحت سيطرته.