قمة بوتين- ماكرون.. إنعاش الحراك الدبلوماسي أم لقاء الوداع ما قبل الحرب؟

رغم أن كثيرا من المراقبين الروس يؤكدون أن زيارة الرئيس الفرنسي لن تكون حاسمة في ملف النزاع بين روسيا والكتلة الغربية فإن المواقف المتمايزة لباريس قد تحدث نوعا من كسر جدار الصمت الدبلوماسي الذي أخلى الساحة للحشود العسكرية ولطبول الحرب

لا يتوقع المراقبون الروس أن يتمكن ماكرون (يسار) من إحداث اختراق في الأزمة الأوكرانية (رويترز)

موسكو – في ذروة الحديث الغربي عن غزو روسي وشيك لأوكرانيا جاءت زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى موسكو، والتي ناقش خلالها مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين ولأكثر من 5 ساعات الضمانات الأمنية والعلاقات الروسية الأوكرانية وتوسيع الناتو.

ورغم أن كثيرا من المراقبين الروس يؤكدون أن زيارة الرئيس الفرنسي لن تكون حاسمة في ملف النزاع بين روسيا والكتلة الغربية فإن المواقف المتمايزة لباريس قد تحدث نوعا من كسر جدار الصمت الدبلوماسي الذي أخلى الساحة للحشود العسكرية ولطبول الحرب، فباريس تؤيد الاتفاق على الأمن الأوروبي المشترك، وتطوير آليات جديدة لضمان الاستقرار، وماكرون صرح أكثر من مرة بأن أوروبا لا تستطيع الشعور بالأمان إذا لم تشعر روسيا به، بل تحدث مرارا وتكرارا عن استحالة بناء نظام أمني أوروبي بدون روسيا، وحتى ضد روسيا.

رهان الحد الأدنى

التقليل من نتائج اللقاء عززته تصريحات ديمتري بيسكوف السكرتير الصحفي للرئيس الروسي -قبل وصول ماكرون- بأن "الوضع معقد للغاية، ولا ينبغي للمرء أن يتوقع أي تغييرات حاسمة بعد اجتماع واحد من هذا النوع".

وما يعزز هذا الاعتقاد هو تصريح بيسكوف بعد ختام زيارة الرئيس الفرنسي، والذي نفى فيه ما نقلته صحيفة فايننشال تايمز (Financial Times) عن التوصل خلال محادثات موسكو إلى صفقة بين بوتين وماكرون بشأن أوكرانيا قائلا إن "هذا بكل بساطة مستحيل".

وبحسب قوله، فإن "فرنسا تتولى رئاسة الاتحاد الأوروبي، وعضوة في حلف شمال الأطلسي الذي لا تتولى فيه باريس موقع القيادة، فما نوع الصفقات التي يمكن التحدث عنها؟".

اعتبارات شخصية

المختص في الشؤون الأوروبية ألكسندر دودتشاك ينفي -بداية- وجود دلالة ما وراء جلوس الزعيمين وراء طاولة كبيرة باعدت المسافة بينهما، وعزا ذلك لإجراءات الوقاية الصحية كما حصل تماما خلال الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى موسكو.

بل يعتبر -في حديث للجزيرة نت- أن شكليات الزيارة كانت موفقة، سواء من خلال مناداة الرئيسين بعضهما البعض بالاسم فقط، أو من خلال بقاء ماكرون في موسكو للتنزه في الساحة الحمراء، وهو ما لا ينسجم مع الحالات التي تحصل فيها "إساءات" بروتوكولية.

لكن دودتشاك يضع الزيارة بالدرجة الأولى في سياق الحملة الانتخابية لماكرون، والتي تتطلب منه إظهار نفسه كلاعب بارز في النزاعات الدولية وكوسيط سلام قادر على إيجاد لغة مشتركة مع الغرب ومع روسيا على حد سواء.

-Anadolu/Kremlin Press OfficeFrench President Emmanuel Macron in Moscow
يحاول ماكرون (يمين) الظهور كلاعب بارز في الصراعات الدولية قبل الانتخابات الرئاسية في فرنسا (الأناضول)

وإلى جانب المصلحة الشخصية لماكرون، يلفت الخبير إلى وجود مصالح موضوعية لفرنسا خلافا لبعض الدول الأوروبية الأخرى، إذ تتخذ باريس مواقف أكثر سلمية تجاه روسيا، وهي غير معنية بالحرب في شرق أوروبا أو حتى بالعقوبات الأميركية ضد موسكو، وبهذا المعنى يمكن لماكرون لعب دور غير حاسم، لكنه يشكل مساهمة إيجابية.

وبخصوص النتائج، لا يعتقد دودتشاك أن دور فرنسا سيكون كافيا في النزاع بين موسكو وواشنطن، لكنه في المقابل مهم كما هو الحال بالنسبة للدور الألماني، فبرلين كذلك غير مستعجلة في الحديث عن وقف مشروع "نورد ستريم 2" (Nord stream 2) رغم محاولات تفسير تصريحات المستشار الألماني في هذا السياق.

وهنا تكمن أهمية التحرك الفرنسي، إضافة إلى دور ألمانيا ومجموعة النورماندي في إنشاء ثقل مواز للجناح العدواني لروسيا داخل النخبة السياسية الأميركية التي تسعى إلى دفع الأمور نحو الحرب ولو على حساب مصالح البلدان الأوروبية.

ليست جبهة موحدة

لا يستبعد الخبير الروسي أن تذهب دول أوروبية نحو خيار إعادة بناء سيادتها واستقلالية قرارها السياسي بعيدا عن الاعتبارات الأميركية، فالبلدان الأوروبية -برأيه- ليست جبهة واحدة، فبعضها لا يملك قراره السياسي المستقل ويتصرف زعماء البعض الآخر خلافا لمصالح بلدانهم.

ويتابع أنهم يدركون أن روسيا لا تريد الحرب، وليس كل الأوروبيين "حمقى" يريدون تكرار مزاعم نية روسيا شن الحرب التي ستضر بالدرجة الأولى بالمصالح الأوروبية نفسها، وأقلها توقف إمدادات الغاز الروسي الذي تحصل عليه بأسعار مقبولة.

الابتعاد عن الهاوية

من جانبه، يعتقد محلل الشؤون الدولية سيرغي بيرسانوف أن مباحثات ماكرون مع بوتين كانت مفيدة نظرا للدور الرئيسي لفرنسا في أوروبا، وذلك على الرغم من الافتقار إلى الوحدة داخل القارة العجوز تجاه جميع القضايا الإستراتيجية.

ويقول بيرسانوف للجزيرة نت إن الزيارة يمكن أن تساهم ولو بقدر ضئيل في تكوين عناصر الثقة التي قد تمهد في وقت لاحق لإيجاد حل وسط بشأن القضايا المعقدة التي تراكمت بين روسيا والناتو، ولا سيما الأزمة الحالية والأوضاع غير السارة في الملف الأوكراني، منعا للذهاب نحو الهاوية.

ويلفت إلى أن فرنسا وألمانيا العضوتان الرئيسيتان في الاتحاد الأوروبي تتخذان مواقف لا تتوافق تماما مع موقف واشنطن ولندن حليفتيهما في الناتو.

ويعرب عن رأيه بأن ماكرون يدرك جيدا أنه لا يوجد تهديد بالحرب، وهو مهتم بالحوار المكثف مع موسكو بملفات أخرى غير الناتو والضمانات الأمنية، فلدى باريس مصالح بدأت تتقلص تدريجيا في أفريقيا، ويحل الخبراء الروس محل مستشاريها العسكريين، كما أن لروسيا وفرنسا مصلحة في عدم شن الولايات المتحدة حربا على إيران، فضلا عن أن باريس لعبت دورا بالتنسيق مع موسكو لحل النزاع في ناغورني قره باغ، والأهم من ذلك كله أن ماكرون يدرك أن الهدف الجيوسياسي لروسيا ليس بالتأكيد أوكرانيا ولكن توضيح قواعد التعايش مع الناتو والاتحاد الأوروبي.

المصدر : الجزيرة