حرب المعلومات تستعر في الأزمة الأوكرانية.. لهذه الأسباب خرجت أجهزة المخابرات من السر إلى العلن
هدف الغرب من خلال هذا الإخبار اليومي المبني على معلومات المخابرات هو إبقاء كل التحركات الروسية تحت الأضواء الكاشفة على عكس ما حدث خلال غزو شبه جزيرة القرم الذي فاجأ الغرب وكشف عجز أجهزة المخابرات عن التنبؤ بالغزو

لندن – عادة ما يوصف رجال المخابرات بأنهم رجال الظل الحريصون على العمل في السر والخفاء، إلا أن الأزمة الأوكرانية غيرت الكثير من قواعد اللعبة بين أقوى أجهزة مخابرات في العالم، والمقصود هو الصراع بين المخابرات البريطانية والأميركية من جهة والروسية من جهة أخرى.
وليس من عادة قادة أجهزة المخابرات الخارجية في هذه الدول الحديث لوسائل الإعلام ولا تسريب معلومات لها، إلا أن الأزمة في أوكرانيا جعلت هذه الأجهزة في سباق، لتقديم المعلومات الأمنية السرية وعرضها للعالم.
ولا يكاد خطاب لرئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ولا الرئيس الأميركي جو بايدن يخلو من عبارة "بناء على معلومات أجهزة الاستخبارات"، للتأكيد على خطورة الوضع في أوكرانيا.
المخابرات في بث مباشر
في سابقة من نوعها نشر حساب وزارة الدفاع البريطانية على حسابه في تويتر مقطعا تحت عنوان "تحديث مخابراتي"، ويتضمن خرائط وشرحا مفصلا لمناطق انتشار القوات الروسية، والهدف من هذا المقطع هو نفي إعلان روسيا سحب جزء من قواتها من الحدود الروسية.
إقدام وزارة الدفاع البريطانية على مشاركة المعلومات المخابراتية بهذه الطريقة هو إجراء غير مسبوق، ويظهر أن هناك صراعا دائرا حول السرديات، من يقنع العالم بروايته: روسيا أم الغرب؟
وارتفع منسوب تصريحات القادة السابقين أو الحاليين لمكتب المخابرات العسكرية البريطانية "إم آي 6" (MI6) لوسائل الإعلام الغربية، وكلهم يجمعون على رواية واحدة هي أن الغزو الروسي لأوكرانيا وشيك، بل يفصّلون الخطة الروسية للهجوم، من بيلاروسيا والحدود الشرقية لأوكرانيا.
وفي الولايات المتحدة لا يكاد يمر يوم دون أن تنقل الشبكات الإخبارية معلومات عن مصادر في المخابرات الأميركية حول قرب غزو روسيا لأوكرانيا.
وهكذا بات العالم على موعد مع وجبة يومية من المعلومات المخابراتية السرية تضعه في صورة ما يحدث في تلك الحدود الملتهبة، وهو ما تسميه روسيا "الإرهاب الإعلامي" أو "الهستيريا" الغربية.
دروس القرم وأفغانستان
من خلال إغراق المشهد الإعلامي والسياسي بالمعلومات المخابراتية يظهر أن الغرب -خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا- لا يريد تكرار ما حدث خلال الغزو الروسي للقرم، ولا تلك المشاهد غير المسبوقة للانسحاب من أفغانستان.
فخلال الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم سنة 2014 كانت الخطوة مباغتة من روسيا، وظهر الغرب عموما في حالة سبات عميق، حيث لم يستطع مجاراة سرعة الحركة الروسية، وفي النهاية اعترف بالأمر الواقع، وفي تلك الفترة طرح كثيرون سؤالا: أين كانت أجهزة المخابرات الغربية وحلف الناتو عندما كانت وروسيا تحرك جيوشها لغزو شبه الجزيرة؟
أما في أفغانستان فقد وجد مكتب الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه" (CIA) ومكتب المخابرات العسكرية البريطانية "إم آي 6" نفسيهما في حرج كبير بعد أن ظهر أن توقعاتهما بقدرة كابل على الصمود لمدة أطول في مواجهة زحف حركة طالبان كانت خاطئة، مما نجم عنه انسحاب كارثي وفوضوي من أفغانستان، وألقت الحكومة البريطانية باللائمة على المخابرات العسكرية، بل إن هذا الخطأ كلف رئيس أركان الجيش البريطاني منصبه.
شبح العراق
في أكثر من مناسبة يُواجه المتحدثون باسم الإدارة الأميركية أو وزراء الحكومة البريطانية بسؤال صعب: كيف يمكن الوثوق في هذه المعلومات المخابراتية، وغزو العراق كان أيضا بناء على معلومات مخابراتية تبين بعد ذلك أنها خاطئة وغير مبنية على أسس؟
ولا ينسى المواطن الغربي ولا الإعلام كيف أن رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير كان دائم الحرص على حمل ملف في يده يقول إنه يحتوي على المعلومات المخابراتية التي تبين أن العراق يتوفر على أسلحة كيميائية، وهو الملف الذي أطلق عليه في ما بعد مناهضو الحرب "الملف الرديء".
ويجد المسؤولون الأميركيون والبريطانيون صعوبة في إقناع الجميع برواية المخابرات، خصوصا أن المعلومات التي يتم تقديمها هي عبارة عن خلاصات، مثلا القول إن "الغزو الروسي لأوكرانيا بات وشيكا"، لكن دون تقديم تفاصيل وأدلة واضحة تعزز هذه الخلاصات.
رد الفعل الروسي
لم يقتصر ظهور مسؤولي المخابرات على المعسكر الغربي، بل انتقل لروسيا أيضا، فلأول مرة تعرض روسيا تفاصيل الاجتماع الأمني الذي سبق اعتراف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستقلال إقليمي دونيتسك ولوغانسك.
أكثر من هذا، كان لافتا الظهور العلني لرئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي سيرغي ناريشكين، وبدا على الرجل الكثير من الارتباك، إذ يبدو أنه غير معتاد على الأضواء والحديث أمام الكاميرات، خصوصا عندما سأله الرئيس الروسي عن رأيه في الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك.
وذهب رئيس المخابرات الروسية بعيدا عندما أعلن تأييده فكرة ضمهما مباشرة إلى الاتحاد الروسي، وذلك في تصريح قد يكون زلة لسان أو أنه تهديد للغرب.
كما تعاملت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا بكثير من السخرية مع التوقعات التي تقول إن الغزو الروسي لأوكرانيا سيبدأ منتصف فبراير/شباط، وقالت إنه على الإعلام الغربي "نشر جدول زمني لغزواتنا حتى نتمكن من التخطيط لعطلنا".
ويظهر أن هدف الغرب من خلال هذا الإخبار اليومي المبني على معلومات المخابرات هو إبقاء كل التحركات الروسية تحت الأضواء الكاشفة على عكس ما حدث خلال غزو شبه جزيرة القرم.