حصار واعتداءات على متضامنين مع أسرة مهددة بالتهجير.. هكذا تحول حي الشيخ جرّاح بالقدس إلى سجن كبير
يشكو الناشط المقدسي محمد أبو الحمص من أن الشرطة عمدت للمرة الثالثة إلى تخريب مكتبه الرمزي الذي أقامه مقابل خيمة عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير في أرض عائلة سالم، وتحاصر الشرطة الإسرائيلية منزل العائلة تمهيدا لتهجيرها.

القدس المحتلة- تحوّل الشق الغربي من حي الشيخ جرّاح منذ 5 أيام إلى سجن محكم الإغلاق، في ظل اشتعال المواجهات ومحاصرة الشرطة الإسرائيلية منزل عائلة سالم تمهيدا لإخلائها وتهجيرها في أي لحظة، في مربع عسكري مغلق لا يُسمح إلا للمتطرفين بالوصول إليه والتجول فيه.
السواتر الحديدية في محيط الحي هي أول ما يستقبل الزائر، ثم يتسلل إلى سمعه صوت الناشط المقدسي محمد أبو الحمص وهو يخبر المسنة المقدسية نفيسة خويص لحظة وصولها إلى الحي، عن تعمد الشرطة تخريب مكتبه الرمزي وإزالته للمرة الثالثة على التوالي، فترد نفيسة عليه ضاحكة "أنت مدير المكتب وأنا السكرتيرة.. سأرمم المكتب الآن وأعيد افتتاحه".
اقرأ أيضا
list of 4 itemsلتعزيز الاستيطان فيه.. روضة أطفال ومراكز يهودية في طريقها إلى حي الشيخ جرّاح
ماذا يعني قرار حكومة الاحتلال عدم الاعتراض على حكم المحكمة العليا بشأن تهجير أهالي حي الشيخ جراح؟
بعد باب العامود والشيخ جراح.. 3 قضايا مرشحة للانفجار بالقدس في 2022
الجزيرة نت رافقت هذين المسنين اللذين يحرصان على التضامن والتواجد على مدار الساعة في الحي، خاصة بعد نصب عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير خيمة ومكتبا في أرض عائلة سالم، ورفضه إزالتهما.

المطلوب: الرباط
خويص قالت إن الرباط في حي الشيخ جراح واجب على كل مقدسي في هذه المرحلة، ولا يقل الرباط في الحي أهمية عن الرباط في المسجد الأقصى.
واصلت سيرها نحو التلة التي أقام عليها الناشط محمد أبو الحمص مكتبا رمزيا مقابل مكتب النائب بن غفير، وحملت كرسيين، وباشرت ترميم المكتب المحطم ووضعت أمامها الورود، وخاطبت سكان الحي "أعدنا افتتاح المكتب.. نستقبل الشكاوى وننتظر سماع مطالبكم".
بعد 3 دقائق وصلت قوة وأخلت المكتب مجددا وصادرت الطاولة والكراسي، لكن نفيسة رفضت إخلاء المكان وقالت "هذه أرضنا ومن حقنا أن نفعل فيها ما نشاء، أنتم معكم السلاح ونحن معنا الله ولا يرهبنا عتادكم".

الناشط محمد أبو الحمص يواجه صعوبة في الحركة مع عكازاته، خاصة بعد الاعتداء عليه مرارا خلال الأسبوع الأخير في الشيخ جراح، وقد عرّف عن نفسه بالقول "أنا صاحب المكتب المتواضع الذي نصبته مقابل مكتب إيتمار بن غفير، ويبعد عنه 20 مترا هوائيا".
أكد أبو الحمص أن افتتاح مكتبه جاء خطوة رمزية لاستقبال المتضامنين والشخصيات الاعتبارية، على عكس نوايا بن غفير من وراء نصب مكتبه الذي استخدمه لتحقيق مكاسب سياسية، وحشد مؤيديه من المتطرفين للاعتداء بشكل جماعي على سكان الحي والمتضامنين معهم.
على مدى الأيام الثلاثة، أخلت الشرطة مكتب أبو الحمص بالقوة، وهددته مرارا بقمعه في حال صدحت حناجر المتضامنين بالتكبيرات، ولم تتعد مدة جلوسه أمام مكتبه في اليوم الثالث 4 دقائق قبل أن يُخلى منه بالقوة مجددا.
شهد أبو الحمص على اعتداءات المستوطنين وعربدتهم في الحي من ضرب الأهالي ورشهم بالغاز ورذاذ الفلفل، كما شهد على حماية الشرطة للمستوطنين واعتدائها على المقدسيين بالقنابل الغازية والصوتية والرصاص المطاطي والمياه العادمة.

الهدوء الحذر يخيم على الحي نهارا، ومع حلول الظلام يتوافد المتضامنون إليه في حال تمكنوا من اجتياز الحواجز.
الفتية ينتشرون أمام المربع العسكري المغلق ويمررون بينهم بقايا قنبلة صوتية بدلا من كرة القدم، وإلى جوارهم يجلس رجال الحي والمتضامنون حول نار أشعلوها ليشعروا بالدفء في ظل البرد القارس.
تمر أمامهم سيارة يجلس داخلها شابان يستمعان بصوت مرتفع لأغنية "مرحبا فيك بولاد القدس بندبر حالنا نحل اللغز.. رنّات على نفحة وكله بخش.. ولا مرة نخاف ولا مرة ونص".
تغيظ الأغنية المستوطنين فيقف أحدهم أمام السيارة ويبدأ بأداء صلوات توراتية، ويرد عليه المتجمهرون حول السيارة بالتشويش والصراخ حتى يبتعد وتمر السيارة بسلام.

الشرارة والأمل
محمود السعو الذي يجلس المتضامنون أمام منزله القريب من منزل عائلة سالم، وصف ما يجري في الحي خلال الأيام الأخيرة بالحرب.
وقال "انعدم الأمن، والاحتلال والمستوطنون ينكلون بنا على مدار الساعة.. وأُعاقب بشكل شخصي باعتقال أبنائي الثلاثة لأن بيتي مفتوح للمتضامنين على مدار الساعة".
ورغم الأيام القاسية التي تمر على الحي وسكانه، يعيش هذا الرجل أملا كبيرا بانتهاء الأزمة قريبا، قائلا "أشعر أن ما قام به بن غفير والشرارة التي انطلقت بعد نصب مكتبه، ستكون بداية نهاية الاحتلال في الشيخ جراح وكل فلسطين".

على بعد أمتار قليلة يعيش بدر أبو الدولة الذي أكد أن قوات الاحتلال تحاصر الحي من جميع الجهات، وأنه بات يطلب إذنا من المجندات ليتمكن من مغادرة منزله لشراء الحليب والخبز، ويضطر لحمل هويته الشخصية كي يبرزها عند عودته ليسمح له بدخول المنزل.
يتفرق المتضامنون بعد منتصف الليل طوعا أو كرها، ويحاول السكان الخلود للنوم لكنهم لا يُفلحون في ذلك لضرورة بقائهم متيقظين تحسبا لاعتداء مباغت من المتطرفين، أو اقتحام مفاجئ من قوات الاحتلال بهدف تنفيذ حملة اعتقال، وقبل هذا وذاك تشغلهم قتامة المشهد في الحي والمستقبل المجهول الذي ينتظرهم فيه.