هل تفرض أجندتها عليه؟.. ما وراء الاتفاق الائتلافي بين نتنياهو وأحزاب الصهيونية الدينية

swearing-in ceremony for the new Israeli parliament the 25th Knesset
نتنياهو (يسار) يتبادل الحديث مع النائب المتطرف إيتمار بن غفير الموعود بحقيبة الأمن القومي في الحكومة الإسرائيلية القادمة (رويترز)

القدس المحتلة- بينما يقترب رئيس الوزراء الإسرائيلي المكلّف وزعيم حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، من الاتفاق مع الأحزاب الدينية وقوى اليمين المتطرف لتشكيل الحكومة المقبلة، تصاعدت تحذيرات قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية من الاتفاقيات الائتلافية المتبلورة بسبب انعكاساتها على ما أسموه "استقرار ومناعة الجيش".

ووجه قادة أجهزة أمنية وضباط سابقون بجيش الاحتلال انتقادات لموافقة نتنياهو على نقل صلاحيات من وزارة الأمن لكسب تأييد رئيس "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش، والذي سيتولى منصب وزير المالية في الحكومة المقبلة.

وسيحظى سموتريتش بصلاحيات في "الإدارة المدنية" لسلطات الاحتلال بالضفة الغربية، وكذلك تعيين مندوب عنه في مكتب وزير الأمن المقبل.

ووفقا للاتفاق بين سموتريتش ونتنياهو، سيتم فصل مسؤوليات سلطات جيش الاحتلال في الضفة، حيث يبقى ما يُسمى "قائد المنطقة الوسطى" (القائد العسكري للضفة) تحت إمرة وزير الأمن، بينما تخضع "الإدارة المدنية" لوزير من حزب "الصهيونية الدينية" يعين في وزارة الأمن، وهو ما يعني تقليص صلاحيات وزير الأمن ورئيس هيئة أركان جيش الاحتلال في هذه المناطق.

وسيكون لحزب "الصهيونية الدينية" الدور الكبير في ترشيح واختيار رئيس "الإدارة المدنية" للضفة، وما يسمى "منسق أنشطة الحكومة في المناطق" المحتلة، مما يعني منح تحالف "الصهيونية الدينية" وأحزاب اليمين المتطرف صلاحيات واسعة وغير مسبوقة في تخطيط وتطبيق سياسات الحكومة بكل المجالات الحياتية واليومية للفلسطينيين.

وبموجب الاتفاق، سيكون مندوب "الصهيونية الدينية" مسؤولا عن الردود التي ستقدمها النيابة العامة على توجهات المحكمة العليا بشأن الأمور الإدارية في الضفة المحتلة، بما في ذلك ما يتعلق بمشاريع التخطيط والبناء الاستيطانية واعتداءات المستوطنين، ومصادرة الأراضي الفلسطينية، وملفات هدم المنازل وقضايا الأرض والمسكن، والتدريبات العسكرية، والتهجير القسري، وتنقل الفلسطينيين بالضفة وخارجها.

رئيس الأركان الإسرائيلي كوخافي: لم يُسمح بأي تدخل سياسي في المؤسسة العسكرية (صحافة إسرائيلية)

معارضة واسعة

أمام هذه التوجهات، عبّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي عن اعتراضه على بنود الاتفاق الائتلافي الذي يتمحور حول الجيش والمؤسسة العسكرية.

وأبدى كوخافي، في محادثات مغلقة نقلت تفاصيلها القناة 13 الإسرائيلية، اعتراضه على الإجراءات المستقبلية التي تنذر بتقويض صلاحيات وزير الأمن ورئيس هيئة الأركان، بكل ما يتعلق بتحديد سلطات الاحتلال في الضفة.

وأكد أنه لن يسمح بأي تدخل "حتى لو كان بسيطا" في تعيين ضباط بالجيش والإدارة المدنية، مشيرا إلى أن ذلك "أمر غير وارد". وأضاف "لن يُسمح بأي تدخل سياسي في الجيش والمؤسسة العسكرية".

و"الإدارة المدنية" هي الجهة المسؤولة المباشرة عن الفلسطينيين والمستوطنين بالضفة وفي كافة النواحي، وهي التي تجرب الاتصال والتواصل مع السلطة الفلسطينية في مختلف القضايا المدنية والأمنية.

بدوره، عبر رئيس أركان الجيش المقبل، هرتسي هليفي، والذي سيستلم منصبه في يناير/كانون الثاني، عن تأييده لموقف القيادات الأمنية والعسكرية المعارض لنقل أي من صلاحيات وزارة الأمن أو هيئة الأركان التي تتعلق بالضفة، وفق المراسل العسكري للقناة 13 أور هيلر.

بداية تفكيك المؤسسة العسكرية

يقول الصحفي الإسرائيلي يوآف شتيرن إن الاتفاقيات المتبلورة توحي بأن الحكومة الجديدة ستصطدم بعدة جبهات، منها التباين داخل "المجتمع اليهودي" في إسرائيل وحول العالم، وملف التوغل الاستيطاني والضم التدريجي للضفة، والتصعيد ضد الفلسطينيين، وتقويض صلاحيات وزير الأمن ورئيس الأركان "وهو من ينذر بتصدع وشروخ تهدد مناعة وحصانة الجيش".

ويرى شتيرن أن منح أي شخص، عدا وزير الأمن، صلاحيات تعيين قيادات عسكرية في الإدارة المدنية، من شأنه أن "يخلف حالة من الفوضى في صفوف الجيش، ويضر بمدى جاهزية القوات المنتشرة بالضفة" مؤكدا أن منح سموتريتش صلاحيات واسعة بتعيين رئيس "الإدارة المدنية" و"المنسق" سيؤدي إلى "كسر التسلسل القيادي" في الجيش والمستوى العسكري.

وحذّر -في حديثه للجزيرة نت- من تداعيات الاتفاق الائتلافي الحكومي بين الليكود والشركاء الخمسة من أحزاب اليمين، على "مستقبل الجيش الإسرائيلي ووحدة وزارة الأمن". واعتبر الاتفاق بداية لتقويض وزارة الأمن وتفكيك المؤسسة العسكرية، والسعي لتسيسها وتعميق الشرخ في الجيش ومجتمع الجنود.

اقتحامات ليلية لقوات الاحتلال للبلدات الفلسطينية شمالي الضفة ضمن حملة "كاسر الأمواج"(تصوير الجيش الإسرائيلي ووزعها على الإعلام).
اقتحامات ليلية لجنود إسرائيليين في بلدات الضفة الغربية (الجزيرة)

اختراق "تحصين الجيش"

والتحذيرات ذاتها أطلقها المحلل العسكري في صحيفة "معاريف" طال ليف رام، الذي رجح أن يكون رئيس أركان الجيش المقبل ملزما بالتعامل مع العديد من التحديات الأمنية والعملياتية على الصعيد الفلسطيني، والملف الإيراني، والجبهة الشمالية مع لبنان وسوريا.

بيد أن أبرز هذه التحديات، حسب المحلل العسكري، هو "تحصين" الجيش الإسرائيلي والحفاظ على وحدة الرتب والمناصب بالمؤسسة العسكرية، وإبعاد السياسة عن الجيش.

وقال المحلل العسكري -للجزيرة نت- إن المجتمع الإسرائيلي يعيش في عصر الاستقطاب والانقسام، وخلافاته السياسية والاجتماعية باتت تنعكس على الجيش.

ويعتقد أن الاتفاقيات الائتلافية السياسية تلحق الضرر بالجيش والمؤسسة العسكرية، وتخترق ما أسماه "الجدار الذي يشكله الضباط وقادة المؤسسة العسكرية والحصانة التي تسمح للإسرائيليين من جميع القطاعات والمعتقدات والأديان بالعمل والتناغم خلال الخدمة العسكرية".

تهديد بضم الضفة وانهيار السلطة

وفي مقال للجنرال الإسرائيلي المتقاعد عاموس جلعاد، والذي تولى في السابق منصب منسق أعمال الحكومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وصف الاتفاقيات الائتلافية القاضية بنقل صلاحيات من وزارة الأمن بـ "البائسة" مشيرا إلى أن إسرائيل ستندم على تنفيذ مثل هذه الإجراءات مستقبلا.

وأوضح الجنرال -في مقاله المنشور بصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية- أن المؤسسة العسكرية والجيش والقضايا الأمنية ليست في سلم أولويات سموتريتش وبن غفير، قائلا إنهما "يخصصان جل وقتهما ونشاطهما من أجل تطبيق حلم ضم الضفة للسيادة الإسرائيلية لاعتبارات دينية توراتية".

ويعتقد أن "الإدارة المدنية، تحت قيادة سموتريتش أو عضو كنيست آخر من حزبه، سيمنحهم القدرة على تحقيق حلمهم، ويمهد الطريق إلى ضم كامل للضفة إلى السيادة الإسرائيلية، وسيسعون لخدمة المشروع الاستيطاني وضم مناطق "ج" (نحو ثلثي الضفة حسب اتفاق أوسلو) وسيشددون من ممارساتهم ضد الفلسطينيين، وهي إجراءات تمهد لانهيار السلطة الفلسطينية وتكريس الاحتلال الإسرائيلي للضفة".

المصدر : الجزيرة

إعلان