نظام الحكم الأمثل للمسلمين.. الخلافة أم نموذج الدولة الحديثة؟
منذ إلغاء الخلافة العثمانية على يد مصطفى كمال أتاتورك، لم يتوقف الجدل في العالمين العربي والإسلامي حول نظام الحكم الأمثل وأيهما أصلح: هل نظام الخلافة بعد إقامته مجددا باعتباره في نظر البعض نظاما شاملا للحكم وفق مقتضيات الشريعة، أم نموذج الدولة القُطرية الحديثة بمفهومها القائم على المواطنة والانتخابات والديمقراطية؟
ولم يحدد الإسلام آليات محددة لنقل السلطة وتداولها، إذ ظل النبي صلى الله عليه وسلم طوال العهد المدني من رسالته إمام الأمة والمنفرد بالرئاسة الدينية والدنيوية. وبعد وفاته أُسند الأمر إلى خليفته أبو بكر الصديق بعد بيعة السقيفة، التي شهدت نقاشا وحوارا موسعا حول استحقاق الخلافة وشروط الحاكم. ومع تعاقب الخلفاء الراشدين، تم تثبيت مجموعة من القيم الأخلاقية السياسية التي كانت وراء إشهار نموذج الخلافة بوصفه أحد نماذج الحكم الإسلامي، وهو النظام الذي رآه المُؤرّخ عبد الرحمن بن خلدون أسمى أنواع النظم السياسية.
وبانطواء الخلافة الراشدة، حدثت تحولات ضخمة على صعيد نموذج الحكم نفسه، وظهرت الخلافة الكبرى باتساع جغرافية العالم الإسلامي ومعها ترسخت قواعد الملك العضوض، وتعاقب على العالم الإسلامي 3 دول كبرى: الأموية والعباسية وتلاها العثمانية. ورغم مرور قرون طويلة ظلت الخلافة الراشدة تمثل في نظر الكثير من أبناء الحركات الإسلامية الحلم المنشود والفردوس المفقود الذي يحنون إليه ويسعون إلى استعادته. في حين رأى آخرون من أبناء تلك الحركات -لا سيما الجديدة منها- أن الخلافة لم تعد هدفا وأن التركيز على قيم المشروعية السياسية والحرية والشورى والعدالة والحكم الرشيد أهم وأولى.
وحول تعريف مفهوم الخلافة الإسلامية في القرآن الكريم، قال أستاذ الفلسفة العربية واليونانية في الجامعة التونسية، أبو يعرب المرزوقي، إن الاستخلاف منزلة وجودية يحددها القرآن لكل أبناء آدم، وإن الإسلام يحدد الاستخلاف للأمم الصالحة، وإن في سورة "ص" يوجد مفهوم الاستخلاف بمعنى الحكم السياسي، مؤكدا أن الخلافة في السياسة لا تتسند شرعيتها من النبوة، بل من إجماع الجماعة التي تبايع الشخص، والرسول -صلى الله عليه وسلم- طالب بالبيعة بعد انتقاله من مكة إلى المدينة.
وأضاف أن الرسول -صلى الله وسلم- كان يحكم باعتباره قد بويع من الجماعة ووضع دستورا مستوحى من القيم القرآنية، ولو كان القرآن مصدر السلطة السياسية لما طالب بالبيعة ولبقي في مكة عندما فتح مكة.
ورأى المرزوقي -الذي تحدث لحلقة برنامج "موازين"- أن الخلافة الإسلامية من بدايتها إلى نهايتها كانت بالاختيار، وكانت البيعة حرة واختيارية، ولكن بعد الفتنة الكبرى أصبحت شبه إجبارية، مشددا على أن الحكم خيار للجماعة لإدارة الشأن العام بالاجتهاد، وليس مستمدًا من السلطة الدينية.
أسباب فشل الحركات الإسلامية
وعن أسباب إخفاق الحركات الإسلامية الحديثة في تحقيق حلم الخلافة، رأى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في الجامعة الأردنية، صبري سميرة -في مداخلته لبرنامج "موازين"- أن السبب هو أن الحركات والأطروحات الإسلامية فيها فشل وخطأ كبير، ولم تستند إلى المرجعيات الحقيقية، بالإضافة إلى أن الحركات الإسلامية تريد استرجاع التاريخ وتكرار تجاربه، وتساءل قائلا: "أي خلافة إسلامية تريد؟ خلافة أموية أو عباسية أو مملوكية؟ وهل تريد ما كان يحكم به الأمراء في الهند أو في الأندلس أو ماليزيا؟" وأعرب عن أسفه لكون لحركات الإسلامية -وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين- لم تأخذ المبادئ الصحيحة وتطبقها في الوقاع الصحيحة.
ويعد "حزب التحرير" من أكثر الأحزاب الإسلامية تمركزًا حول فكرة الخلافة في أطروحاته، وقال الباحث السياسي في شؤون الحركات الإسلامية، محمد عفان -في مداخلته- إن الحزب يقع في منطقة وسط بين الإسلاميين والديمقراطيين والحداثيين وبين السلفيين الذي يحافظون على شكل وطبيعة العلاقة السلطوية الأبوية وهو الخليفة. وقال إن الحزب يحاول التعاطي مع واقع حداثي لكن ما زالت هناك ملامح تقليدية ومحافظة في تصوراته وأفكاره.
ومن وجهة نظر أستاذ الفلسفة العربية واليونانية في الجامعة التونسية، فإن حزب التحرير يعتقد أنه بالإقناع وبالشرعية التاريخية والدينية يمكن توحيد الأمة، وهذا مستحيل.
كما يرى أن الحركات الإسلامية في المغرب العربي والمشرق العربي متشابهة، حيث تبنت إستراتيجية المشاركة في الحكم بشروط الحكم الحديث، لكنها لم تتخل عن فكرة وحدة الأمة، على الأقل من حيث المرجعيات، وهي تشارك في الحكم بدون سلطة حقيقية.
وعن دعوة إعلان تنظيم الدولة الإسلامية يوم 19 يونيو/حزيران 2014 قيام الخلافة الإسلامية، رأى الأستاذ التونسي أن هذا التنظيم مشروع مخابراتي لتشويه فكرة الخلافة الإسلامية وإجهاض محاولات المسلمين لاستئناف دورهم التاريخي.