رغم دخولها أسبوعها الثاني.. حملة انتخابية "باهتة" و"باردة" في تونس
تونس- دخلت حملة الانتخابات التشريعية في تونس المقررة في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل أسبوعها الثاني، لكن أجواءها بقيت باهتة ولا توحي بوجود انتخابات عكس ما كان يحدث في الانتخابات السابقة.
وانطلقت الحملة يوم الجمعة 25 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، لكن المتجوّل في العاصمة لا يلاحظ أي زخم على الإطلاق في هذه المرحلة المهمة من مسار الانتخابات.
اقرأ أيضا
list of 1 itemوجرت العادة في الانتخابات السابقة أن يشتد التنافس بين الأحزاب السياسية وحتى القوائم المستقلة لاستمالة الناخبين من خلال الاجتماعات الشعبية والخيم الدعائية أو اللافتات والمعلقات.
وتبدو أجواء الشارع التونسي باردة وسط انهماك المواطنين في قضاء شؤونهم المعيشية، في ظل استمرار نقص بعض السلع الاستهلاكية على غرار الحليب والسكر وبعض الأدوية، والارتفاع الحاد لأغلب الأسعار.
صمت قبل الأوان
ورغم أن فترة الصمت الانتخابي تنطلق دوما قبل 24 ساعة من موعد الذهاب إلى صناديق الاقتراع حيث يقع حظر الأنشطة الدعائية للمرشحين، فإن الصمت الانتخابي هذه المرة خيّم على الحملة قبل أوانه، وفق البعض.
وهذه الأجواء الباردة التي تسبق الانتخابات دفعت الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي إلى القول، أمس السبت، خلال مظاهرة مناوئة لسياسة الرئيس قيس سعيد أمام مبنى الاتحاد، إن تونس مقبلة على انتخابات "بلا لون ولا طعم".
كما أكد أن الاتحاد، أكبر منظمة عمالية في البلاد، لم يعد يقبل بالمسار السياسي الحالي بسبب التفرد بالحكم والغموض، حسب تعبيره.
وحول تقييمه للحملة، يقول بسام معطر، رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات، إن المناخ الذي تجري فيه والحملة الانتخابية في تونس بارد للغاية، متوقّعا استمرار حالة الفتور في الحملة في الأيام المقبلة.
ويؤكد معطر -للجزيرة نت- أن الأنشطة الانتخابية المصرّح بها لدى الهيئات الفرعية التابعة لهيئة الانتخابات قليلة جدا ومختزلة فقط في ملتقيات ينظمها أفراد مرشحون للانتخابات وسط مقاهٍ وبحضور مجموعات صغيرة جدا، أو عبر توزيع بيانات انتخابية في الأسواق، أو في مساحات ضيقة للتعبير في وسائل الإعلام.
وأبرز أسباب هذا الكساد الانتخابي، وفق معطر، هو أن الانتخابات التشريعية تجري وفق قانون انتخابي عدله الرئيس قيس سعيد ليكون لأول مرة بنظام الاقتراع على الأفراد بدلا من القوائم الحزبية أو المستقلة كما كان في انتخابات 2019 و2014 و2011.
غياب الإمكانات
ويعزو معطر ضعف التواصل مع الناخبين من قبل المرشحين إلى أن أغلبهم ترشحوا بشكل فردي مستقل من دون أن يكونوا مسنودين من أحزاب سياسية أو تنظيمات، ولذا تعوزهم الإمكانات المادية والبشرية واللوجستية لإدارة حملاتهم.
وترشّح للانتخابات التشريعية المقبلة 1058 فردا منهم 936 رجلا و122 امرأة (12%) في أول تراجع ملحوظ بمشاركة النساء. وسيتشكّل البرلمان القادم، الذي سيستمر لولاية تدوم 5 سنوات، من 161 نائبا، بعدما كان مكونا في الانتخابات الماضية من 217.
واللافت أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستجري وسط مقاطعة أبرز الأحزاب السياسية كحركة النهضة الإسلامية صاحبة الأغلبية البرلمانية السابقة وخصمها الأيديولوجي "الدستوري الحر" وأحزاب وسطية كـ"التيار الديمقراطي" وأخرى يسارية كحزب العمال.
وتتهم تلك الأحزاب الرئيس قيس سعيّد بالانقلاب على الشرعية وصياغة دستور على مقاسه وفرض قانون انتخابي جديد لإعادة تشكيل المشهد السياسي وفق أهوائه والتفرد بالحكم، بينما كرر الرئيس أنه يسعى لتصحيح مسار البلاد ومحاسبة "الفاسدين".
عزوف كبير مرتقب
ولا يستبعد معطر أن تشكو الانتخابات التشريعية المقبلة من عزوف قياسي عن التصويت نظرا لجملة معطيات، أبرزها تدهور أوضاعهم الاجتماعية، وانهماكهم بمباريات كأس العالم، وعدم وثوقهم بمسار الانتخابات التي يعتقدون أنها لن تحسّن معيشتهم.
ويقول إنه كلما زادت نسبة عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات انخفضت القيمة المعنوية للبرلمان القادم، لافتا إلى أن شرعية العملية الانتخابية تُقاس بمدى إقبال الناخبين على مراكز الاقتراع لاختيار من سيمثلهم بالبرلمان.
في المقابل، يقول العضو السابق في هيئة الانتخابات عبد الجواد الحرازي -للجزيرة نت- إن الحملات الدعائية والانتخابية دائما ما تنطلق بنوع من البرود في أسبوعها الأول، متوقعا أن تشهد تحسنا طفيفا قبل نهاية موعد الحملة في 15 ديسمبر/كانون الأول.
وبدوره، يُرجع الحرازي غياب الحركة التنافسية في الحملة الانتخابية لأسباب موضوعية عدة، منها تردّي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، واهتمام التونسيين بالكأس العالم، ومقاطعة أبرز الأحزاب للانتخابات، وضعف الإمكانات والموارد للمرشحين الأفراد.
ويقول إن من أبرز مساوئ قانون الانتخابات الذي عدله قيس سعيد حرمان المرشحين الأفراد من التمتع بتمويل من الدولة لممارسة أنشطتهم الدعائية خلافا لما كان في السابق، مؤكدا أن هذا الحرمان يلغي مبدأ المساواة ويفتح الباب أمام المال الفاسد.
ويضيف أن المناخ الذي تجرى فيه الانتخابات التشريعية القادمة ككل لا يضمن بدرجة مقبولة إعداد انتخابات ديمقراطية وتعددية ونزيهة وشفافة وعادلة، كما يعيب على قانون الانتخابات عدم ضمان تكافؤ الفرص بين المرشحين بخاصة في عملية جمع التزكيات للترشح وتمويل حملاتهم الانتخابية.