المعارضة التركية على مفترق طرق.. هل تؤدي معضلة "المرشح الموحد" إلى انهيارها؟

تحالف أحزاب المعارضة التركية الستة يقف أمام مفترق طرق بسبب الخلافات حول مرشح موحد للرئاسة أمام أردوغان (رويترز)

إسطنبول- أشعل الحكم القضائي بحبس رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، عامين و7 أشهر ومنعه من ممارسة السياسة، خلافات المعارضة التركية حول تحديد هُوية المرشّح الموحّد الذي ستقدمه لمواجهة الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية في يونيو/حزيران المقبل، ويبدو أن الخلاف وصل إلى حافة الانهيار.

ويدور النقاش منذ أشهر في أروقة "الطاولة السداسية" التي تضم 6 أحزاب معارضة على رأسها: حزب الشعب الجمهوري، على الاختيار بين رئيس الحزب كمال كليجدار أوغلو، والعضو في الحزب، ورئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، وشخصيات أخرى، كمرشح مشترك للتحالف المعارض.

اقرأ أيضا

list of 1 itemend of list

وعقب الحكم القضائي، أبدى إمام أوغلو وداعموه -وفي مقدمتهم زعيمة "حزب الجيد" ميرال أكشنار- رغبتهم بترشيحه عن المعارضة للانتخابات الرئاسية، إلا أن زعيم حزبه كليجدار أوغلو تمسّك -حتى الآن- بضرورة أن يكون هو المرشح، الأمر الذي بات يهدّد بتفكك تحالف "الطاولة السداسية"، حسب مراقبين.

والتقت أكشنار، زعيمة ثاني أكبر أحزاب "السداسية" -الثلاثاء الماضي- برئيس حزب الشعب الجمهوري في أول اجتماع ثنائي لهما منذ أشهر، بعيدًا عن اجتماعات التحالف الذي يضم 6 أحزاب، في محاولة أخيرة لإقناع كليجدار أوغلو بالعدول عن ترشيح نفسه، وإفساح المجال أمام ترشيح إمام أوغلو، وفقًا لمصادر مقربة من الطرفين.

رئيس بلدية اسطنبول أكرم إمام أوغلو وزعيمة حزب "الجيد" ميرال أكشنار التي تدعم ترشحه للرئاسة بدل كليجدار أوغلو (رويترز)

لقاء تخيير أو لتطييب الخواطر؟

ذكرت الصحفية نيفشين مانغو، المقربة من دوائر المعارضة، في مقطع مصوّر لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي -نقلًا عن مصادر وصفتها بالموثوقة- أن أكشنار تريد أن تشرح لكليجدار أوغلو أن حزبها "الجيد" سيفقد أصوات ناخبيه لصالح جهات أخرى في حال ترشحه شخصيًا للانتخابات، وأن حزبها لا يريد المواصلة في هذا الطريق دون تغيير صيغة تحالف "الطاولة السداسية"، ووضع إستراتيجية جديدة لها.

وأثار تسجيل زعيم الكتلة النيابية لحزب الشعب الجمهوري، إنغين ألتاي، إعجابه بتغريدة الصحفية مانغو، جدلًا حول تصاعد الخلافات حتى داخل صفوف الحزب. مما دفع ألتاي نفسه إلى نشر تغريدة لاحقة، أوضح فيها بأنه وضع إعجابه على منشور الصحفية "بالخطأ".

وعقب انتهاء عشاء العمل بين كليجدار أوغلو وأكشنار، لم يصدر أي بيان مشترك أو منفرد من أيّ منهما، ما عزّز فرضية الخلاف المستحكم بينهما.

لكن الصحفية إليف تشاكر، قالت في اليوم التالي إنها اتصلت بأكشنار، وذكرت أن الموضوع الرئيسي للاجتماع كان تخفيف استياء زعيمة "حزب الجيد" بعد عناقها مع إمام أوغلو يوم صدور الحكم القضائي بحقه؛ إذ كانت مستاءة للغاية من الاتهامات التي وُجّهت إليها بـ"الوقاحة السياسية ولعب الأدوار". وأكّدت تشاكر أن اللقاء كان "عشاء لتطييب خاطرها".

ما طبيعة الخلاف؟

يعوّل أنصار المعارضة على إعلان "الطاولة السداسية" مرشحها المشترك الذي سيواجه أردوغان في الانتخابات، لكن التحالف أصبح على ما يبدو أمام مفترق طرق، مع تصاعد الخلاف بشكل خاص بين أكشنار وكليجدار أوغلو، الذي بات ينظر إليه على أنه صراع قد ينتهي بانهيار التحالف.

ويستبعد رشتو حاجي أوغلو، مستشار رئيس بلدية اسطنبول، وجود صراع بين الزعيمين السياسيين، مؤكدًا أنهما "مرتبطان بعلاقات أقوى بكثير من الطاولة السداسية، فهما عضوان في تحالف الأمة الذي فاز في الانتخابات المحلية ضد أردوغان".

ولفت حاجي أوغلو -في حديث للجزيرة نت- إلى أن الحزبين "يديران العديد من بلديات المدن الكبيرة معًا، بما في ذلك إسطنبول، ولم تشهد إدارتهما المشتركة أي نقاش". وأضاف "الجدل يقتصر حول من يحصل على أكبر عدد من الأصوات ضد أردوغان في الانتخابات القادمة".

وحسب مستشار إمام أوغلو، فإن أكشنار سياسية قادمة من التقاليد المحافظة، وتعرف عالم الناخبين المحافظين من كثب الذين يشكّلون قاعدة تحالف الشعب، وتريد فصلها عن أردوغان.

وبناء على ذلك، فإنها تصر على الدخول في الانتخابات مع "زعيم شاب ناجح مثل أكرم إمام أوغلو، الذي يمكنه التأثير في الكتلتين العلمانية والمحافظة بالمعدل نفسه؛ لأن المعارضة ليس لديها مرشح ثانٍ بهذه الخصائص"، كما يقول حاجي أوغلو.

ولفت إلى أن أكشنار تعتقد أن كليجدار أوغلو "زعيم بعيد عن الشريحة المحافظة ووقف ضد المحافظين في جميع الانتخابات التي خسرها في السنوات العشر الماضية". وأضاف "من وجهة نظرها، فهو محمّل بحمولات الماضي السلبية". فيما يبدو زعيم الحزب الجمهوري واثقًا من قدرته على تخفيف هذا العبء بدعم من الأحزاب المحافظة المنضوية في الطاولة السداسية (السعادة، والمستقبل، وديفا).

كما لا ترى أكشنار أنه من الصواب أن تبرز الطاولة السداسية من خلال الاعتماد على الأحزاب المحافظة، في ظل وجود شخصية قوية ومؤثرة مثل إمام أوغلو. وتتوقع من كليجدار أوغلو الانسحاب من السباق الرئاسي، كما فعلت هي عندما قالت "لن أكون مرشحة رئاسية، أنا مرشحة لرئاسة الوزراء"، وفقًا لحاجي أوغلو.

وبينما استبعد أن يؤدي الخلاف إلى انهيار التحالف المعارض، أكّد المستشار أن ما يجري هو "مفاوضات إستراتيجية، وليس صراعًا سياسيًا".

زعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو يرى أن الطاولة السداسية يمكن أن تقدم أكثر من مرشح (الفرنسية)

هل الطاولة السداسية مشتّتة؟

صرّح رئيس حزب المستقبل أحمد داود أوغلو -أحد أحزاب الطاولة السداسية- في مقابلة تلفزيونية، أنه ليس من حق أحد التفريط بهذا التحالف. إلا أنه رأى أنه من الممكن أن تقدم "السداسية" أكثر من مرشح.

واستبعد مستشار إمام أوغلو هذا الاحتمال. وقال: "إذا كان هناك أكثر من مرشح واحد، فسيكون هناك تساؤل حول ما إذا كانت الطاولة السداسية مشتتة".

من جهته، يرى الصحفي والباحث المتخصص في الشأن التركي محمد طاهر أوغلو، أن انهيار الطاولة السداسية على وقع الخلاف بشأن المرشح المشترك يبقى أمرًا ممكنًا في الحياة السياسية التركية، إلا أنه توقّع أن لا تفرط المعارضة بمظهر التكاتف الذي تريد رسمه في مخيلة الرأي العام.

وقال طاهر أوغلو للجزيرة نت إن "التحدي هنا إلى أي مدى يمكن أن تصمد هذه الأحزاب المعارضة لتحقيق هدفها؟ وهل بمقدورها تجاوز الخلافات في سبيل الحفاظ على الطاولة التي قد تتحول قريبًا إلى تحالف سداسي رسميًا؟".

وفي حين يبدي زعيما الحزبين المعارضين "إرادة للحفاظ على التحالف القائم بينهما" من خلال لقائهما الثنائي، فإن التأخر في الاتفاق على مرشح موحد -حسب الصحفي والباحث التركي- سيصبّ في مصلحة الرئيس أردوغان، وسيكون دليلًا بيده على أن هذه المعارضة ليست قوية بما يكفي لإدارة البلد.

ويقول طاهر أوغلو إن أردوغان يمكن أن يربط ذلك بالذاكرة التاريخية التي يعرفها الجيل القريب عن الحكومات الائتلافية في تسعينيات القرن الماضي بالتحديد، وكيف أسهمت في تراجع تركيا، وضعف دائرة اتخاذ القرار.

المصدر : الجزيرة